عبدالمجيد الشوادفي: التاريخ الإسلامي يزخر بأحداث تجذب الانتباه بمثلها العليا وروعتها البالغة باعتبارها تطبيقا عمليا للإيمان ورقابة للصوت الداخلي الذي يهيمن علي تصرفات البشر ويضع لها الجزاء المناسب وهو صوت الضمير تلك الحاسة الباطنية التي تتذوق معاني الحق وتدفع إلي البر وتكافئ علي الخير بالرضا والطمأنينة وعلي الشر بالوخز والتأنيب, وتوضيحا لذلك يقول الدكتور طه حبيش أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر إن النفس الإنسانية تتأثر بالموروث من الغرائز والميول وبالأجواء والبيئات والثقافات المتعددة التي تتعرض لها في الحياة طبقا لقوله تعالي ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها, وإذا اكتملت النفس تصبح راضية مرضية وتحث علي الخير وتحذر من الشر, وعندما تصل إلي هذه المرحلة تكون مرادفة لما يعبر عنه بالضمر القومي الذي استمدته النفس البشرية من النهج المستوحي من القيم والتعاليم التي كان مصدرها الأول الأديان السماوية وفي مقدمتها الإسلام, وفي هذا الشأن يقول وابضة بن معبد: رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم وأنا أريد ألا أدع شيئا من البر والإثم إلا سألت عنه, فقال لي أدن يا وابضة فدنوت فقال رسول الله جئت تسأل عن البر والإثم, قلت نعم فجمع النبي عليه السلام أصابعه الثلاثة وجعل ينكث بها في صدري, ويقول يا وابضة استفت قلبك البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب والإثم ما حاك في القلب وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك. لأن الإيمان بالله وما جاء به الدين أقوي للعوالم في استقامة الضمير الإنساني وسداد حكمه والله سبحانه وتعالي يقول ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد إذ يتلقي المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ومراقبة الضمير في حقيقتها مراقبة الله تعالي والإيمان بواسع علمه وقدرته لقوله عز وجل وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين, ولهذا أمر الله سبحانه عباده بمراقبته فقال تعالي فإياي فارهبون وقال وخافون إن كنتم مؤمنين, وقد أمر النبي صلي الله عليه وسلم بذلك في أحاديث منها قوله( اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحوها وخالق الناس بخلق حسن) ومراقبة الضمير تدعو إلي التأني في العمل, كما جاء في قول النبي( ذا أردت أمرا فتدبر عاقبته, كما تبعث علي الاتقان والاخلاص في الأداء.