(2) لا يمكن للحديث الذي بدأته أمس تعليقا وتعقيبا علي مئات الرسائل التي تلقيتها حول انتخابات مجلس الشعب الأخيرة أن يكتمل دون طرح سؤال ضروري حول الاشتراطات الأساسية للديمقراطية المتعارف عليها عالميا حتي يمكن فك الاشتباك بين التباسات الفهم لها بين من يرونها حرية مطلقة بلا سقف وبلا حدود وبين من يعتبرون أن الضوابط التي تؤمن الوطن ضد الفوضي هي الضمانة الأساسية لنمو ورسوخ الديمقراطية. بداية أقول: إن ما تحدثت عنه أمس هو مجرد رءوس عناوين وإنه لا توجد صورة واحدة للديمقراطية يمكن وصفها بالصورة المثالية والعملية في آن واحد... ومن ثم فإن فكرة الديمقراطية المنقولة من مكان لآخر فكرة غير عملية وغير منطقية. والحقيقة أنه رغم أية ملاحظات يمكن أن يبديها هذا الفريق أو ذاك حول رؤيته للمشهد المصري, فإنني أستطيع أن أقول بضمير خالص إننا نتحرك بخطي محسوبة ومتدرجة علي طريق الديمقراطية وإذا كان هناك من يري أن القدر الذي تحقق حتي الآن ليس بالقدر الكافي, فإن ذلك أمر لم يجادل فيه أحد, فمازال أمامنا مشوار طويل, ولكن في الوقت نفسه فإن القائلين بذلك يظلمون الحقيقة عندما يرفضون الاعتراف بما تحقق من خطوات وما توافر من أجواء تشكل حراكا سياسيا إيجابيا وفق أي مقياس عادل ونزيه وعلي ضوء ما نشهده من تحديات وتهديدات علي طول المنطقة وعرضها والتي أصابتنا بعض شظاياها أكثر من مرة وكانت حادثة كنيسة القديسين بالإسكندرية ليلة رأس السنة أشد شظاياها ضررا وإيلاما. إن من الممكن أن نفهم قلق وتحفظ البعض علي ما يعتبرونه من وجهة نظرهم غيابا لبعض الضمانات أو مطاطية بعض الصياغات ولكن مثل هذه المخاوف والتحفظات- حتي لو كانت صحيحة لا تبرر الادعاء بأننا مازلنا محلك سر بل إن البعض بلغ به غلواء التعصب إلي حد الزعم بأننا نرتد إلي الوراء! إن أهم ملامح الديمقراطية هي الحرية وحق الإنسان في التعبير عن رأيه وتحديد موقفه مما يجري علي الساحة... فهل لو لم تكن لدينا ديمقراطية وأننا كما يقول البعض مازلنا محلك سر أو أننا نرتد إلي الوراء كان يمكن أن يسمع أحد بما يقال علي شاشات الفضائيات أو أن يري الناس سطرا واحدا مما يكتب في الصحف والمجلات وعبر شبكات الإنترنت! إن الديمقراطية هي سعة الأفق وليست الانغلاق وهي حق التنافس وليست خطيئة الصراع, لأن العمل السياسي الصحيح يعطي مشروعية للتنافس وليس من مفرداته الصراع الذي يفتت الأوطان ويشرذمها! والديمقراطية هي الالتزام الصارم من جانب الجميع بالدستور والقانون, يستوي في ذلك الدولة والأحزاب والأفراد حيث لا ينبغي أن يتصور أحد أن له وضعا خاصا يحصنه من القانون أو أن بيده سلطة تعلو فوق سلطة القانون. والديمقراطية شأنها شأن أي عمل سياسي تحتاج كما قلت أكثر من مرة في هذا المكان إلي مراعاة المراحل والظروف وما يراه البعض تباطؤا في الخطي قد يراه آخرون تدرجا محسوبا, في حين أن ما يراه البعض انطلاقا قد ينظر إليه الآخرون علي أنه تسرع واندفاع باتجاه المجهول. وتلك هي عظمة الديمقراطية التي تتباين فيها الآراء إلي درجة التصادم ولكن بشرط أن يظل التصادم محصورا في إطار الرأي والرأي الآخر وليس تصادم الصراخ والصياح الذي يؤدي إلي المواجهة والشقاق! *** خير الكلام: ** العظمة تكتسب من الإنصات لذوي الرأي واحترام كل قول وتجنب الغضب!