أعتقد أن التكليفات التي أعلنها الرئيس مبارك قبل عدة أسابيع أمام الحزب الوطني- في ختام مؤتمره السنوي- مؤكدا أنه سيحاسب الحكومة عليها أولا بأول ينبغي أن يستتبعها علي الفور خطوات عملية ملموسة من جانب الحكومة. لتأكيد جدية الالتزام بتسريع خطي الإصلاح المالي والاقتصادي والاجتماعي, وعدم الاكتفاء بلغة البيانات والأرقام والإحصائيات التي تتحدث عن معدلات للنمو ليس لها إشارات تؤكدها علي أرض الواقع. ولعل ذلك ما يدفعني إلي القول بأن الحكومة مطالبة بأن تؤكد وجود توافق عام بين جميع الوزراء حول الخطوط الأساسية العريضة لتوجيهات رئيس الدولة من خلال ميزان دقيق خلاصته أن المضي علي طريق التحول الاقتصادي وترسيخ منهج الأخذ بآليات السوق لتحقيق الازدهار المنشود, ينبغي ألا يفهمه أحد علي أنه أشبه بطائر يحلق بجناح واحد, هو جناح الفائدة والربح والمكسب والخسارة, أو قانون السوق وحركة البورصة فقط وإنما هناك أهمية لتقنيين فلسفة العدالة والسلام الاجتماعي, التي تمثل أحد أهم ركائز الاستقرار الاقتصادي والأمني والاجتماعي, بحيث ينتقل الأمر من مجرد كونه سياسة حكم معلنة في البيانات لكي يصبح قانون حياة يلمسه الناس ويحسون به علي أرض الواقع! أريد أن أقول: إنه قد آن الأوان لتوسيع مساحة الرعاية والاهتمام بالفئات الأقل قدرة والأحياء الأكثر ازدحاما والأقاليم الأشد فقرا, فهذه جميعا تمثل خطوطا رئيسية في أجندة الضمير المصري وأحلامه خصوصا- بالنسبة للطبقات الفقيرة والمحرومة- ومن ثم تبقي مسئولية وضعها موضع التنفيذ مسئولية المجتمع بأسره بدءا بارتضاء القادرين- طواعية- لسداد التزاماتهم ووصولا إلي الأجهزة الحكومية التي ينبغي أن تزداد درجة استشعارها لمسئولياتها في هذا المجال, لأن السلام والاستقرار الاجتماعي هما الركيزة الأساسية لسلامة الجبهة الداخلية التي هي القاعدة الصلبة لكل مجالات البناء والتعمير والتنمية والاستثمار. وعلي سبيل المثال فإنه يتحتم علي الحكومة أن تدرك أن مشكلة مثل مشكلة البطالة ستظل أشبه بكابوس يؤرق مصر جيلا بعد جيل إذا لم يتم التعامل معها تعاملا جذريا يحسن التعامل أيضا مع القضية الأهم وهي قضية الزيادة السكانية التي تبتلع في جوفها كل ثمار التنمية والإصلاح. وليس معني ذلك أننا لسنا بحاجة إلي حلول عاجلة لمشكلة البطالة التي تؤرق كل بيت في مصر هذه الأيام, ولكن علينا أيضا أن نحمي أجيال المستقبل من مخاطرها وذلك لا يتحقق إلا بتعميق الوعي الاجتماعي والاقتصادي والثقافي بالقضية السكانية. والخلاصة أن الحكومة ينبغي أن تتعامل مع تحديات الزيادة السكانية, ومع تحديات أزمة البطالة بأدوات عصرية, دون خشية أو خوف من أي قوالب فكرية حبسنا أنفسنا وعقولنا داخلها لسنوات, وكلفتنا الكثير والكثير من قدرتنا علي النهوض والرقي والتقدم ومجاراة لغة العصر! وليس عيبا أن نستخلص الدروس والعبر من بعض ما يجري حولنا مخيفا ومقلقا في عدد من دول المنطقة *** خير الكلام: ** في الأزمات الصعبة ينفلت اللسان الأحمق بينما يعجز اللسان الحكيم عن النطق! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله