شهدت صناعة النشر والكتب فى العالم خلال السنوات القليلة الماضية أوقاتا حاسمة، بأحداث غيرت مفاهيم عديدة استقرت لعقود، مثل عادات القراءة وشكل الكتب وطريقة بيعها، بعد ظهور ما يسمى بالكتب الإلكترونية، فى صيغ يمكن الاطلاع عليها عبر الكمبيوتر الشخصى أو التليفون المحمول وغيرها من الأجهزة، ثم ظهور أجهزة القراءة الإلكترونية، لقراءة وتحميل آلاف الكتب والصحف والمجلات والاطلاع عليها فى أى وقت ومكان. ومثل صناعات أخرى مهمة كصناعة الموسيقى والأفلام، عانت صناعة الكتب فى العالم من الآثار الجانبية لكل تلك التطورات التقنية المهمة، وبات موضوع قرصنة الكتب الإلكترونية هاجسا كبيرا خاصة للناشرين والكتاب. موقع شبكة سى. إن. إن على الإنترنت أورد تقريرا مهما عن قرصنة الكتب الإلكترونية، وهى الظاهرة التى باتت تهدد صناعة بأكملها، بعد انتشار نسخ مسروقة من الكتب على الإنترنت فقط بعد أيام من إصدارها ورقيا، مثل الرواية الشهيرة «الرمز المفقود»The Lost Symbol للروائى دان براون، التى تم نشرها بشكل غير شرعى على الإنترنت بعد يوم واحد فقط من طرحها فى الأسواق فى سبتمبر الماضى، وتم تنزيل نسختها المسروقة أكثر من 100 ألف مرة بعد أيام قليلة من نشرها، رغم أن نفس الرواية حققت مبيعات فى نسختها الإلكترونية لجهاز كيندل من أمازون، أكثر من نسختها الورقية فى بريطانيا. وكانت القرصنة الإلكترونية قد ارتبطت لوقت طويل بصناعات الموسيقى والأفلام، إلا أنها بدأت أيضا فى فرض سيطرتها على صناعة الكتب؛ ففى الوقت الذى تدعم فيه أجهزة القراءة الإلكترونية والتليفونات المحمولة وغيرهما من الأجهزة بدعم انتشار الكتب الإلكترونية، فإن الخبراء يقولون إن هذا أيضا قد يفاقم من مشكلة القرصنة على الكتب. وعن هذا يقول ألبرت جريكو خبير التسويق فى جامعة فوردهام «إنه من المناسب القول بأن القرصنة على الكتب الإلكترونية وصلت لمرحلة الانفجار». ويشير تقرير سى. إن. إن إلى ارتفاع نسب مبيعات الكتب الإلكترونية خلال عام 2009 لثلاثة أضعاف أكثر من عام 2008، ولكن فى نفس الوقت يبدو أن القرصنة على الكتب ستشكل صداعا للناشرين فى عام 2010، فى الوقت الذى تتداعى فيه صناعة النشر الورقى، ويعتمد فيه الناشرون أكثر فأكثر على النشر الإلكترونى. فى نفس الوقت وبعيدا عن مخاوف الناشرين، فلن تكون أخبار القرصنة على الكتب الإلكترونية مفرحة لمؤلفى الكتب أنفسهم، خاصة المشاهير منهم، ممن تشكل لهم أرقام المبيعات مسألة مصيرية، أضف إلى هذا انتشار ثقافة (المصدر المفتوح)Open Source على الإنترنت، التى قد تشكل تهديدا حقيقيا لحقوق الملكية الأدبية والفنية، حيث لا يقتصر الأمر على الكتب الأدبية فحسب، بل يتعداه أيضا إلى الكتب الطبية والأدلة التقنية وغيرهما من أنواع الكتب. وتستدعى أجواء الخوف من قرصنة الكتب ما حدث بالنسبة للموسيقى على مدى العقد الماضى، بداية من موقع نابستر Napster وغيره من مواقع مشاركة الملفات file-sharing sites، والتى حاولت شركات التسجيلات الموسيقية طوال سنوات طرقا عديدة لمنعها دون أن تحقق نتائج حاسمة، ومع ذلك يبقى متجر الموسيقى الإلكترونى آى تيونز iTunes من آبل هو أكبر متجر للموسيقى فى العالم، مما يعطى شيئا من الأمل والتفاؤل بالنسبة لمستقبل الكتب الإلكترونية. بعض الناشرين قد يحاولون التقليل من نسبة السرقة عن طريق تأجيل إصدار نسخ إلكترونية من كتبهم لبضعة أسابيع بعد نشر الطبعات الورقية منها، بينما وصل الأمر ببعض الكتاب إلى رفض فكرة النسخة الإلكترونية برمتها، مثل الروائية البريطانية الشهيرة جيه كيه رولنج، صاحبة روايات هارى بوتر، التى رفضت أن تطرح نسخا من رواياتها بأى صيغة إلكترونية خوفا من السرقة. فى الوقت نفسه توجد بعض الدلالات التى تشير إلى أن تلك المخاوف من الناشرين والكتاب حول قرصنة الكتب الإلكترونية قد يكون مبالغا فيها، فعلى سبيل المثال أظهرت بعض الإحصاءات الحديثة أن القراء المستخدمين لأجهزة القراءة الإلكترونية يشترون كتبا أكثر من القراء الورقيين التقليديين، أمازون تقول إن أصحاب جهاز كيندل يشترون كتبا أكثر بثلاث مرات ممن يشترون النسخ الورقية، وهو الشىء الإيجابى الذى قد يغفله كثيرون. وتبقى التجربة هى خير دليل، إن كان النشر الإلكترونى سيتخطى مع الوقت سلبيات القرصنة بالنسبة للناشرين والكتاب، أم أن قراصنة الكتب سينتصرون فى النهاية، مهددين مستقبل صناعة ضخمة وحيوية مثل صناعة الكتب، بكل ما سيحمله هذا من آثار على مستقبل المعرفة. الأكيد أننا لن ننتظر طويلا حتى نرى.