أعتقد أن أهم دروس الانتخابات الأخيرة لمجلس الشعب يتمثل في استمرار تدني نسبة المشاركة في التصويت وهو أمر يفرض علي كافة الأحزاب السياسية- وفي طليعتها الحزب الوطني- دراسة السبل الكفيلة بجذب الناخبين الذين لهم حق التصويت باتجاه المشاركة ونفض غبار السلبية المتراكم في الذهنية الشعبية منذ سنوات بعيدة لأسباب عديدة يطول شرحها. لقد آن الأوان بالفعل لإعادة بعث الشعور بالمسئولية لدي جمهور المواطنين علي مختلف انتماءاتهم بالتأكيد علي أن المشاركة العامة ليست مجرد ديكور لتزيين الواجهة الديمقراطية, وإنما ينبغي اعتبار المشاركة العامة بمثابة واجب قومي أساسي وضريبة وطنية مقدسة ينبغي علي الجميع أن يتحملوا عبئها وأن نتجاوز جميعا ذلك التفكير القاصر الذي كان يري أن العمل العام نوع من الامتياز أو الرفاهية الذي يختص به أهل النخب المختارة من الفئات المحترفة للعمل السياسي فقط. إن علي كافة الأحزاب بذل كل جهودها في المرحلة المقبلة صوب هدف أساسي هو إنهاء هذه السلبية المجتمعية تجاه العملية الانتخابية لأن ذلك أمر لا ينبغي استمراره في ظل التطور الديمقراطي الذي تعيشه مصر والذي يتطلب تجاوبا أوسع من جانب المواطنين لكسر شعور الانعزال عن المسئولية واقتحام جميع دوائر المشاركة في العمل العام. وهذا الذي أتحدث عنه يتطلب استنهاض همم المجتمع بأسره وبالذات أجيال الشباب التي ينبغي عليها أن تدرك أن مرحلة عدم الاهتمام بالعمل العام قد انتهت وأنه لا وصاية علي الفكر والاجتهاد طالما أن المشاركة تأتي في إطار المؤسسات الشرعية وتحت مظلة الدستور ومن أجل الإسهام في دعم ديمقراطية المشاركة التي تساعد علي حل المشكلات وتجاوز العقبات والانطلاق نحو المستقبل بكل الثقة والاطمئنان!. إننا بحاجة إلي هزة ذاتية تمارسها الأحزاب السياسية وسائر منظمات المجتمع المدني لكي تتحول من كونها مجرد دكاكين سياسية تعبر عن توجهات بعض محترفي العمل السياسي ومحتكري الظهور في الفضائيات لتصبح مراكز جذب يتدفق علي أبوابها المواطنون بمثل درجة تدفقهم علي ملاعب الكرة وقاعات المسارح. إن نسب التصويت الأخيرة جاءت كاشفة ومؤكدة أن معظم الأحزاب السياسية تفتقر إلي الوجود الحقيقي في الشارع المصري وهذا هو سر عزوف الناس عن المشاركة السياسية, وليس هناك من تفسير لسبب غياب المشاركة سوي الشعور العام بأن هناك ما يشبه الاحتكار في بناء هذه التنظيمات, وان هذا الاحتكار يسد الباب عن دخول وجوه تطمح ولها الحق في ذلك في أن تأخذ مكانها وأن تمارس دورها في توجيه دفة هذه التنظيمات السياسية. وليس ما قلته نقدا لأحد بعينه, وإنما هو دعوة من أجل أن تصبح الديمقراطية منهج حياة تنمو ولا تنكمش وتزيد رقعتها ولا تنحسر, وتتطور إلي الأفضل ولا تقبل بأي نوع من الجمود طالما حدث توافق بين الجميع علي احترام قواعد اللعبة والتسليم عن اقتناع- بأن ركيزة أي نظام ديمقراطي هي احترام القانون, فالجميع أمامه سواء باعتباره المرجع الأول والأخير في تحديد الحقوق والواجبات وتحقيق التوازن بين المصالح المشروعة للأفراد والجماعات علي حد سواء! وظني أنه كلما ارتفعت نسب المشاركة تراجعت شكايات التزوير وأحاديث الخروقات والانتهاكات!. *** خير الكلام: ** ليس المهم أن يكون القانون حكيما وإنما المهم أن يكون القضاة حكماء!.