نشهد حاليا أزمة متفردة في ارتفاع أسعار السكر لم تمتد إلي باقي الدول العربية, تجاوز فيها سعر الكيلوجرام ستة جنيهات بالمقارنة بسعر جنيهين ونصف الجنيه في مثل هذا الوقت من العام الماضي بزيادة250%. هذه الزيادة الحالية مبالغ فيها إلي حد كبير نتيجة للثقة الزائدة التي نوليها للمنافسة الحرة الشريفة بين مستوردي السكر من القطاع الخاص, بالإضافة إلي شركة سكر حكومية تحولت إلي شركة قابضة هادفة للربح أكثر من استهدافها لإحداث التوازن المطلوب بين الأسعار العالمية والمحلية, فنجدها متربصة بأي زيادة في الأسعار العالمية لترفع أسعار منتجها بغية تحقيق أرباح تظهر في موازنتها الختامية. وضعت منظمة الأغذية والزراعة مؤشر ارتفاع أسعار السلع الغذائية متخذة من أسعار نهاية عام2004 مرجعا أساسيا بقيمة(100 وحدة)PriceIndex والذي وصل في نهاية عام2009 إلي257 للسكر وبأسعار محلية لم تتجاوز275 قرشا للكيلوجرام. ونتيجة للجفاف الذي أصاب المحصول في كل من البرازيل المنتج والمصدر الأول للسكر ثم فيضانات الهند وجفاف المناطق الشمالية بها وهي المنتج والمصدر الثاني للسكر عالميا ارتفع مؤشر أسعار السكر في البورصة العالمية ووصل إلي376 بأسعار عالمية في البورصة وصلت إلي725 دولارا للطن أي نحو أربعة آلاف جنيه مصري, وبالتالي ارتفعت أسعار بيعه محليا إلي خمسة جنيهات للكيلوجرام بما يعادل خمسة آلاف جنيها للطن وهو سعر عادل وجيد ويتماشي مع الأسعار العالمية. أعقبت هذه القفزة السعرية لأسعار السكر إنخفاض حاد علي مدار ستة أشهر كاملة خلال الفترة من فبراير وحتي يونيو ووصل مؤشر الأسعار إلي216 نقطة فقط كان من المفترض معها أن تنخفض أسعار السكر في الأسواق المحلية إلي سابق معدلاتها قبل يناير2010 لتكون في حدود جنيهين ونصف الجنيه, ولكن هذا لم يحدث نتيجة لسطوة المستوردين وانعدام الرقابة علي الأسعار وعدم فرض حد أقصي للأرباح علي السلع الغذائية المستوردة أسوة بما تفرضه السعودية والإمارات, أو وجود متخصصين ومتابعين للأسعار في البورصات العالمية. وبدأ من شهر يوليو الماضي بدأت الأسعار في الارتفاع التدريجي مرة أخري حتي وصلت إلي أقصاها بنهاية شهر نوفمبر2010 رافعة دليل أسعار السكر إلي375 وهو مساو بالتقريب لمؤشر الأسعار في يناير2010(376) حين وصل سعر السكر في مصر إلي خمسة جنيهات وعالميا إلي أربعة جنيهات, ولكن هذا الارتفاع النسبي عومل علي أنه ارتفاع جديد للأسعار لأننا تجاوزنا عن انخفاض الأسعار الحاد خلال الأشهر الستة التي سبقت هذه الزيادة, وبالتالي وصلت أسعار السكر في الحضر إلي ستة جنيهات وفي الريف والصعيد إلي ستة جنيهات ونصف الجنيه علي الرغم من أن أسعار الاستيراد لم تتجاوز725 دولارا للطن بنهاية شهر نوفمبر أي نحو أربعة آلاف جنيه للطن وهو ما سيصل إلي مصر بعد شهرين من الآن, وبالتالي فما هو موجود فعلا في الأراضي المصرية لا ينبغي ألا تتجاوز أسعاره أربعة جنيهات فقط قبل تطبيق الزيادة علي الواردات الجديدة بعد شهرين من الآن وبما لن يتجاوز5 جنيهات للكيلوجرام. يظهر هذا استغلالا مقيتا أوجد أزمة في أسعار السكر علي غير الواقع وصلت إلي الشركات المصرية الحكومية التي تنتج نحو1.7 مليون طن من إجمالي استهلاكنا البالغ2.5 مليون طن والتي تبني اقتصاديات إنتاجها علي تكلفة لا تتجاوز ثلاثة آلاف جنيه للطن والتي قررت هي الآخري رفع الأسعار إلي خمسة آلاف جنيه للطن كسعر بيع للمستهلك. الأزمة الحالية ليست في السكر فقط ولكن يبدو أن هناك أزمة غذائية عالمية جديدة في الطريق أو أنها بدةت بالفعل متمثله في ارتفاع أسعار القمح والذرة والبقول وزيوت الطعام والزبد واللحوم. ففي ذروة ارتفاع الأسعار في شهر يونيو2008 خلال أزمة الغذاء السابقة وصل المؤشر الإجمالي لأسعار الغذاء عموما إلي195 وحدة فقط بالمقارنة بمرجعية الأسعار عام2004(100 وحدة) ولكنه وصل في نهاية شهر نوفمبر2010 إلي205 متجاوزا أرقام الأزمة العالمية للغذاء, بما يعني أن أزمة جديدة للغذاء قد بدأت بالفعل وأنها تخطت حدود أسعار أزمة عام.2008 وبالنسبة لأسعار السلع الغذائية فقد وصل مؤشر أسعار اللحوم إلي139 خلال شهر نوفمبر بالمقارنة برقم128 خلال أزمة الغذاء العالمية السابقة, وبالمثل وصل مؤشر أسعار زيوت الطعام حاليا إلي243 بالمقارنة برقم225 خلال الأزمة السابقة, بينما اقتربت بشدة أسعار كل من الحبوب والبقول إلي225 بالمقارنة برقم238, والألبان ومنتجاتها إلي208 بالمقارنة برقم220 أثناء أزمة الغذاء العالمية المنقضية. هذه الأسعار بدأت في الظهور وبوضوح في أسعار التجزئة في مصر والتي لاحظ فيها المستهلك وصول أسعار زيوت الطعام إلي11 جنيها للتر وتجاوز أسعار الدقيق3000 جنيه للطن وخمسة جنيهات للكيلوجرام!! واللحوم البلدية إلي65 جنيها والمستوردة المجمدة إلي27 والمبردة إلي أربعين جنيها بالإضافة إلي السكر والذي تجاوز ستة جنيهات والفول البلدي والذي وصل إلي8 جنيهات والعدس إلي عشرة جنيهات والأرز إلي ستة جنيهات وفي انتظار المزيد من ارتفاعات الأسعار ما لم يتم إدراج إدارة أزمات الغذاء ضمن المخططات الاستراتيجية المهمة في إدارة الدولة. أزمات غذائية اصبحت تتكرر كل عامين وقد تتواصل مستقبلا مثل الموجات الحارة في صيف هذا العام وما زال بعض التجار والاقتصاديين والمستوردين يفضلون الاستيراد علي الإنتاج المحلي للحبوب والغذاء وما زلنا لا نري تخطيطا لسياسات زراعية جديدة تهدف إلي زيادة إنتاج الغذاء محليا والوصول إلي اقرب مكان من الاكتفاء الذاتي من حاصلات الغذاء ولكن يبدو أن تحولنا إلي مستوردين جدد للأرز بعد أن كنا مصدرين له لعشرات السنين قد يزيد من فاتورة استيرادنا للغذاء ويزيد من سوء أحوال الميزان التجاري المصري نتيجة لعشوائية التخطيط في واحد من أهم ما يخص المواطن وهو الغذاء.