أحد أشهر الروائيين في عالم اليوم وأكثرهم شعبية هو باولو كويللو, سعيا لاستقطاب جمهور الانترنت, نشر كل رواياته في الانترنت في موقع مجاني مفتوح لكل الناس. وهو عمل قام به ضد إرادة الناشرين الذين رأوه عملا ينقص من قيمة المشتريات ويؤثر في الدخل الذي تحققه للناشر والكاتب ولكنه أراد أن يضحي ببعض دخله في سبيل اتساع قاعدة القراءة لاعماله, برغم أنه مقارنة ببقية كتاب العالم يحظي بنسبة قراء تصل إلي عشرات الملايين لمجموع رواياته المترجمة لأغلب لغات العالم, ولعل دلالة هذا الخبر هي مدي ما أصبح عليه جمهور الانترنت من اهمية وما وصل إليه من أعداد كبيرة تصل إلي مئات الملايين ممن صارت مواقع الانترنت هي مصدرهم الاساسي للاطلاع والثقافة, وربما هذا هو الحافز الذي دعا أكبر الروائيين الاحياء في أمريكا وهو الروائي فيليب روث للتعبير عن تشاؤمه من مستقبل الكتاب بسبب المنافسة القوية وغير المتكافئة, التي يتصدي لها مما يسميه الكاتب ثقافات الشاشات ويقصد شاشة السينما وشاشة التليفزيون وشاشة الكمبيوتر, ويري أن قراء الرواية سيتناقصون في المستقبل القريب لا لعيب في هذا النوع الادبي الذي حقق حضوره واكتساحه لبقية الانواع, ولكن لأن الرواية, كما قال في لقاء تلفزي, تحتاج لقوة تركيز وانتباه واستيعاب, وهي عناصر مؤهلات لاتتطلبها ثقافة الشاشة, باعتبارها أكثر يسرا وتستطيع التسلل إلي ذهن المشاهد عبر القراءة والسماع والمشاهدة مع عناصر الاثارة التي تقدمها الصورة واللون والموسيقي وغيرها إلا أنه يؤكد وجود نسبة تسعي لاقتناء الكتاب وتفضله مهما تقادم الزمن ولكنها لن تكون كبيرة كما هي الآن. بينما يعبر كبير الروائيين في بريطانيا مارتن ايمس عن حالة أكثر ثقة في مستقبل الرواية ويقتبس تقليدا أمريكيا سنويا يلقي فيه الرئيس خطابا عن سياسة دولته يكون استعرضا لحالة الأمة ويري أن الرواية هي من يقوم علي مستوي اكثر عمقا وأكثر اتصالا بمشاعر وأحاسيس الناس عن التعبير عن حالة الامة. وهكذا فالادب الروائي يواصل رسالته باعتباره حاملا ومعبرا عن حالة الأمة في اي بلد وبالنسبة لأي امة وستستمر الرواية تؤدي هذه المهمة التي يسميها زميل آخر لمارتن ايمس هو كريس كليف, رواية المعاصرة والتحدي لمعطيات الواقع عندما لايستجيب لطموحات الناس ويقول أيضا إن القراء اذكياء ويستمتعون بقراءة روايات متقنة وجيدة في عرضها وأسلوبها تتحدث عن عالم يعرفونه لأنهم يعيشون فيه. هذا ملمح من حالة الرواية في الغرب فما هو حالتها في العالم العربي؟ لا استطيع بالتأكيد أن اقدم إحاطة شاملة بهذا الموضوع, بمثل ما يفعل المؤتمر الخاص بأدب الرواية الذي يعقده المجلس الأعلي للثقافة كل عامين, وقد انهي المؤتمر الخامس أعماله منذ أيام قليلة مضت, حضره حشد من كبار مبدعي هذا الفن علي مستوي الوطن العربي كله, وقدم خلاله النقاد والباحثون من أهل الاختصاص رصدا شاملا للحالة التي وصلت إليها الرواية العربية منذ نشأتها في الادب العربي حتي اليوم, وما استطيع قوله الآن هو أنه لايمكن لاحد أن ينكر أن الرواية صارت أحد أهم المصادر والادوات القادرة علي توصيف حالة الأمة بمثل ما لايمكن أن تفعله أي وسيلة أخري, ويستطيع من يريد التعرف علي الحراك الاجتماعي في العالم العربي, والتفاعل الثقافي والوضع الاقتصادي والسياسي أن يعرفه من خلال التقارير التي تكتبها مراكز البحوث, والمادة التي تقدمها وسائل الاعلام, والكم الهائل من النشرات الصادرة عن هيئات حكومية ودولية معنية بشئون العالم العربي, ولكن لا احتمال لأن تستطيع هذه البحوث وهذه التقارير وهذه الصحف وهذه الاذاعات وهذه النشرات الحكومية أن تقبض علي قوة وزخم مايمور في أعماق المجتمع وما يدور في عقول وقلوب وضمائر الناس وما يقدم حالة من حالات التجلي للمشاعر والانفعالات وتوصيف الوضع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي للمواطن العربي, كما تفعل الرواية. ولاشك أن من يريد أن يعرف مصر يستطيع أن يقبض علي شيء من روحها في قصص وروايات توفيق الحكيم ويوسف إدريس ونجيب محفوظ ولكنه بالتأكيد سيجد صورة أكثر حداثة بوضع المجتمع اليوم فيما يكتبه علاء الاسواني وصنع الله ابراهيم ومحمد البساطي وجمال الغيطاني ويوسف القعيد وبهاء طاهر وخيري شلبي ومحمد جبريل وهالة البدري ورضوي عاشور ونوال السعداوي وحشد من مبدعي الرواية من كتاب وكتابات وهو مايصدق علي كل بلد عربي. الرواية العربية بالتأكيد أوفت بشيء من واجبها نحو المواطن العربي, ومثلت دور المرآة التي يري فيها صورة داخلية لعوالمة التي لاتعكسها إلا مرآة الفن, وهي بالتأكيد قادرة علي تحقيق كسب آخر لهذا المواطن ولهذا الوطن لو وجدت من يستثمرها في كسب معارك الرأي العام والتواصل مع شركائنا في عالم اليوم من شعوب وثقافات أخري.