ترقب العالم برنامجا لانقاذ الكرة الأرضية يصدره مندوبو العالم ورؤساؤه في نهاية مؤتمر كوبنهاجن, لكننا طلعنا بأقل القليل نتيجة صراعات معروفة من قبل بين اغنياء وفقراء. بين كبار العولمة وصغار الدول, بين دول كبري تعتبر نفسها نامية لكنها ليست كذلك, بخاصة الصين والهند, وبين دول متلقية كل شيء من التكنولوجيا إلي أساسيات طعامها, بين الحابل والنابل كان لابد أن تختلط الأمور بين الدول النامية والمتقدمة, وفي آخر لحظة تعلن الولاياتالمتحدة اتفاقا مبهما في مجمله, هو محاولة تحسين متطلبات اتفاقية كيوتو المناخية الصادرة في1997, فتحس أوروبا بأنها لاتزال في الصف الثاني في إصدار توجهات عالمية, فالعالم لم يزل يراوح مكانه بين قطبية وحيدة وأقطاب ثانوية, وكتلة كبيرة العدد من الدول والشعوب قليلة التأثير, عليها مجاراة الأوضاع وإن تململت!!. لكن لكي نوفي هذه الصورة العامة حقها, علينا أن نطرح السؤال الجوهري: هل أدت كوبنهاجن إلي دينامية جديدة في التفكير حول أخطر قضية تتناول مصير الكرة الأرضية؟ بمعني فشل المؤتمر في إيجاد حل سياسي لكنه وضع علي المحك العالمي موضوع القرن؟ ولاشك في أنه قد نجح في إثارة الموضوع علي كل الشعوب بعد أن كانت بروتوكولات كيوتو أشبه بالألغاز في زوايا الفكر العالمي, ومن ثم فقد خرج موضوع التغير المناخي من جدران البحوث المعملية إلي ميدان مشروع للحديث العام والخاص ومن أجل استقطاب العمل البيئي لإنقاذ الأرض وهو بالأساس دفع السياسات لاتخاذ المواقف المناسبة للعمل. الجزء الأكبر من العمل البيئي السياسي ليس موجها لجيلنا فقط وإن كان يطولنا خلال ال20 أو30 سنة المقبلة لكنه موجه بصفة أساسية إلي الأجيال المقبلة؟ أو حسب بعض الشعارات الحالية ماذا نورث لأحفادنا؟ موضوع الميراث هو من الموضوعات صعبة التصور علي ما اعتادته عقولنا حول صورة الأرض الحالية, لكن نظرة إلي التاريخ القريب تعطينا أدلة إلي كم من التغيير قد أحدث الإنسان علي وجه الأرض. منذ عشرة آلاف سنة لم يكن يعمر سطح الأرض أكثر من بضعة ملايين من البشر, ومنذ الثورة الاقتصادية الأولي عند اكتشاف الزراعة وتربية الحيوان وطوال عشرة آلاف سنة ارتفع عدد السكان إلي نحو500 مليون في القرن السابع عشر.. طوال ذلك لم يسع الإنسان إلي تخريب البيئة, بل عاش من خلالها مع القليل من التكييف لحث البيئة علي اعطاء غذاء أكبر بتجهيزات محدودة كنظام ري السواقي, والتوسع علي أراضي الاعشاب وبعض الغابات, وخلال ال300 سنة اللاحقة إلي اليوم ارتفع العدد إلي أكثر من ستة مليارات من الانفس نتيجة الثورة الاقتصادية الثانية عند نشأة الصناعة وأخيرا نشاطات الخدمات وأخيرا عصر المعلوماتية, وخلال هذه الفترة القصيرة من الحياة علي الأرض اجترأ الإنسان علي البيئة الأرضية, ونفث أدخنة الغازات الكربونية وغيرها, فأحدث متغيرات في الغلاف الجوي المحيط فيما نسميه الاحتباس الحراري الذي يهدد كل أشكال الحياة الطبيعية والبشرية بتغيير لم نحسب حسابه إلا أخيرا نرجو ألا يكون متأخرا بدرجة لا رجعة فيها! خلال هذا الاضطراب المناخي حدثت متغيرات أخري فيما نعرفه الآن بشمال إفريقيا والصحراء الكبري والعربية تناوبت فيها فترات مطيرة وأخري جافة ليست بالضرورة مرتبطة بالعصور الجليدية, وإنما هي متغيرات في مناطق الضغط الجوي العالمي, وانكماش أو تمدد طاقات المطر والجفاف, وانخفاض وارتفاع سطح البحار والمحيطات, من الأمثلة علي ذلك امتداد ما نعرفه الآن بالأراضي المصرية شمالا وشرقا عبر أجزاء كثيرة من البحر المتوسط والأحمر فترات الجليد وانحباس مياه كثيرة من البحار في صورة الجليد الشمالي, ومن ثم هبوط سطح البحر بضع مئات الأمتار بحيث انغلقت مضايق كثيرة كجبل طارق, وما بين تونس وإيطاليا, وعكس ذلك فترات الجفاف حين تذوب حقول الجليد, فيرتفع سطح البحر عشرات الأمتار غطت شمال مصر والدلتا ووادي النيل في خليج بحري طويل, ربما امتد إلي محافظتي قنا وسوهاج الحاليتين آخر عصور المطر أو ربما هامش المطر في صحاري مصر كان في حدود سبعة إلي تسعة آلاف سنة مضت, بدأ الجفاف بعدها في السيطرة, ومعه أخذ السكان يرتحلون من الصحاري إلي هوامش الوادي والدلتا ليستقروا ويبنوا علي مهل أسس الحضارة الفرعونية. مثل هذه المتغيرات قد تحدث علي مدي زمني لا نعرفه, لكن ما نتكلم عنه الآن قليل بالقياس إلي حركات التغير الماضية, فنحن نتكلم عن ارتفاع سطح البحر مترا إلي خمسة أمتار نتيجة الاحتباس الحراري, وارتفاع متوسط حرارة الغلاف الجوي المحيط بالأرض درجتين أو خمسا وذوبان الجليد في ثلاجات الجبال العالية كالهملايا والألب والروكي, أو نهاية ثلاجات جبال مفردة في إفريقيا الاستوائية مثل كليمانجارو وروينزوري في أعالي النيل, وهما قريبا الحدوث2030 ماذا سيحدث لكثير من أنهار أوروبا كالراين والرون والبو والدانوب, أو الجانج والسند في الهند وباكستان وسيرداريا وأموداريا في وسط آسيا, وهوانج هو واليانحتسي بالصين ودجلة والفرات والنيل والكنغو الخ, نهر كلورادو في أمريكا يقدر مخزونه الآن من مياه بحيرات السدود بنحو60% مما كان عليه المخزون عام2000, فهل يجف خلال هذا القرن؟ ليس الغرض هو تقليل ذوبان ثلاجات الجبال فقط, بل أيضا تقليل ذوبان جليد المنطقتين القطبيتين, فهما أكبر تجمع للجليد بسمك يتراوح في أغلبه بين ألفين وثلاثة آلاف متر وفوق مسطحات أرضية أكبرها أنتاركتيكا قارة القطب الجنوبي وجرينلاند وأرخبيل كندا الشمالي, فضلا عن كتلة الجليد الكبيرة علي مياه المنطقة القطبية الشمالية وجبال الجليد العائمة, هذا الجليد ليس فقط كمية ضخمة من الماء المجمد إذا ساحت يرتفع سطح بحار العالم70 مترا أو يزيد, لكن وجوده أساسي وجوهري لنظام الضغط الجوي العالمي, وبالتالي أنظمة الرياح ودورة الهواء العليا وأنظمة المطر وباختصار النظام المناخي الذي لا حياة لنا إلا من خلاله. وفي الحالتين جليد الجبال وجليد القطبين يحدث اختلال جوهري في الحياة البشرية والحيوانية والنباتية, وأول ما يختل هو سكان مناطق السواحل عالميا وعليها ما عليها من الدلتاوات كثيفة السكان وآلاف الجزر في المحيطات وآلاف المدن والمواني الكبري والصغري ومئات الملايين من السكان. ماذا يظل سوي السهول الداخلية فهل تقبل السهول مئات الملايين من اللاجئين مهاجري السواحل الذين وصلوا حضيض الفقر والجوع والبطالة؟ وحتي بعض هذه السهول الداخلية قد تتصحر بالجفاف وتعاني العطش والجدب أو تغرق بالبرك والفيضانات لغزارة مطر دائم, هذه صورة مؤلمة غاية في السواد فهل نظل جامدين علي مواقف نحلم بمعجزة أو أن تنقذنا أشكال من القدرات التكنولوجية؟ وإذا كانت أحلام التكنولوجيا هي الحل فما الذي يمنع من استحواذ مبتكريها عليها دون غيرهم شأن استحواذهم الآن علي القدرة النووية مانعين غيرهم من معارفها؟ أي حروب ودمار وإبادة تهددنا نحن70% من أبناء الأرض؟؟