تفرض علينا معطيات المشهد الراهن في أعقاب حادث مدينة الإسكندرية وما أعقبه من صحوة مجتمعية باتجاه تعزيز أواصر الوحدة الوطنية أن نفتح مجددا واحدا من أهم الملفات وهو ملف الخطاب الديني وضرورة تجديده إسلاميا ومسيحيا لمحاصرة موجة الانفلات التي زادت حدتها مع انتشار الفضائيات التي تحاول أن ترتدي عباءة الدين لتمارس عبثها غير المسئول تجاه شباب الأمة من مسلمين ومسيحيين علي حد سواء. أتحدث عن خطاب ديني مستنير ينتصر لقيم الاعتدال والوسطية والتسامح ويرفض كل دعاوي التعصب والغلو والتطرف ويتصدي لكل خروج علي الوحدة الوطنية بأقوال أو أفعال تجافي روح الإخوة والمحبة وتعمل علي الوقيعة بين مسلمي مصر وأقباطها. نحن بحاجة إلي خطاب ديني يرتكز إلي لغة متزنة وعاقلة تدعو للعمل وتبشر بالأمل وتغلق كل أبواب التعصب والتطرف استنادا إلي ثوابت وقواعد مرسومة ومحددة بنصوص قرآنية وإنجيلية صريحة بعيدا عن كل مفردات التنابذ التي ينزلق إليها البعض بوعي أو بغير وعي! أريد أن أقول بوضوح: إننا جميعا- مسلمين ومسيحيين- بحاجة إلي خطاب ديني جديد يرتكز إلي رجاحة العقل ونقاء الضمير وصفاء الروح والمعرفة الصحيحة لأساليب التعامل مع بعضنا البعض تحت مظلة الفهم والإدراك بأن الدين لله والوطن للجميع. ومع التسليم بأن ذلك أمر يحتاج إلي جهد كبير ووقت كاف فإنه أمر يدخل في نطاق الممكن إذا خلصت النيات وصدقت العزائم وترسخ الاقتناع لدي الجميع بأن الوحدة الوطنية هي وحدها الكفيلة بتوفير جدار الوقاية من أية تهديدات إرهابية محتملة لا تفرق في ضحاياها بين مسلم ومسيحي. إن مصر بكل مكوناتها ليس فيها اليوم أحد- مسلما كان أم مسيحيا- يمكن له أن يشكك في أهمية الوحدة الوطنية كصمام أمن وأمان من ناحية ولضمان القدرة علي إجهاض مخططات الفتنة التي تجيء معظمها من خارج حدود هذا الوطن العظيم. والحقيقة أن أي تشخيص صحيح وعادل للمشهد المؤلم الذي صاحب حادث الكنيسة وما أعقبه من تداعيات انفعالية غاضبة- يمكن فهمها- لا بد أن يقود إلي الاعتراف بحاجاتنا الملحة لإجراء مراجعة شاملة لأساليب الأداء علي صعيد العمل الوطني لأن المسألة أكبر من أن ينظر إليها كقضية أمنية فقط! ولقد قلت ما قلت بكل الصراحة- علي مدي خمسة أيام متتالية- راجيا أن نقف جميعا مع أنفسنا وقفة موضوعية بدلا من سياسات الترضية التي تعني مواصلة إخفاء رؤوسنا في الرمال مثل النعام وهو ما لا يليق بشعب مصر العظيم!
خير الكلام: **وحش ظاهر أقل خطرا من ثعبان مختبيء! [email protected]