الزمان: الأحد9 يناير2011 .. المكان: خريطة الوطن العربي من المحيط إلي الخليج مع التركيز علي اللؤلؤة السمراء السودان التي تحتل اكبر مساحة من الخريطة باجمالي2.5 مليون كيلومتر مربع تقريبا. المشهد الأول: غراب أسود كئيب الشكل والمظهر يحوم حول الوطن العربي كله.. حائرا اين يقف.. مرة يحوم حول العراق.. وثانية في الصحراء الغربية بالمغرب.. وثالثة في اليمن.. لكنه أخيرا يهبط علي ارض السودان. المشهد الثاني: حالة من الصمت والحزن الشعبي العميق يخيم علي الشمال رغبة في انقاذ جثة السودان الموحدة التي أصابتها الطعنات من كل جانب.. في حين انتشرت الأهازيج والرقصات في الجنوب, وكأنها حفلة عرس احتفاء بالطلاق يساندها رغبة عارمة من الانفصاليين المدعومين بقوي الشر الخارجية للتخلص من جثة السودان الموحد إلي الابد ودفنها ولو بغير كفن! هكذ وصل الحال بالسودان الموحد علي مدار تاريخه إلي تلك الحالة من التنافر والتنابذ بسبب سياسات خاطئة متراكمة علي مدي عشرات السنين بدأت من عصر الاحتلال الإنجليزي الذي اطلق السهم الأول علي جسد الوحدة السودانية بتعميقه الخلافات كما هي عادة الاحتلال دائما وأبدا في كل الدول والازمان بين الشعب السوداني واختراعه لقصة الشمال والجنوب حتي إنه جعل اللغة الانجليزية هي اللغة الرسمية للجنوب في حين أن اللغة المنتشرة بين الاهالي هي اللغة العربية المختلطة باللهجات المحلية والمعروفة بعربي جوبا لكن إذا كان الاحتلال قد سعي لتعميق الخلافات في السودان, فقد فشلت الحكومات الوطنية المتعاقبة منذ الاستقلال في احتواء الموقف وخلق سودان موحد يحترم التعددية الثقافية والدينية والعرقية, ليظل السودان متوترا في اغلب الأوقات, يهدأ قليلا ويشتعل كثيرا بسبب استمرارية تلك السياسات الخاطئة, وفي ذات الوقت فشلت تلك الحكومات في استئصال الحركات المسلحة المتمردة التي كانت تثير القلاقل والتوترات بسبب ضعف تلك الحكومات وهشاشة موقفها حتي جاءت حكومة البشير, واستمرت في ذات النهج الخاطيء للحكومات السابقة, ولم تضع حلولا حاسمة لأزمة الجنوب في وقت ظهر فيه البترول في الجنوب وبلغ انتاجه مايقرب من نصف مليون برميل يوميا إضافة إلي اكتشافات واعده كثيرة في الطريق مما جعل الغرب يدخل إلي الحلبة للضغط من أجل الانفصال وإعطاء حق تقرير المصير للجنوب وكأنه دولة محتلة في وقت يترك فلسطين محتلة دون أن يحرك ساكنا. مشكلة الرئيس السوداني عمر البشير أنه بلع طعم الترابي في بداية حكمه ورفع شعارات دينية مما زاد الموقف توترا في الجنوب ليتسع نشاط الحركة الشعبية لتحرير السودان المتمردة بزعامة جون قرنق, الذي كان وحدويا ولايريد الانفصال, وحتي الحركة نفسها التي كان يتزعمها كان يطلق عليها ولايزال هذا هو اسمها حتي الآن الحركة الشعبية لتحرير السودان لانه كان يريد دولة مدنية في السودان تستوعب كل الأديان والاعراق والاجناس دون تمييز, لكن خليفته للأسف سيلفاكير كان دائما وابدا مع الانفصال يعمل لأجله ويسعي اليه, ويعيشه حتي قبل أن يحدث فهو حريص دائما علي الحديث باللغة الانجليزية, ويرتدي القبعة الشهيرة برغم ان القبعة ليست تقليد سودانيا, لكنها تقليد غربي, وقد أهداه جون كيري مرشح الرئاسة الامريكي السابق وعضو مجلس الشيوخ قبعة جديدة اثناء مؤتمرهما الصحفي الأخير عشية ليلة الاستفتاء. انفصال السودان واقع لامحالة حتي وان كان هناك بضعة أيام لاتزال باقية علي اعلان النتيجة, ومن وجهة نظري فان البشير يتحمل نصيب الاسد في واقعة تقسيم السودان, لان الحكومة السودانية بسياستها وعدم استغلالها للمرحلة الانتقالية السنوات الست أعطت الفرصة كاملة للانفصاليين, وفي مقدمتهم سيلفاكير لينفذوا مخطط الغرب بشق وحدة السودان وفصل شماله عن جنوبه لتبدأ واحدة من أخطر مراحل دولة السودان المهددة بالمزيد من الانقسامات والتفتيت, وأغلب الظن ان هذا واقع لامحاله.دولة الجنوب هي المرحلة الاولي, وغدا ستكون دارفور, وبعدها تنتقل المخططات الشيطانية إلي العراق لتتحول إلي3 دويلات واحدة للسنة, وثانية للشيعة, وثالثة للاكراد, وبعد العراق أو ربما قبلها هناك دولة الصحراء الغربية في المغرب, وهكذا بدأت رحلة بلقنة العالم العربي وتفتيته اكثر مما هو عليه الآن, وبدلا من أن كنا نتحدث عن خطوات وحدوية وتقارب بين الدول العربية, أصبحنا نخشي الانقسامات والتفتيت للكيانات الحالية, ولاعزاء للوحدة العربية طالما ظلت حالة الغيبوبة الحالية سارية في الجسد العربي, وغابت الرؤية الاستراتيجية عن الشعوب العربية لمعرفة الاخطار القادمة اليها من هنا أو هناك تحت دعاوي حماية الأقليات والتنوع العرقي والثقافي. أفيقوا ياعرب قبل أن يتكرر الأحد الحزين في دول عربية أخري, فالسودان لن تكون المحطة الأخيرة, والغراب الاسود يقف علي اطراف اصابعه مستعدا للانطلاق إلي المحطة التالية