لو تأملنا عينة من الجرائم التي أصبحت تفاصيلها تدهمنا في الشهور الاخيرة لها لنا ما أصبحت تتسم به من غرابة وشذوذ من حيث طبيعتها وأساليب ارتكابها ودوافعها وكذا من حيث علاقة مرتكبيها بالمجني عليهم. ولقد كان المجتمع يستوعب دوافع بعض الجرائم مثل قتل الزوج زوجته الخائنة أو عشيقها وقد لا يعتبره مجرما حتي ان القانون خفف عقوبة القتل دفاعا عن الشرف تقديرا لدوافع مرتكبها الي غير ذلك من الجرائم التي قد يستنكرها المجتمع, وان كان قد يجد لها تبريرا اجتماعيا أو اقتصاديا الخ... ولكن أين ذلك من الجرائم التي نشهدها الآن, مثل قيام احد الحرفيين بقتل محام بالإ سكندرية ودفنه اسفل بلاط ارضية شقته علي طريقة ريا وسكينة ومثل قيام طبيب كبير بقتل احد العمال لخلافات مالية وتقطيع جثته بحرفية الجراحين, وقيام رجل اعمال بتحريض احد رجال الامن السابقين بقتل إحدي الفنانات العربيات, ومثل قيام سائق سيارة مخصصة لتنقلات موظفي احدي الشركات بقتل أحدهم داخل السيارة بالرصاص لسخريته منه, واستمراره بعدها في اطلاق الرصاص عشوائيا علي عدد آخر من راكبي السيارة دون سبب ظاهر, وايضا قيام طالب بهتك عرض احد زملائه, وقيام طالب آخر بطعن زميله بمطواة لاسباب غير مبررة, وقيام طالب ثالث بوضع السم في وجبة غذاء قاصدا قتل والده لينتهي الأمر بمصرع أبيه وأمه وشقيقته عقب تناولهم هذه الوجبة مبررا جريمته بأنها احتجاج علي قسوة والده, وغيرها من حوادث قتل الآباء لابنانهم, وقتل الابناء اباوهم وامهاتهم. والمستخلص من هذه الجرائم انها تمت لاسباب واهية في اغلب الاحيان لاتتناسب مع حجم الجريمة التي ارتكبت تبريرا لها وان كانت تكشف عن مؤشرات مهمة يتعين الوقوف امامها, واولها استعانة بعض رجال المال بالقاتلين بالاجر للقضاء علي خصومهم. كما امتدت سطوة بعضهم الي استخدام ملايينهم في توكيل عدد مبالغ فيه من المحامين الأكفاء للدفاع عن مصالحهم والسعي لتبرئتهم من اي اتهامات توجه اليهم, كما كشفت بعض هذه الجرائم عن الاستهانة بارواح البشر والقتل العشوائي علي نحو ماقام به سائق سيارة احدي الشركات السابق الاشارة الي جريمته, وان كان دفاعه قد حاول نفي مسئولية الجاني عن الجريمة باحتمال اصابته بالوسواس القهري أو الفصام العقلي, كما تكشف بعض هذه الجرائم عن الغياب النسبي لدور المدرسة في نشر القيم الاخلاقية والدينية انصراف الأبوين الي البحث عن مزيد من المال من داخل وخارج البلاد. تاركين ابناءهم فريسة لاصدقاء السوء دون رعاية ابوية ليسقطوا في براثن الانحراف والجريمة.. ولاننسي في النهاية ان مسئولية ذلك تعود الي حد كبير الي ماتقدمه بعض اجهزة الإعلام وماتتضمنه كثير من الاعمال الفنية من تمجيد وتكريس للعنف, وللتطلعات المالية, وتهميش القيم الدينية والأخلاقية. وكلها ملاحظات وسلبيات يمكن تداركها اذا عوملت القضية بما هي جديرة به من جدية واهتمام. فؤاد جاد المدير العام بوزارة الداخلية سابقا