آثارنا هي تاريخنا.. هي حضارتنا هي ملك لكل مواطن مصري وليست ملكا لأحد مهما استطاع محترفو التهريب والاتجار في الآثار استباحة هذا التاريخ وتلك الحضارة.. فمصر ليست للبيع!! واكبر دليل علي ذلك الرفض العام لاقتراح البعض بالسماح بالاتجار في الآثار المصرية بالداخل. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل المطالبون ببيع أثارنا داخل مصر يعلمون حجم الكارثة التي كانت ستنتج عن اقتراحهم.. وهل يعلمون انهم بهذا الاقتراح كانوا يعرضون تاريخ مصر وحضارتها للاتجار في السوق؟! وكيف تصور البعض من أصحاب القصور المملؤة بالتحف والأثار التي تمثل جزءا من مصر أن يتحول الاستيلاء غير المشروع إلي وضع قانوني ومشروع؟!. واذا كان قانون حماية الآثار الحالي به من الثغرات ما استفاد منه محترفو تجارة الآثار.. فهل تأتي التعديلات الجديدة بما يسد هذه الثغرات ويحمي تراث مصر؟! تحقيقات الاهرام تفتح ملف التعديلات التي يجري مناقشتها غدا الاثنين تحت قبة البرلمان لا سيما المادة8 التي لايزال الخلاف قائما حولها. د. زاهي حواس أمين عام المجلس الأعلي للآثار يقول أن آثار مصر هي عرضها الذي لا يقبل المساس به بأي صورة من صور التداول أو الاتجار, فلا توجد دولة ذات حضارة يمكن أن تقوم بذلك.. لأن السماح بالاتجار بالآثار داخل مصر يعني بمنتهي الوضوح فتح أبواب جهنم للتهريب والسرقات بما يعني أن أثار مصر سوف تكون نهبا لمحترفي التهريب كما ستنتشر ظاهرة التنقيب غير الشرعي أو غير القانوني عن الآثار نظرا لأنها دون شك تجارة مربحة.. محل الخلاف وفيما يتعلق بالمواد محل الخلاف في التعديلات المقترحة علي قانون حماية الآثار فهي المواد2 و8 و36 وبالفعل تمت الموافقة علي المادة رقم2 وهي الخاصة بتعريف الأثر. وكان وجه الاعتراض في عدم وضوح التعريف.. إلا أنه بعد المناقشات تمت الموافقة علي هذه المادة.. وكذلك الحال بالنسبة للمادة36 والتي تنص علي أنه تسري علي النماذج الأثرية التي ينتجها المجلس وصور القطع والمواقع الأثرية المملوكة له جميع حقوق الملكية الفكرية والعلامة التجارية وحماية استغلالها لصالحه.. وبالفعل تمت الموافقة علي هذه المادة أيضا بعد أن كان الخلاف حول جزئية حق الملكية الفكرية للمجلس الأعلي للآثار.. فقد كانت هناك رغبة في الاكتفاء بالعلامة التجارية فقط.. إلا أن المناقشات أسفرت عن إقرار المادة باعتبار أن الملكية الفكرية حق أصيل للمجلس.. أما المادة رقم8 وهي التي مازالت محل خلاف.. والكلام لايزال علي لسان د. زاهي حواس. فإنها تنص علي أنه يحظر نهائيا الإتجار في الآثار وباستثناء حالات الملكية الخاصة أو الحيازة القائمة قانونا وقت العمل بهذا القانون أو التي تنشأ وفقا لأحكامه لا يجوز لمالك الأثر أو حائزه التصرف فيه إلا بعد الحصول علي موافقة كتابية من المجلس وفقا للإجراءات والشروط والضوابط التي يصدر بها قرار من الوزير وبشرط ألا يترتب علي هذا التصرف إخراج الأثر من البلاد بأي صورة كانت وتسري علي من تنتقل إليه ملكية أو حياة الأثر أحكام الحيازة المنصوص عليها باللائحة التنفيذية لهذا القانون ويكون للمجلس دائما أولوية الحصول علي الأثر عند تصرف مالكه أو حائزة فيه وذلك مقابل تعويض عادل.. وعلي من يملك قطعا أثرية أن يخطر بها المجلس خلال عامين من تاريخ العمل بهذا القانون ويلتزم بالمحافظة عليها حتي يقوم المجلس بتسجيلها.. وقد رأت اللجنة التشريعية ضرورة إجراء تعديل علي هذه المادة تمثل في انه لا يجوز لمالك الأثر أو حائزه التصرف فيه إلا بعد إخطار كتابي للمجلس خلال60 يوما علي الأقل, وللوزير الحق في الاعتراض علي التصرف خلال نفس الفترة(60 يوما) من تاريخ وصول الإخطار.. وفي هذه الحالة يتعين موافقة المجلس وإلا كان العمل غير مشروع.. والجزئية الأخري تتعلق بالملكية الشخصية فنحن نحترمها كما نحترم الحق في التوريث, ولكننا هنا يجب أن نفرق بين أمرين وهي البيوت الأثرية أو القصور وهي ليس لنا أدني شأن بها سواء ببيعها أو تداولها وبين المنقولات الأثرية وهي غير المسموح بتداولها ولكنها من حق المجلس وبالتراخي وبعد تحديد قيمة الأثر وحصول صاحبه علي حقه.. ومن هنا فإننا بالفعل قمنا بإجراء بعض التعديلات علي المادة8 وهي المطروحة للنقاش أمام البرلمان غدا, وهذا التعديل يشمل أنها يجوز للمالك أو حائز الأثر حق الاعتراض خلال60 يوما من إخطار المجلس برغبته في التصرف إذا لم يتلق موافقة.. وكذلك أنه علي من تملك قطعا أثرية وفقا لأحكام هذا القانون أن يخطر بها المجلس خلال ستة أشهر علي الأكثر تبدأ من أول مارس2010. حجر الزاوية وهنا يلتقط أشرف العشماوي المستشار القانوني للمجلس الأعلي للآثار خيط الحديث ليوضح أن الجزئية التي تمت الموافقة عليها بصورة نهائية في هذه المادة8 من قبل مجلس الشعب هي الجزئية الخاصة بحظر الاتجار نهائيا في الآثار. وفي رأينا القانوني فإن المادة2 الخاصة بتعريف الأثر الذي يعد في حقيقة الأمر هو حجر الزاوية في القانون.. هي مكمن الخطورة اذا تم تعديلها لأن أخطر ما في القانون هو تعريف الأثر.. ووفقا لما يتم تحديده يترتب حظر الاتجار وأحكام الحيازة والتصرف في الأثر وصيانته والعقوبات التي يتم توقيعها بشأن أي جرائم تتعلق به.. ومن جانبنا فقد رأينا أنه كلما كان التعريف غير مطاط وغير قابل للتوسع كان أكثر وضوحا وانضباطا وساهم أيضا في ضبط المادة8 المرتبطة به ارتباطا وثيقا.. ومن ناحية أخري فإن الآثار المصرية بحكم طبيعتها غير قابلة للتصنيف علي الاطلاق نظرا لأنها تعبر عن حضارة منفردة خلال حقبة تاريخية معينة ولا يوجد لها شبيه سواء في افريقيا أو الشرق الاوسط ككل. التداول والاتجار مرفوض د. عبد الحليم نور الدين رئيس هيئة الآثار الأسبق وأستاذ المصريات بكلية الآثار جامعة القاهرة يؤكد من جانبه أن التفكير في ارتكاب الجريمة ركن من أركانها.. وآثار مصر هي شواهد مادية لتاريخنا ومجرد التفكير في الإساءة إلي تاريخ مصر بالبيع أو الشراء هو بالفعل بمثابة جريمة.. لذلك فإن فكرة التداول أو الاتجار في الداخل لا يجب أن تكون مطروحة علي الاطلاق.. وهنا لابد أن تثار عدة تساؤلات عن أسباب طرح هذه الفكرة وهل هناك من لديه مجموعات أثرية يريد إخراجها من مصر في ظل قانون بدلا من تهريبها بشكل غير شرعي؟ خاصة أن القانون الحالي رقم117 لسنة1983 لا يسمح بخروج الآثار خارج مصر. ولا يسمح بتداولها.. وأيضا نتساءل هل هناك دولة عربية بها قانون يسمح بالاتجار في الآثار؟ والاجابة هنا أن اسرائيل هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تسمح بذلك وهي لا تقوم بالمتاجرة في آثارها ولكن في الآثار الفلسطينية.. ومن يري أن أوروبا تسمح بذلك.. فإنه مردود عليه بأن أوروبا أيضا لا تقوم بالمتاجرة في آثارها ولكن في الآثار الواردة إليها من مصر أو الصين أو اليابان.. وصالات المزادات هناك تزخر بمقتنيات مجهولة المصدر.. أما فيما يتعلق بالحيازة الشخصية كما يضيف د. عبد الحليم نور الدين فنحن ضدها في كل الأحوال باعتبار أن المبدأ الأساس هو أن الآثار ملك الأمة وليس لأحد سلطة التصرف فيما تمتلكه الأمة.. ومن هنا فنحن ضد الحيازة الشخصية لما تمثله من باب مفتوح لتهريب الآثار المصرية.. وبالفعل فإنه تكون هناك سجلات موثقة فيما بين المواطن الحائز للقطع الأثرية وما بين المجلس الأعلي للآثار.. ولكن التجربة العملية أثبتت أنه من الممكن تهريب القطع الاصلية مغلفة بجبس أو بمواد معينة ووضع نماذج مقلدة بدلا منها.. التنقيب غير العلمي ومن الناحية العلمية يحذر د. محمد حمزة وكيل كلية الآثار بجامعة القاهرة من خطورة السماح بتداول الآثار لأنها تفتح الباب علي مصراعيه أمام التنقيب أو( النبش) غير العلمي وهو ما يجعلنا نفقد ما هو معروف في علم الطبقات وتأريخ كل طبقة علي حدة.. كما نفتح أيضا بابا خلفيا للتهريب.. بل أننا نستطيع أن نؤكد أن الكثير من الآثار المصرية والبرديات من القرن19,18 تم تهريبها بهذه الطريقة وبأثمان بخسة وكثيرا من الحفائر الأثرية الاولي في أوائل القرن19 تم التنقيب عنها بمنهج غير علمي ففقدنا الكثير من أصولها والتعرف علي الطبقة التي تنتمي اليها وتم تهريبها إلي الخارج.. خاصة أن المشكلة في الوقت الحالي هي وجود تقنيات حديثة في التهريب وبعيدا عن المنافذ الشرعية.