لم استغرب اطلاقا حين قرأت في مجلة الصين اليوم أن الصينيين يقضون عطلة نهاية الأسبوع في حضور الندوات العلمية التي تعقد في المكتبات العامة والجامعات هناك بحيث أنك لو تأخرت قليلا فلن تجد لك مكانا. فهذا الشعب يستمتع إذن بالعلم ويقبل عليه اقبالنا في مصر علي المسلسلات والمسرحيات ومباريات كرة القدم. أقول انني لم استغرب ذلك في حالة الشعب الصيني لأني أعرف أن جاليليو العالم الإيطالي الشهير في الفيزياء قد لام الجماهير الغفيرة التي توافدت لمشاهدة احدي تجاربه العلمية برغم شدة البرد وهطول الأمطار الغزيرة في هذا الوقت منذ عدة قرون من الزمان, في هذه الأيام كانت أوروبا تبدأ نهضتها الكبري, عندما كانت الدعوة إلي قراءة كتاب الكون والتعرف علي القوانين التي وضعها خالق الكون لظواهره المختلفة تسري في انحاء أوروبا سريان النار في الهشيم, وكان استمتاع الناس بالعلم وقوانينه الدقيقة الأنيقة استمتاعا لا حد له لدرجة أن إسحاق نيوتن قد عبر عن ضيقه من كثرة الذين أخذوا يناقشونه في نظرية الجاذبية التي كان قد أعلنها منذ قليل آنذاك, بل لقد أقبل محامون ورجال أعمال وأصحاب مهن مختلفة علي الانشغال بهذه النظرية حتي ان الصحافة البريطانية نشرت كثيرا من الأشعار والكاريكاتير حولها. الاستمتاع بالعلم وقوانينه الفاتنة هو اشباع لغزيرة حب الاستطلاع, انه اشباع لهذه الغريزة في التعرف علي المجهول في المجال المفيد المؤدي إلي النهضة الحضارية والثروة والقوة واحراز المجد والمكانة العالية بين دول العالم, ونفس هذه الغريزة يمكن ان تشبع في التعرف علي المجهول في الدراما وكرة القدم, من تزوج ومن طلق, من اغتني ومن افتقر, من سيكسب ومن سيخسر في هذه المباراة أو تلك, لكنه اشباع لهذه الغريزة فيما لا يفيد ولا يقدم أو يؤخر. انه اشباع والسلام, ويوم أن نقتنع في مصر بان هذه الغريزة يجب أن تشبع فيما يفيد من العلم خاصة العلم المبني علي الاعداد المحددة في وصف ظواهر الكون, فاننا سننتقل من الاستمتاع بالمسلسلات والمسرحيات والمباريات إلي الاستمتاع بما استمتعت وتستمتع به شعوب الشرق والغرب التي فهمت الدنيا وعرفت كيف تحقق سعادتها وغناها ومجدها ومكانتها بين دول العالم.