ونصل اليوم إلي ختام هذه الإطلالة علي المشهد السياسي المصري التي استمرت تسعة أيام متتالية ونطرح سؤالا ضروريا هو: ما الذي ينبغي أن يحمله الغد لنا ونحن في بداية عام جديد ندخل إليه بعد انتخابات برلمانية ساخنة شكلت نتائجها مفاجأة مذهلة حتي بالنسبة للحزب الوطني الذي حصد غالبية المقاعد ويتأهب من الآن لخوض انتخابات رئاسية قبل نهاية العام الجديد مع من سترشحهم الأحزاب والقوي السياسية الأخري؟ سؤال أظن أنه ينبغي أن يحظي باهتمامنا جميعا, وأن نتعامل معه بروح الرغبة في أن يكون هذا الغد ملك أيدينا... ليس بروح الأمل والتمني فقط, ولكن بروح العمل الجاد لأن العمل- والعمل وحده- هو خيارنا الوحيد لكي نقدر علي مجاراة تحديات العصر. إن مستقبلنا مرهون بقوة إرادتنا ومن ثم لابد أن نجعله بمثابة إشهار جديد لتأكيد التمسك بالشرعية الدستورية ومواصلة الرحلة تحت مظلة سيادة القانون والاطمئنان إلي أن حرية الإنسان ليست رهنا بلحظة غضب أو انفعال تؤدي إلي عودة زوار الفجر لكي يدقوا الأبواب وينتزعوا المواطن من بين الأهل والأحباب بغير ما تهمة محددة أو جريرة دامغة بعيدا عن الحصانات الدستورية والقانونية. وفي الحقيقة فإنه ليس مهما أن يكون المرء مؤيدا أو معارضا, ولكن الأهم هو أن نجهد أنفسنا ونركز طاقة عقولنا في صياغة منهاج للعمل الوطني يتشارك فيه الجميع بعيدا عن القياسات التقليدية للأوزان والأحجام السياسية داخل البرلمان. إن المستقبل الذي نحلم به يجب أن يكون عنوانا صريحا لبداية مرحلة جديدة تتواصل فيها أحلامنا المشتركة نحو مزيد من الديمقراطية ومزيد من الإصلاح السياسي ومزيد من العدل الاجتماعي فليس هناك ما يحول دون إجراء المراجعة وإحداث التصحيح في مسيرة العمل الوطني مرحلة بعد مرحلة وحقبة بعد حقبة, طالما أن أي مراجعة سوف تتم وفق حساب دقيق لا يهز الاستقرار ولا يتعارض مع التنمية ولا يوقف الدوران المطلوب لعجلة الإصلاح السياسي. لابد أن يكون الغد بمثابة انتصار لمبدأ تكافؤ الفرص, وتعميق أجواء المكاشفة والشفافية والحوار البناء علي أرضية الإيمان, والانتماء للوطن, والتمسك بالفضيلة وقيم الخير والتسامح. ولست أتجاوز الحقيقة إذا قلت إن أمامنا في الغد فرصة متاحة يجب أن نتمسك بها لكي ننتصر للجدية والانضباط والالتزام ونرفض كل مظاهر الهزل والجدل والتضليل... بل ونضرب كل أشكال النفاق والرياء والفساد والاستخفاف بعقول الناس... وأن نتصدي لأي محاولة لتعطيل سيادة القانون أو التحصن بأي امتيازات تعصم أحدا من أحكام القضاء. إننا بحاجة إلي تعميق الثقة في قدرتنا علي بناء غد أفضل... ومن ثم فإن علينا أن نعي أنه لم يعد أمامنا من خيار إلا أن نجعل من حاضرنا عنوانا للأمل, والتفاؤل والاستبشار بالمستقبل وضمانة أساسية لكل من ينتمي بصدق لتراب هذا الوطن العظيم بصرف النظر عن اية انتماءات حزبية أو مذهبية. بوضوح أكثر أقول: إننا بحاجة ماسة إلي رؤية الغد, ومحاولة استكشاف آفاقه بأكثر من حاجتنا للنبش في الماضي الذي يضر بأكثر مما يفيد... وليس أخطر من عدم الفهم الصحيح للديمقراطية سواء لدي الاغلبية أو المعارضة, والزعم بأن تلك هي ضريبتها لأن قدرتنا علي سداد ضرائب من هذا النوع ليست قدرة مفتوحة, وإنما لها حدود! *** خير الكلام: ** من يحسن الاستماع لغيره يبدع في الحديث عندما ينطق!