هل هو عمل روائي يعكس المواجهة بين ثقافتين أو أكثر, أم أنه امتداد لتراث أدبي تناول الصدام بين الحضارتين الشرقية والغربية, أم رصد لأحوال الأقليات الإثنية, أم تجسيد لأرواح ممزقة متكسرة, أم مدونة تعرض لوضعية الأم الوحيدة وكل ما يدور في أعماقها سواء كأنثي أو أم. ربما كان أي مما سبق أوربما كل ما سبق, لكن المؤكد أن رواية ميرال الطحاوي الأخيرة التي بقدر ما قوبلت بحفاوة نقدية من البعض وبهجوم شديد من البعض الآخر. وتعددت مستويات قراءتها والتحليلات التي تناولتها قد أعلن قسم النشر بالجامعة الأمريكية مساء أمس فوزها بجائزة نجيب محفوظ لهذا العام والتي نافست بها رواية أسطاسية لخيري شلبي الفائز بنفس الجائزة من قبل, ورواية رقصة شرقية لخالد البري, لتصبح الطحاوي الفائز الخامس عشر منذ بدء الجائزة في عام1996 ولتنضم لقائمة الفائزين بالجائزة التي بدأت بابراهيم عبد المجيد عن روايته لاأحد ينام في الإسكندرية, مرورا بالكاتب المغربي سالم بن حميش, ثم تبادل الجائزة سنويا بين الكتاب المصريين والعرب لتحمل قائمة الجائزة أسماء ادوار الخراط و خيري شلبي وأمينة زيدان ويوسف أبو رية وحمدي أبو جليل وسمية رمضان, ومن الكتاب العرب أحلام مستغنمي وسحر خليفة ومريد البرغوثي وخليل صويلح الذي فاز بالجائزة في الدورة السابقة عن روايته رواق الحب. وقبيل إعلان إسم الفائز رسميا بجائزة دورة هذا العام مساء أمس كان لنا حوار مع صاحبة بروكلين هايتس التي تم ترشيح روايتها أيضا في قائمة جائزة البوكرالعربية لهذا العام. عن قراءتها الخاصة للعمل الذي تعددت مستويات قراءته لتتراوح مابين الهجرة والاغتراب والهويات القومية ومابين تجربة إمرأة وحيدة كان السؤال, الذي أجابت عنه قائلة أعترف أن جزء من كتاباتي خاص بالمرأة أشعر أن عيني تلتقط النساء بصورة أكبر مما تصف الرجل, لأن جزءا من ثقافتنا يهمش المرأة, أعترف أن لدي قدر من التحيز للمرأة ليس لأنها الأفضل ولكن لتاريخ القهر الطويل الذي عاشته كأم و كزوجة وإنسانة, خاصة في علاقتها بجسدها, وأنا أري في المجتمعات الشرقية ظلم لأنها تطلب من المرأة ان تعطي بلا نهاية وتحمل الإبنة هذا الموروث طوال الوقت وكأن الزمن تجمد عند اللحظة الأولي, لتكررالمرأة نفس الدور. عندما إنتقلت لثقافة جديدة كنت أظن أنني سأجد ثقافة مختلفة مثل هند بطلة بروكلين هايتس, لكني اكتشفت مع الأسف أن هذا ليس موروثا شرقيا فقط, فالنساء في بروكلين هايتس أكثر إنكسارا ومثيرات للشفقة, لا بحكم ضغط الرجل ولكن بحكم أن ثقافة المجتمع قائمة علي استغلال البشر وبالتالي فالمرأة الامريكية أكثر انسحاقا من قرينتها الشرقية. فهي تمثيل لثقافة تحتفي بالإنسان طالما ظل قادرا علي العمل. قلت بمعني أن القهر ليس مرتبطا بالعوامل الجغرافية بقدر ما هو متصل بالواقع الخارجي المتشابه وأن تغيرت الأسباب وجغرافية المكان!!. قالت القهر صناعة بشرية مائة في المائة. عملت في مكتب رعاية اللاجئين وهناك إلتقيت بعراقيات وأفغانيات وكرديات وبسيدات مسنات لايتحدثن إلا لغاتهن المحلية ولم يخرجن قط من بيوتهن ولكنه فجاءة أصبحن وحيدات في مجتمع غريب وثقافة مختلفة, وهذه مشكلة حتي بالنسبة للأمريكيين الذين لم يعتادو علي هذه النوعية من المهاجرين. في هذه الفترة التي عشتها في بروكلين ألح علي سؤال الهوية. قلت وهل هذا ما دفعك لأن تستدعي هند صور حياتها الماضية التي فرت منها وهل كانت ميرال تسرد بعضا من تجربتها وتجارب من حولها أم أنها كانت تكتب نصا نسويا يعكس اغتراب المرأة وقهرها, خاصة أنها بدأت نصها بأبيات للإيرانية فروخ فرح زادة تقول فيها:مضي الزمن.. ودقت الساعة أربع دقات وها أنا ذا امرأة وحيدة علي عتبات فصل البرد؟. قالت: جزء من مشرقيتنا أن نحمل ذكرياتنا معنا وإن أرهقتنا وجزء من رومانسيتنا البكاء علي الأطلال. لقد اكتشفت أن الناس, حتي الشباب منهم, أينما ذهبوا لا يخلعون الماضي وأن الهوية والذاكرة تصبح أكثر امتلاء ويتحول الواقع بالنسبة لهم اجترارا للماضي الذي يتحول بدوره لصور أجمل مليئة بالأكاذيب. وأظن أن السبب أننا أبناء ثقافة عريقة ولا يمكن التخلص من ذلك لمجرد الرغبة, خاصة وأن الحاضر ليس مليئا بشئ يحكي, وأن البدايات الجديدة صعبة في منتصف العمر. الجيل الثاني جيل منفصل تماما عن الأول من المهاجرين إذ ليس لديه أثقال الذاكرة وأكثر قدرة علي التأقلم والذوبان, بعكس الجيل الأول المعذب بين ثقافتين, إذ لايستطيع أن يصبح جزءا من الآخر ولا من ماضيه والمشكلة أننا نذهب لأمريكا ونحن نحمل مرراتنا ضد السياسة والثقافة الأمريكية ولكنها تصبح هي الملجأ مما يخلق حالة من التناقض, فالإنسان يقع في تناقض الإقامة في مكان جديد يكرهه ويحترمه ويستهلكة ولديه مشاكل سياسية معه وعن الإقبال علي تعلم اللغة العربية ودراسة أحوال الشرق كان السؤال, فأجابت لم يعد هناك إغواء الشرق وصوره التي رسمها الرحالة, فبعد11 سبتمبر أصبح هناك شرق آخر وغرب مختلف. عشر سنوات غيرت وجه أمريكا فهناك ولع مشرقي بها و خوف, وتعلم اللغة الآن لا علاقة له بالشغف بالآثار أو التاريخ بقدر ما تفرضة المقتضيات العملية والسياسية. وعن التغييرالواضح في الأسلوب في بروكلين هايتس وتخليها عن أسلوبها الذي تجلي بوضوح في عملها الثاني الخباء من حيث خشونة اللفظ وتراكيب الجملة وإذا ماكان هذا التغيير يعكس تغييرا في أسلوبها أم أن الحالة التي يجسدها العمل هي التي حددت أسلوبيته, كان سؤالي, وقد أجابت قائلة بدأت الخباء عندما كنت أجمع الشعر الشعبي, فكانت اللغة مرتبطة بالموروث النسائي البدوي من حيث استخدام الكناية واللفظ وشعرت أن هذا ميراث المرأة في الكتابة الشفاهية وعندما كتبت عن هذا العالم كان لابد أن أستخدم لغته ومن هنا جاءت لغة الرواية للتعبير عن عالم مثقل بالرموز. في بروكلين هايتس الشخصيات لاتتحدث العربية والحوار يدور بانجليزية مبسطة, فكانت المعضلة نقله للعربية بشكل بسيط و له دلالة, فالشخصيات لاتستطيع التحدث سويا ولكنهم يشعرون ببعضهم البعض. الحوار اليومي الذي يدور بين البطلة والشخصيات سطحي للغاية وكاشف للغاية. فالعمل يعكس حالة, وبالتال فرض النص لغته. وعن تعليلها لجراءة النص وتخليها عن التحايل الدلالي والتلاعب باللغة لتعطي أكثرمن مدلول كما ظهر في نصوصها السابقة كان سؤالي, فأجابت جزء منه شخصي, ففي الفترة الأولي كان اللجوء للرمز لتفادي التصريح بالممنوعات, استخدام الكود المتعارف عليه في مجتمعاتنا. المجتمع الأمريكي مع الأسف ليس لديه هذه الغلالة التي تمثل جزء من الحياء و ثقافة المجتمعات الشرقية. عندما بدأت الكتابة كان عندي مخاوف كثيرة, الآخرون كانوا دائما في النص وبالتالي هناك مخاوف من تأويل النص أوالإحالات الشخصية ولذات الآخرون. وكنت دائما أخشي من قراءة أمي, وبعد وفاتها شعرت أن الشخص الوحيد الذي يعنيني أو يجعلني أتحسب عند الكتابة قد اختفي. فالبطلة في بروكلين هايتس أكثر جرأة علي نفسها و أكثر سخرية وقدرة أن تري نفسها وعمرها بطريقة مختلفة نتيجة للغربة, فالآخرون غير موجودين فعليا في الواقع اليومي. قلت مع ذلك فالغربة في هذا العمل تحمل أيضا إحساسا بالخوف ففي خاتمة الرواية حالة من الانكسار, فهند التي قد يعتبرها اليهود يهودية شرقية والهنود هندية, عندما تنظر للمرآة تعرف أنها مجرد إمرأة وحيدة. قالتكل النساء في العالم تمرون بهذه اللحظة, الإنسان يكتشف للأسف الشديد أن الأماكن التي يظن نفسه فيها حرا هي الأماكن التي يشعر فيها أنه وحيد تماما وللأسف لا يوجد الهامش الذي يشعرك بمتعة التحرر, فنحن نبحث عن مرايا نري فيها ذواتنا, هذه المرايا هي أهلنا وأصحابنا. وعن تيمة الأم الوحيدة وعلاقتها بطفلها كان سؤالي, فقالت الأم الوحيدة عندها إحساس في منتصف العمر أن الإبن هو الرفيق الوحيد في الحياة وأن هذا الشئ المفرح هونفسه الثقل الذي تحمله علي ظهرها, وقد رصد النص هذه العلاقة المرتبكة, خاصة أننا في الشرق في تفانينا في دور الأمومة ننكر وطأة هذا الدور, فالأمومة مأزق إنساني لا أعرف لماذا لا يشعر به الرجل. وحول ما أثير عن نقدها لفوز نجيب محفوظ بنوبل وفوزها اليوم بجائزته بعد أن تمت ترجمة روايتها الخباء قبل13 عاما, في إطار نفس الإحتفالية كان سؤالي, فأجابت بالنفي القاطع لتلك الواقعة وقالت أنا نشأت في بيت كان يحترم نجيب محفوظ, فرأيت حرافيش محفوظ بجوار فراش والدي وجائزة نجيب محفوظ بالنسبة لي جائزة خاصة لأنني بدأت كتابة مع هذه الجائزة. وأنا سعيدة لأنني كنت قد توقفت عن الكتابة حوالي خمس سنوات وسعيدة بالتقدير وإن كان شعوري ملتبسا بالشجن لأنني أعود لنفس الأماكن و لكن مع الأسف بعض أعزائي قد رحلوا. [email protected]