إلي أين تتجه الأحداث في مصر.. وهل هناك صحة لما يتردد عن الخشية من احتمال اتساع حجم الانشقاقات والانقسامات داخل أحزاب المعارضة إلي حد انهيار النظام الحزبي أو ما يروج له عن احتمال حدوث انتكاسة ديمقراطية تؤدي إلي تقييد الحرية الإعلامية التي شهدت علي مدي السنوات الخمس الأخيرة ازدهارا غير مسبوق.. وهل.. وهل.. وهل؟ هذه أسئلة تستحق الاهتمام حتي تتضح صورة الحقيقة لدي جموع البسطاء من الناس الذين لا ينتسبون إلي هذه النخبة السياسية أو تلك ولا تحركهم أي أهواء أو مطامع ذاتية, وإنما يحركهم الخوف والقلق من أن يجري توظيف شعارات نبيلة مثل شعار الإصلاح بعيدا عما يحلمون به من أمن واستقرار وتنمية ورخاء وديمقراطية حقيقية. وبداية ينبغي أن نتفق علي أنه طالما ارتضينا بالديمقراطية سبيلا ومنهجا فإن الديمقراطية تعني الحرية, وفي أجواء الحرية لا قيد علي الفكر أو الكلام فالحرية معناها الانطلاق والاختراق, ولكن بشرط أن يكون الفكر نظيفا ومستمدا من قيم وثقافات الأمة, وأن يكون الكلام جادا وموثقا, وليس مجرد صراخ في الهواء أو ترديد للشائعات! ومعني ذلك أن أي حديث جاد عن الإصلاح ينبغي أن ينطلق من الفهم الصحيح لمعني الديمقراطية ومن الإدراك الكامل للخيط الرفيع الذي يفصل بين الحرية المسئولة, والفوضي المرذولة... ثم أنه لا قيمة ولا معني لأي إصلاح لا يكون الرأي العام شريكا حقيقيا في صناعة قراراته وخطواته.. والديمقراطية وحدها- كما أثبتت التجارب علي طول التاريخ- هي الركيزة الأساسية لضمان مشاركة فاعلة للرأي العام لأنها تضمن- إلي حد معقول- أن يكون الرأي أو الاجتهاد النهائي بشأن أية قضية رأيا مقبولا لدي أوسع مجموعة من شرائح المجتمع بعد أن يشعر الجميع بأنهم كانوا شركاء بالرأي فيما يستقر الاختيار عليه في نهاية المطاف! إن الجميع في مصر- أغلبية ومعارضة- لا ينبغي أن يخالجهم أدني شك في أن الديمقراطية هي الخيار الأمثل, وأن غيابها خطر علي مستقبل الأمن والتنمية حيث يؤدي الغياب الديمقراطي إلي تمترس دعاة الانغلاق والمركزية والشمولية في مواقعهم لكي يعطلوا مسيرة الانفتاح والإصلاح, فضلا عن أن غياب الديمقراطية يؤدي إلي نشر أجواء الروح السلبية واللامبالاة التي تعطل انطلاق مسيرة الإنتاج من ناحية, وتوفر التربة الخصبة للمنافقين والمزايدين والكسالي من ناحية أخري! وأظن أنه في ظل الحد الأدني من التوافق المطلوب بين الأغلبية والمعارضة علي أهمية العمل علي تعميق الديمقراطية فإن من الضروري الانطلاق باتجاه المستقبل بدلا من استمرار الانجذاب للماضي, وذلك لا يتأتي مع استمرار الدق علي أوتار الجدل والعناد, وإنما يتطلب الأمر اجتهادا وجدية في طرح أفكار ومباديء وآليات ووسائل تقترب من الممكن وتبتعد عن المستحيل من ناحية وتتوافق وتتناغم مع الحلم والطموح المشروع من ناحية أخري! وليس صعبا-ولا هو بالمستحيل- أن يتجدد الحوار الوطني- مهما يبدو علي السطح من عقبات- من أجل إنجاز توافق عام حول الأهداف والمقاصد وأن يتوازي ذلك مع توافق عام علي احترام الدستور والقانون كمرجعية حاكمة تضمن تفعيل التعددية السياسية والحزبية, تفعيلا صحيحا علي أرض الواقع... وأيضا فإنه ليس صعبا- ولا بعيدا- أن نتمكن في وقت قريب من تحويل هذا الصخب الانفعالي إلي حراك حزبي حقيقي يجعل من الأحزاب في مصر عنوانا لثراء الحياة السياسية يعكسه وجود جماهيري حقيقي يحتشد خلف هذه الأحزاب. وظني أن الغد يمكن أن يكون أكثر إشراقا من اليوم مهما بدا في الأفق من غيوم وسحب كثيفة! *** خير الكلام: ** الخصوم يكشفون العيوب.. والأصدقاء يبررون الخطأ.. والحكيم من يستفد من خصومه بأكثر من استفادته من أصدقائه!