في إطار هذا الصخب الدائر حول ما وقع من تجاوزات وانتهاكات في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة هناك ثمة حقيقة وهي أنه لم يعد بمقدور أحد أن يشكك في أهمية الديمقراطية كصمام أمن وأمان من ناحية. ولضمان القدرة علي اللحاق بقطار العصر من ناحية أخري, لأن الكل قد بات علي يقين بأن الديمقراطية مهما قيل عن بعض سلبياتها, فإنها أفضل وأفيد بكثير من الانغلاق والمركزية والشمولية, بعد أن أثبتت التجربة أن غياب الديمقراطية هو الذي يؤدي إلي وجود المخابيء غير الشرعية للعمل السياسي, وبالتالي توفير التربة الخصبة للمنافقين والمزايدين الذين تبرز أدوارهم عندما تسود أجواء اللامبالاة لدي الغالبية العظمي من المواطنين.. فضلا عن أن غياب الديمقراطية يوفر التربة الخصبة لمن يبذرون بذور الأفكار المتطرفة التي تنبت العنف والإرهاب. وإذا كان الحزب الوطني باعتباره حزب الأغلبية يتحمل نصيبه من المسئولية في أزمة وإشكالية الديمقراطية, فإن المسئولية الأكبر تقع علي عاتق جميع النخب السياسية وبالذات تلك النخب التي تستظل بلافتات شرعية في الأحزاب السياسية, ومؤسسات المجتمع المدني. أريد أن أقول بصراحة إن الذين يتحدثون عن احتكار الحزب الوطني للسلطة, لا يتحدثون بالمرة عن احتكار مماثل للمواقع القيادية في صفوف أحزاب المعارضة, ومن ثم فإن الشجاعة في تناول هذه المسألة, ليست في انتقاد الحزب الوطني وحده, مع أنه ليس فوق مستوي النقد, ولكن لابد أن يكون هناك عدل في توصيف وتشخيص الواقع والاعتراف بأن أغلب القيادات التي تحتكر الحياة الحزبية في مصر اكتفت- علي مدي سنوات طويلة- بمجرد الشكوي والصراخ من غياب المساحة الكافية لحرية الحركة, وهو ما أدي إلي عجز هذه الأحزاب عن اجتذاب أي قدر معقول من الحضور والانتماء الجماهيري نتيجة نشوء شعور عام بعدم جدية وصدق هذه الأحزاب, بدليل أنها تتحدث فقط عن التغيير, بينما كان ينبغي عليها أن تبدأ بنفسها لأنها أشد احتياجا لهذا التغيير من غيرهات. لماذا لا يقال صراحة إن بعض ما تفرضه سياسات الحزب الوطني من تحفظات, علي بعض ما تطالب به قوي المعارضة من إصلاحات سياسية أمر له أسبابه التي قد نتفق أو نختلف حولها بسبب طبيعة الأوضاع السياسية والأمنية غير المستقرة, التي دفعت دولا عريقة في الديمقراطية إلي صك قوانين استثنائية, ومن ثم فإن هذه التحفظات ليست هي السبب الوحيد في بطء حركة المسيرة الديمقراطية, وإنما هناك أيضا جانب من المسئولية تتحمله الأحزاب القابعة في خنادق المعارضة والتي لم تستطع أن تحقق التقارب المطلوب مع الشارع نتيجة وجود هوة واسعة بينهما لأن ما تطرحه بعض هذه الأحزاب من أفكار, ومبادئ مجرد عناوين تجاوزها الزمن, ولم تعد ترقي إلي مستوي طموحات ورغبات الناس. وحتي إذا جاز القول بأن حركة الحزب الوطني باتجاه التجاوب مع بعض مطالب المعارضة- ربما- ليست بالسرعة الكافية, وأنه ينبغي الإسراع بوتيرة الحركة علي هذا الطريق, فإنه ينبغي أيضا أن نقول إن مثل هذه الحركة السريعة تقتضي ارتفاع أحزاب المعارضة إلي مستوي الحلم والطموح الجماهيري, حيث لم يعد هناك مكان لمن يسعون لتعويض عدم قدرتهم علي طرح الحلول والمبادرات الواقعية التي توفر جذبا جماهيريا بالهروب نحو قضايا عمومية تستهدف دغدغة المشاعر ومواصلة استخدام شماعات التزوير والانتهاكات التي لم ينكرها أحد, ولكن أيضا لم يسلم كثيرون بأنها كانت بالحجم الواسع الذي يؤدي إلي بطلان الانتخابات أو عدم مشروعيتها! وعلينا أن نسعي لتضييق المسافة بين اتهامات سياسية تقول بها أحزاب المعارضة وبين متاريس قانونية يتحصن بها الحزب الوطني حتي تعود اللحمة لشراكة وطنية حقيقية وضرورية! *** خير الكلام: ** من بين سائر الفنون يبقي فن الكلام هو الأكثر خداعا! [email protected]