وإذ يحاصرنا سؤال ملح حول النظام الأنسب للانتخابات يتلاءم مع واقعنا ومرارة تجاربنا. نبدأ فنقرر أن الانتخاب بالنظام الفردي هو الأسوأ, فهو يكرس عملية إخفاء الاحزاب خلف ستائر من القبلية والعائلية والجهوية. وستار آخر يتمسح بالدين ويستبعد الآخر وثالث من الانفاق وشراء الذمم والإرادة والضمائر ورابع من البلطجة التي تزداد توحشا يوما بعد يوم, ومن ثم لا مناص من البحث عن بديل يقلل من تأثير ذلك كله. وإذ نتحدث عن نظام القائمة فإننا نشعر بحالة من التردد, فالحزب الحاكم أعتاد أن يتخذ من اقتراح عاقل للحل, ستارا لفرض ما هو غير عاقل من حلول. ولهذا سنحاول شرح اقتراحنا بقدر من التفصيل محاذرين من الخوض في تعقيدات التفاصيل الدستورية والقانونية قدر الامكان. ونبدأ * قائمة نسبية: فيوما ما فرض الحزب الحاكم في انتخابات المحليات ما يسمي بقائمة مطلقة أي أن من يحصل علي50%+1 ينال كل المقاعد. بما يعني أن49% لاتنال شيئا. وهذا وضع غير منطقي وغير صحيح قانونا. ومن ثم يفترض اقتراحنا نظاما لقائمة نسبية بحيث تحصل كل قائمة علي مقاعد تتفق مع ما حصلت من أصوات. * منقوصة: ولأن أحكاما عدة من المحكمة الدستورية صدرت بعدم دستورية استبعاد المستقلين وهم الأغلبية, من الترشيح. فإن فكرة القائمة المنقوصة تقوم علي أساس حق أية قائمة أن ترشح أي عدد مساويا أو ناقصا عن العدد المطلوب. بمعني أنه إذا كان المطلوب قائمة من عشرة مرشحين فإن من حق ثلاثة أو اثنين أو حتي مرشح واحد أن يعتبر نفسه قائمة مستقلة بذاتها. وبهذا يعطي القانون الحق لكل من أراد الترشح أن يترشح ومن ثم تكفل الدستورية تماما. * مفتوحة: بمعني أن يكون للحزب أو حتي مجموعة أحزاب أن تشكل معا قائمة واحدة ويمكن أن تضم إليها بعض المستقلين ويكون الاتفاق فيما بينها علي ترتيب الأسماء لتنال الأسماء الأولي في القائمة الحظ الأوفر في الاختيار وفق عدد الأصوات التي نالتها. * غير مشروطة: ففي بعض الأنظمة الانتخابية يشترط حصول الحزب علي نسبة محددة لكي يحتفظ بالمقاعد التي فازت قوائمه بها وتتفاوت هذه النسبة بين2% و5% ويختلف أسلوب احتساب النسبة فأحيانا تكون النسبة منسوبة إلي إجمالي الأصوات في القطر كله وأحيانا في الإقليم وأحيانا في الدائرة الواحدة. وهنا نتوقف لندرس ما هو الأفضل لنا. فاحتساب النسبة علي أساس القطر تضع أحزاب المعارضة في خانة الاستحالة فإذا كان عدد أعضاء البرلمان المنتخبين508 وإذا كان المفترض أن تضم القوائم عددا مساويا للمرشحين الأصليين كمرشحين احتياطيين فإن العدد المطلوب ترشيحه سيكون1016 مطلوبا منهم سداد مبلغ يزيد علي المليون جنيه كرسم ترشيح ومثله كرسوم نظافة وهذا مبلغ ضخم بل ومستحيل بالنسبة لأغلب أحزاب المعارضة. كذلك فإن الأحزاب الصغيرة وهذا واقع لا يمكن تجاهله, لن تستطيع إيجاد هذا العدد للترشيح. وعلي أي حزب لكي يحاول الحصول علي النسبة أن يترشح في كل الدوائر سعيا وراء أي صوت بهدف محاولة الحصول علي النسبة المطلوبة. وهذه معركة صعبة أمام الجميع لأن كل حزب كبر أم صغر يمتلك نقاط قوة في دوائر معينة ونقاط ضعف أو ضعف شديد في أماكن أخري, ولهذا فإن الحل المتاح مصريا ومؤقتا وربما لأمد طويل هو إما إلغاء هذه النسبة المؤهلة للفوز أو جعل هذه النسبة في إطار الدائرة الانتخابية فقط. وبهذا يمكن أن نضمن وضعا انتخابيا يعطي لكل حزب حقه في حدود إمكانياته. * كيفية احتساب المقاعد: وهناك أكثر من سبيل ومنها حق الحزب في التصرف في فروق الأصوات.. ولإيضاح ذلك نعطي كمثال دائرة صوت فيها مائة ألف ناخب ولها عشرة مقاعد فإن كل قائمة تنال مقعدا واحدا فماذا سيكون مصير التسعة الآلاف الباقية ؟ في انتخابات القائمة التي أجريت في مصر سابقا تقرر أن ينال الحزب الأعلي أصواتا كل الفروق وهو ما يعني أن يحصل الحزب الحاكم علي تسعة آلاف صوت في هذه الدائرة وهي أصوات أراد أصحابها ان يصوتوا ضده. فكيف يمكن أن ينال أصواتا ترفضه ؟ ولحل هذه الاشكالية يكون من حق الحزب أن يتصرف في فروق الاصوات هذه لقائمة أخري يختارها مقابل تبادل الفروق بين الدوائر المختلفة والمشكلة هنا هي أن يؤجل إعلان النتائج لفترة زمنية قد تطول حتي تتمكن كل القوائم من إجراء عملية التبادل. ولعل الحل الاسهل هو اقتسام المقاعد علي اساس نسبة الاصوات فقط. فالمستقلون كثيرون وهم لا يتبادلون أصواتهم مع احد لأنه لا مصلحة لهم في ذلك. قد يبدو الأمر معقدا وهو ليس كذلك في البلدان الاخري التي تكاد نسبة المستقلين فيها تكون ضئيلة جدا ومن ثم يصبح اقتسام الأصوات سهلا. ويبقي بعد ذلك أن نشير الي أهم مزايا نظام القائمة: * إعلاء شأن العمل السياسي الحزبي وجعله معيارا يتفوق علي القبلية والعائلية والجهوية. * تقليص الانفاق المجنون, فالفرد ينفق ليضمن تفوقه شخصيا, أما القائمة فلا يمكن أن تنفق كل هذا الانفاق الفردي. * انهاء المؤمرات والاتفاقات غير المبدئية بين المرشحين. * تقليص دور البلطجة لأن البلطجة لا تأتي إلا عبر الانفاق الجنوني. وعلي أيه حال فإن الأمر يتطلب أولا وأخيرا حوارا جديا بين جميع الأحزاب لإفراز قانون مقبول من الجميع دون انفراد أحد بذلك. كما أنه يتطلب أن تنصرف الارادة السياسية الأساسية لتحقيق انتخابات شفافة حقا وحرة حقا وخالية من العوار تماما. ولست أزعم أن هذا الاقتراح هو الصائب تماما لكنني اعتقد مخلصا انه السبيل نحو مناخ انتخابي حقيقي حقا ومتكافئ حقا وسيبقي بعد ذلك وقبل ذلك كله أشياء أساسية منها قانون جديد ينظم تشكيل وعمل وأداء وسلطات اللجنة العليا للانتخابات وإرادة فعلية وحاسمة تحجب تداخلات المحافظين والإدارة المحلية والأمن في مجريات العملية الانتخابية وغير ذلك كثير.