في مصر في سبتمبر الماضي انعقد بمكتبة الاسكندرية المؤتمر الدولي للدراسات القبطية. وهو الأول من نوعه الذي يجري خارج الكنيسة, وفق ما قاله الدكتور لؤي سعيد منسق المؤتمر. وقد جري خلال هذا المؤتمر الاعلان عن ان جامعة الاسكندرية تعتزم افتتاح فرع للدراسات القبطية اعتبارا من العام الجديد2011, وهي سابقة تعد الأولي في تاريخ الجامعات المصرية. وفي كل ذلك ما يراه متخصصون تتويجا لارهاصات تشكل مدرسة جديدة في الدراسات القبطية. وفي محاولة للتعرف علي حقل هذه الدراسات نشأتها وتطورها وآفاقها التقت دنيا الثقافة مع الدكتور مجدي جرجس المحاضر بكلية الآداب جامعة كفر الشيخ و الجامعة الامريكية بالقاهرة الذي تقدم الي مؤتمر مستقبل الدراسات القبطية الذي انعقد في خريف العام الماضي بنورث كارولينا بالولايات المتحدة بدراستين عن حدود تمثيل الطائفة القبطية في العصر العثماني و كيفية توظيف مصادر أرشيفية جديدة لدراسة التاريخ الاجتماعي القبطي خارج المؤسسة الكنسية. و في اسطنبول عام2008 تقدم بدراسة حول الاقباط امام الدين والهوية في العصر العثماني. وبداية يلفت الدكتور مجدي جرجس النظر الي وجود خلاف علي تعريف الدراسات القبطية وتحديد مجالها, ولكنه يقول: كل اقسام القبطولوجي المشهورة في العالم واساتذة هذه الدراسات كانوا يحصرون مجال البحث فيما قبل العصر العربي و تحديدا بين القرنين والثالث والسابع الميلاديين. ويوضح يعود تحديد القرن الثالث الي ان اللغة القبطية قبل هذا التاريخ لم تكن لغة مكتوبة وكذلك الي نشأة مؤسسة الرهبنة, فضلا عن انه لم يكن هناك جدل لاهوتي قبل هذا التاريخ. لكن الدكتور جرجس سرعان ما يستدرك قائلا: هذه المدرسة التقليدية في الدراسات القبطية تستثني اللغة من نهاية الاطار الزمني( القرن السابع) حيث تتبع كيفية تأثر اللغة القبطية بالثقافة العربية و متي وكيف توقف المصريون عن استخدامها. ويتابع: تقتصر مجالات الدراسات القبطية وفق المدرسة التقليدية في اللغة والعمارة القديمة والرهبنه واللاهوت والتاريخ الكنسي. ولكن متي نشأ حقل الدراسات القبطية الذي هيمن عليه ما يسمي بالمدرسة التقليدية ومن هم ابرز اعلامه؟. يجيب الدكتور جرجس: يمكن القول بان البداية كانت مع نهاية القرن التاسع عشر.. ومن بين العلماء المتخصصين تبرز اسماء بدج وشتيرن من المانيا وقد قاما بنشر العديد من المخطوطات والبرديات القبطية ويضيف: وانتقل اهتمام هذه المدرسة من مجرد الاعتناء بالمخطوطات الي اكتشاف المواقع الاثرية من أديرة وكنائس وحفريات.. ومن ابرز ممثلي هذا الاتجاه المستشرق الفرنسي( كوكان).. والآن فان البعثات العلمية في هذا المجال تتنوع لتشمل دولا وجامعات علمية عديدة من بينها البولندية والهولندية والروسية والامريكية و التشيكية و غيرها. ولعل من ابرز اسهامات المدرسة التقليدية في هذا الصدد النشر العلمي لمقتنيات دير الأنبا أرميا بسقارة في اوائل القرن العشرين وحفريات دير الأنبا شنودة بسوهاج والمستمرة حتي الآن ومخطوطات ومقتنيات منطقة القلالي( كليا) بوادي النطرون. كما يدخل في اعمال المدرسة التقليدية منشورات المعهد الفرنسي للآثار الشرقية بالقاهرة حول أديرة البحر الأحمر. اما عن مشكلات المدرسة التقليدية في الدراسات القبطية فهي في نظر الدكتور جرجس تتمثل في تركيزها علي ما وصفه بالدراسات الميته كاللغة والنقوش والحفائر والمباني القديمة دون ان تفسح مكانا للناس في هذه الدراسات. ويضيف الي ذلك مشكلة اخري هي ان هذه المدرسة تحصر الدراسات القبطية في الجانب الديني حيث تعتبر ان تاريخ الكنيسة هو تاريخ الاقباط مستبعدة التاريخ الاجتماعي. وتبقي مشكلة ثالثة تغلب علي عدد من الدراسات التي انتجتها هذه المدرسة و يلخصها في عدم إلمام العديد من الباحثين في هذا السياق باللغة العربية مما شجع علي توقف غالبية انتاج هذه المدرسة عند بداية العصر العربي في مصر. وإن كان لهذه المدرسة التقليدية في الدراسات القبطية رموز بين الباحثين المصريين ساروا علي ذات النهج الذي خطه الغربيون مثل باهور لبيب الذي شارك في نشر مكتبة مخطوطات نجع حمادي وكذا جودت جبرا ومن اهم اعماله رسالته للدكتواره عن اسقف قفط وكتاباته العديدة عن الكنائس والأديرة و الرهبنه والآثار القبطية. والآن ماهي أبرز ارهاصات الخروج علي هذه المدرسة التقليدية والسعي لتأسيس مدرسة جديدة في الدراسات القبطية؟. يجيب الدكتور مجدي جرجس قائلا: الارهاصات بدأت بمحاولات فردية تتبلور علي هيئة توجهات حديثة منها الاهتمام بالانتاج القبطي المكتوب باللغة العربية مثل اسهامات الأمريكي سيدني جريف وأحدث اعماله كتاب( الكنيسة في ظل الجامع) والذي يعالج كيفية تأثر الثقافة القبطية في العصور الوسطي من القرن العاشر الي القرن الخامس عشر بالثقافة العربية الاسلامية من خلال النصوص العربية التي كتبها الأقباط. و هناك ايضا مارك سوانسون الذي صدر له كتاب نهاية عام2009 حول الكنيسة القبطية في العصر العربي من خلال مخطوطات عربية كتبها اقباط. كما ان من بين رواد هذا الاتجاه سمير خليل اليسوعي وهو مؤسس و مدير مركز التراث العربي المسيحي ببيروت. ومن اهم أعماله نشر كتابات أسرة قبطية من القرن الثالث عشر الميلادي( أولاد العسال) وتحليل هذه الكتابات, ولعل الفكرة الرئيسية التي يعمل عليها اليسوعي هي ابراز اسهام المسيحيين العرب سواء أكانوا اقباطا أو شوام في الثقافة العربية, وتبيان ان الكتاب العرب بصرف النظر عن تعدد دياناتهم يفتخرون بثقافتهم العربية ولعل ما ينبه اليه الدكتور جرجس هنا يؤصل تاريخيا لاسهامات المسيحيين العرب في فكرة النهضة بمصر والشام خلال القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. ونعود الي الدكتور مجدي جرجس الذي يتابع ان من ابرز رواد اتجاه الاهتمام بالكتابات القبطية باللغة العربية في الدراسات الحديثة بين الباحثين المصريين وديع أبو الليف الفرنسسكاني والذي يركز في اعماله علي الفترة من القرن العاشر الي القرن الثالث عشر, ومن اعماله تحقيق ونشر ودراسة مخطوط( مجموع اصول الدين و محصول علم اليقين) من أربعة مجلدات لإبن العسال في القرن الثالث عشر لكن لا تزال اعمال وديع الفرنسسكاني غير متوافرة إلا باللغتين الايطالية والفرنسية. ويكشف الدكتور جرجس عن ملمح آخر في الدراسات القبطية الحديثة يتمثل في الخروج من اطار التاريخ المؤسسي الكنسي الي آفاق التاريخ الاجتماعي, ويلفت النظر الي ان لاسهامات الباحثين المصريين في هذا الملمح حضورا لافتا مقارنة بالغربيين, وهنا يذكر نماذج علي هذا الملمح في كتاب الدكتور محمد عفيفي الأقباط في العصر العثماني فضلا عن كتابات الدكتور جرجس نفسه المعنونة يوحنا الأرمني وايقوناته القبطية وظاهرة زواج الاقباط وطلاقهم في المحاكم الشرعية في العصر العثماني. كما يلفت الدكتور جرجس الانتباه الي انه في مقابل جهود وارهاصات الباحثين المصريين في الدراسات القبطية الحديثة التي تحاول الخروج من اسوار المدرسة التقليدية هناك دراسات غربية تتجه بالاساس الي الاهتمام بوضع الاقباط في القرنين التاسع عشر والعشرين ومن ثم تطرح اسئلة خاصة بالهوية والحقوق المدنية و الدور السياسي. وتنتمي لهذه الدراسات وفق رأيه دراسة سناء حسن المصرية المقيمه بالولايات المتحدة المسيحيون والمسلمون في مصر الحديثة: صراع لمدة قرن من أجل المساواة, و يتحفظ الدكتور جرجس بشأن معظم الدراسات الغربية في هذا الاتجاه و يتساءل عن مدي توظيفها سياسيا مشيرا الي ماوصفه بالقيود التي تفرضها الجهات الممولة لمثل هذه الدراسات علي اطروحات الباحثين. ولكن ماذا عن فرص تأسيس مدرسة مصرية في الدراسات القبطية؟ يقول الدكتور جرجس ان غياب هذه المدرسة يعود الي عدة اسباب بينها عدم توافر اقسام لهذه الدراسات في جامعاتنا وان غالبية المصريين الذين عملوا في هذا الحقل تدربوا علي ايدي اساتذة غربيين ولعل اهم عقبة في تأسيس هذه المدرسة كما يقول تتمثل في أن الكنيسة المصرية لم تضطلع بعد بالدور المطلوب في اتاحة الاطلاع علي المصادر التي بحوذتها بالكنائس والأديرة للباحثين, مما يدفع الكثيرين الي العزوف عن تسجيل اطروحات في حقل الدراسات القبطية.