محمد فتحي يونس : خلال ما يقرب من ثلاثة عقود حققت ليلي علوي رصيدا حقيقيا, قوامه80 فيلما وعشرات المسلسلات والمسرحيات, بدأت مشوارها عبر نافذة الجمال الأوروبي, نحتت لنفسها طلة ملائكية, مثلت بدايتها عودة لملامح بدايات فاتن حمامة وزبيدة ثروت وربما نادية لطفي, وجه فتاة بريئة تدخل القلب بلا استئذان, بعيدة نسبيا عن شقاوة سعاد حسني, وتمرد تحية كاريوكا وطفولة شادية, منذ أول أفلامها البؤساء اختارت طريقا تقليديا للظهور الأول, تناسب بدوره مع ملامحها الوديعة, بعد فترة من الألفة مع الشاشة استهلك الطلة الأولي فبدأت رحلة دائمة لتغيير الجلد الفني, تستطيع أن تقف عند أبرز محطاتها, ففي رائعة محمد خان خرج ولم يعد اكتشف المتابعون أنهم أمام ممثلة متمكنة من أدواتها تختفي خلف الوجه الجميل, ثم فاجأت الوسط السينمائي بطلة أخري مغايرة مع الأنثي المهانة في المغتصبون لسعيد مرزوق, وبعدها قدمت أداء مغايرا بجرعة بوح درامي في يا دنيا يا غرامي مع مجدي أحمد علي, ثم تمردت علي ملامحها تماما مبرزة أصالة نساء الهامش في اضحك الدنيا تطلع حلوة.. ما يقرب من ثمانين فيلما مثلت رصيدا متعدد الطبقات, يتنوع ما بين الفانتازيا وواقعية الثمانينيات الجديدة, والرومانسية وحتي الفيلم الاستعراضي.. تكتشف بعد فلاش باك بسيط أنها بطلة الرحلة الجميلة ذات الموهبة التمثيلية الواضحة, تتمتع بذكاء حاد يقف خلف توقدها الفني ويجلب إليها حفنات من الصفاء وتجنب مطبات النجومية. هذا الذكاء المتوقد كان هو القاسم المشترك لإجابات ليلي علوي في حوارها مع مني الشاذلي نهاية الأسبوع الماضي, بدأت ملامح الألمعية من تفاصيل صغيرة, ربما من اختيارها لملابسها لتتناسب مع ديكور البرنامج, ارتدت ليلي ألوانا تتنوع بين الفضي والرمادي, شكلت مع الديكور خلفية هادئة غير لافتة تبعد التركيز عن الوجه الجميل, ثم بدت بمكياجها الهادئ كأنما يجبرك علي الإنصات لما تقول بدلا من التفتيش في ملامحها. كان اللقاء علي هامش تكريمها في مهرجان القاهرة السينمائي علي مجمل أعمالها, بعد فاصل من الثناء علي جمالها وموهبتها فاجأتها مني الشاذلي بأنها تكرم علي مشوار طويل بلغ79 فيلما, والعادة جرت علي تكريم من اقتربوا من السبعين في نهاية مشوارهم الفني, ثم مازحتها بالسؤال عن عمرها. استقبلت ليلي أول المطبات بهدوء شديد, فالزمن عدو المرأة, لكنها لم تبد قلقا, ولم تفصح عن عمرها بالطبع, قالت إنها لم تكن المرة الأولي التي تكرم علي مجمل أعمالها, سبقتها مرات عديدة سواء في بيروت نهاية التسعينيات أو في المغرب بمهرجان الرباط في فترة لاحقة, اختارت طريقة مثلي للهروب من حصار التفكير في عمرها فأخرجت من جعبتها احتفاء قديم يعود لعشر سنوات, لتنفي كبر السن, ثم لجأت إلي وسيلة دفاعية أكثر ذكاء عندما قالت ان زميلات لها مثلن عددا يفوق أفلامها وهن في نفس عمرها, جمعت ليلي بين فضيلتين في إجابتها الأخيرة, بدت متواضعة وهي تتحدث عن رصيد زميلاتها,_ وهو الأمر الذي تكرر في تبرير رفضها لدور سمية الخشاب في عمارة يعقوبيان, فقالت إنها لم تكن ستؤديه جيدا_ كما أفلتت من وهم التكريم في نهاية المشوار, في نهاية إجابتها الأولي لم تنس أن تصحح لمني الشاذلي خطأها عندما أخبرتها أن أفلامها ثمانون فيلما, وليس تسعة وسبعين, فهناك فيلم لمحمد خان إنتاج مشترك مع جهة غربية يغفله كثيرون, كما مازحتها بقولها ان عمرها سبعون عاما بالتمام والكمال. بدت ألمعية ليلي علوي حاضرة في إجابات عديدة, سألتها مني هل تملك الشجاعة كي تقول علي فيلم لها إنه سيئ أجابتها علي الفور.. نعم, وعندما طلبت منها أن تختار السيئ من أفلامها, ظن الكثيرون أنها في ورطة, فلو اختارت أعمالا باعتبارها غير جيدة ربما ينأي عنها الجمهور وينتقدها مخرجوها, فقالت إنها لا تريد أن تتذكر شيئا سيئا يعكر صفو جلستها, وتمنت علي مني الشاذلي ألا ترضي بذلك. نحن إذن أمام فنانة تعرف ماذا تقول, دون أن تشعر الجمهور بأنها تتكلم بحساب شديد يذهب عنها تلقائيتها, ففي وسط ثناء المذيعة علي حكمتها وعقلانيتها, قالت ليلي إنها قدرية للغاية, لا تكتب خططا لأعمال مستقبلية, لكنها تخطط بشدة لتنفيذ ما يجلبه القدر لها ليخرج علي أكمل وجه. نجحت ليلي خلال اللقاء في فرض صورة ذهنية ترضي عنها لدي الجمهور, فهي البعيدة عن النميمة, وتتبع أخبار الآخرين, لا تشرك أحدا في جلساتها إلا إذا كان الأمر يتعلق برد غيبة شخص ما تلوك سيرته الألسنة, ثم أكدت أنها خلال جلساتها في رحلات التصوير كانت تأخذ جانبا بعيدا وفي يدها زجاجة لبن تكتفي بارتشافها بعيدا عن النميمة( واللبن هنا رمز ربما لا شعوري للبراءة, والاهتمام بما يفيد بعيدا عن اللغو) وهي أيضا الرافضة لبرامج الإثارة اللفظية, لكنها لا تشرك فيها لأنها لا تراها, فيما لا تنكر علي الآخرين مشاركتهم فيها باعتبار الأمر حرية شخصية, وتطلب من المهاجمين لتلك البرامج أن يتحولوا عنها ولا يشاهدوها بدلا من مشاهدتها والاستمتاع بصراعها ثم مهاجمتها. حفلت الحلقة أيضا بلقطات ذكية, فعندما سألتها المذيعة عن رأي زوجها في أعمالها, قالت إنه رجل مال وأعمال ولم يشاهد سوي20% من أعمالها, وهي تركز فقط علي ما يريحه في المنزل وهو كذلك, لتوحي الإجابة بأن الرجل اختارها زوجة تسعده وليست فنانة يعجب بها من الظاهر دون التوغل إلي نفسها, ثم اعترفت بأنها لا تقرأ كل الجرائد بينما يهتم زوجها بالقراءة كثيرا, لتوحي بأنها تعتمد عليه كثيرا. كانت ليلي موفقة أيضا في تبريرها لحضور خطاب أوباما في جامعة القاهرة, اعتبرت نفسها جزءا من هوية العرب التنويرية, فالفن ترياق التطرف, وهي فنانة تشرف بلدها بينما اعترفت بأنها لم تكن منبهرة بالحدث أو ذهبت لتري وجه الرئيس الأمريكي بدافع الفضول. من إجاباتها الرائعة أيضا: أنا أنجح لأنني أختار ما يريحني, لا أهتم برضا الناس فقط علي حساب ما يرضيني فنيا, حتي عندما ذكرتها مني الشاذلي بحديث سابق لها(ليلي) عن أمها, وأنها نقطة ضعفها, قالت ليلي إنها تضعف كثيرا عندما تمرض أمها أو يمسها سوء لكن أمها أيضا نقطة قوتها! وعندما سألتها مني عن اهتمام بعض الفنانين بالأعمال الخيرية من باب الوجاهة قالت إنها مهتمة بالعمل الخيري منذ أكثر من عقدين, بينما جانبها التوفيق وهي تعدد أنشطتها وحسناتها. ليلي علوي اعتدناها جميلة وموهوبة وهاهي تظهر جرعة غير محدودة من الذكاء, ساعدها علي الظهور أسئلة احتفائية من قبل مني الشاذلي ربما جاءت متأثرة بأجواء مهرجان القاهرة السينمائي.