الأحد 22 يونيو 2025.. ارتفاع أسعار الدولار بالبنوك ويقترب من مستويات 51 جنيها    أسعار الخضراوات والفاكهة اليوم الأحد 22 يونيو 2025    الإسكان: تخصيص أراضِ للمواطنين بعد توفيق أوضاعهم بمدينة العبور الجديدة    250 جنيهًا مؤقتًا| مشروع قانون الإيجار القديم يقر قيمة إيجارية موحدة لحين انتهاء الحصر والتصنيف    الأحد 22 يونيو 2025.. انخفاض جماعي لمؤشرات البورصة مع بداية تعاملات اليوم    ضربة عسكرية خاطفة.. ما هي تفاصيل الضربة الأمريكية على إيران؟    أطلق لأول مرة.. ماذا نعرف عن صاروخ خيبر الذي استخدمته إيران لضرب إسرائيل بعد قصف منشآتها النووية؟    يوفنتوس ومانشستر سيتي يطمعان في التأهل المبكر أمام الوداد والعين في مونديال الأندية    ريال مدريد يسعى لأول فوز في مونديال الأندية.. والهلال في مواجهة مصيرية أمام سالزبورج    الداخلية: سحب 950 رخصة لعدم وجود الملصق الإلكتروني خلال 24 ساعة    بنسبة نجاح 84.28%.. محافظ السويس يعتمد نتيجة الشهادة الإعدادية    رئيس حزب المصريين الأحرار ل«روزاليوسف»: عصام خليل: نستعد للانتخابات بكوادر جديدة    بعد قصف المحطات النووية بإيران.. الرقابة النووية في مصر توجه رسالة مهمة للمواطنين    مسئول إسرائيلي: اتفاق جيد مع إيران قد ينهي برنامجها النووي    مصر أولا.. إعادة تشكيل التحالفات والجغرافيا السياسية.. حرب الألف صاروخ إيران وإسرائيل تشعلان الشرق من جديد!    "الصحفيين" تطالب باجتماع عاجل مع "الأعلى للإعلام"    نائب وزير الإسكان يشارك في ورشة عمل بعنوان "تعزيز إعادة استخدام المياه.."    بصحبة زوجته..إمام عاشور يغادر بعثة الاهلي في أمريكا ويعود إلى القاهرة    محافظ أسيوط يتفقد المنطقة الصناعية بعرب العوامر فى أبنوب    إصابة رئيس لجنة في كفر الشيخ بإغماء مفاجئ خلال امتحان "العربي"    لسرقتها.. حبل المشنقة ينتظر مُعلم تخلص من مسنة خنقًا في قنا    السيطرة على حريق داخل جامعة عين شمس    كريم سرور: أول معالجة لفيلم "في عز الضهر" كانت 2018 ولم أتوقع موافقة مينا مسعود    إعلام إيرانى: مقتل 4 جنود فى هجمات على مدينة قم جنوب العاصمة طهران    منهم أحمد عز.. 5 نجوم في بلاتوهات التصوير    الفن فى وسط الحطام: غزة تطلق أول مهرجان دولى لسينما المرأة    فى ذكرى رحيلها ال24: سعاد حسني بين المجد والغياب    هل يجوز إعطاء زكاة المال للأبناء؟.. أمين الفتوى يوضح    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 22-6-2025 في محافظة قنا    النسوية الإسلامية (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا): مكانة الأسرة.. فى الإسلام والمجتمع! "130"    وزير التعليم العالي يشهد توقيع بروتوكول تعاون بين جامعة أسوان ومؤسسة مجدي يعقوب لأبحاث القلب    أولياء الأمور يدعمون أبناءهم خارج لجان امتحانات الثانوية بالجيزة بالدعاء    «البسوا الكمامات».. تحذير من حالة الطقس اليوم: نشاط للرياح المُحملة بالأتربة    انتظام امتحانات الثانويه العامه لمادة اللغة العربية بسوهاج    مدرب العين: سنقدم كل ما لدينا ضد السيتي    طلب منها فلوس ورفضت، تفاصيل مقتل سيدة على يد زوجها في الدقهلية    ابنة نسرين أمين عن دخولها مجال التمثيل: «ماما بتشجعني لكن مساعدتنيش»    «زحمة الهجوم» تُطيح بنجم الأهلي.. أحمد حسن يكشف مفاجأة    فتح باب التقديم لوظائف معلم مساعد مادة لغة إنجليزية    الجامع الأزهر يعقد ملتقى التفسير بعنوان"الهجرة بين الإعجاز البلاغي والعلمي"، اليوم    "يبقى انت لسه بتتعرف عليها".. رد ناري من سيد عبد الحفيظ على أحمد حسام ميدو    في بداية فصل الصيف، نصائح لضمان بقاء الجسم رطبا    منظمة الطاقة الذرية الإيرانية :لن نسمح بوقف التطوير النووي    مخرج «لام شمسية» يكشف رد فعل رئيس الرقابة بعد مشاهدته أول خمس حلقات    هل يجوز الوضوء والاغتسال بماء البحر؟.. أمين الفتوى يجيب    إيران: " فوردو" النووية لا تحتوي على مواد مشعة    مدرب يوفنتوس يحذر من قوة الوداد ويؤكد: المفاجآت واردة بمونديال الأندية    صديقة طبيبة طنطا الراحلة: خدمت مرضى كورونا وتوفيت أثناء عملها    وسائل إعلام إيرانية: تم إسقاط عدة قنابل من طراز GBU-57 يبلغ وزنها 14 طنا على منشأة فوردو النووية    الراتب الكبير يمنع الزمالك من التعاقد مع بينتو    هل يجوز الوضوء والاغتسال بماء البحر؟    محسن صالح يطالب بعدم إشراك زيزو في مباراة بورتو بكأس العالم للأندية    30 يونيو.. تأكيد وحدة مصر    ترامب: موقع فوردو النووى انتهى تماما    ب 1450 جنيهًا من البيت.. خطوات استخراج جواز سفر مستعجل إلكترونيًا (رابط مباشر)    التعجل في المواجهة يؤدي إلى نتائج عكسية.. حظ برج الدلو اليوم 22 يونيو    وجهات نظر    من غير مكملات.. أهم الأطعمة الغنية بفيتامين د    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسرحهم‏..‏ ومسرحنا‏!‏

لم أكن أستطيع أن أشاهد العرض المسرحي الذي أحدثكم عنه في هذه المقالة‏,‏ وهو مأساة راسين الرائعة اأندروماكب‏,‏ لو أني توجهت مباشرة إلي مسرح الكوميدي فرانسيز ووقفت أمام شباك التذاكر كما نفعل عادة لأشتري تذكرة آخذ بها مكاني فيه‏,‏ فقد علمت أن المقاعد كلها محجوزة إلي نهاية هذا العام في الكوميدي فرانسيز وفي معظم مسارح باريس‏,‏ ولهذا لم يكن أمامي إلا أن ألجأ لابنتي التي تعمل في التليفزيون الفرنسي لتساعدني في العثور علي مكان في عرض من العروض الثلاثة التي تمنيت أن أشاهدها‏.‏
في مسرح الأكواريوم كانت تعرض مسرحية االملك يلهوب لفيكتور هيجو الذي نعرف أنه لم يكن مجرد شاعر عظيم‏,‏ وإنما كان شاعرا نبيا أخلص للحرية كما أخلص للفن‏,‏ والثمن هو المنفي الذي عاش فيه سنوات بعيدا عن وطنه‏,‏ لكنه من جانب آخر المجد الذي خلعه عليه مواطنوه‏.‏
ولقد ظلت مسرحية فيكتور هيجو هذه تصادر وتمنع من العرض منذ قدمت لأول مرة علي مسرح الكوميدي فرانسيز في نوفمبر عام‏1832‏ حتي سمح بتقديمها بعد أكثر من نصف قرن‏.‏ وفي هذه المسرحية الشعرية التي نظمها فيكتور هيجو في خمسة فصول يندد الشاعر بعودة الملكية إلي فرنسا بعد هزيمة نابوليون‏,‏ ويقف في مواجهة الملك لويس فيليب ونظامه الرجعي المستبد يفضحه ويسخر منه بلسان بطل المسرحية المضحك المهرج ثريبوليه‏,‏ وهو شخصية تاريخية عاشت في بلاط الملك فرنسوا الأول الذي لم يكن يكف عن القيام بغزواته النسائية‏,‏ والحاشية تصفق له‏,‏ ومضحكه ثريبوليه يسليه‏,‏ ويزين له ما يفعله إلي أن جاء اليوم الذي رأي فيه ابنته التي يغار عليها ويحيطها بعطفه وحمايته مخطوفة معروضة في طرق الراغبين من رجال القصر‏.‏ عندئذ لم يكن أمام المضحك المطعون إلا أن يقلب الملهاة إلي مأساة انتهت بها المسرحية التي لم أتمكن من مشاهدتها لأن المقاعد كانت محجوزة كلها‏.‏
‏‏
المسرحية الأخري التي تمنيت مشاهدتها في زيارتي الأخيرة لباريس هي رائعة ادمون روستان التي نعرفها ونحبها كما يعرفها ويحبها الفرنسيون‏,‏ سوي أننا قرأناها مترجمة ومعربة بقلم المنفلوطي الساحر‏,‏ والفرنسيون يقرأونها ويشاهدونها منذ طبعت في كتاب وقدمت لأول مرة علي خشبة المسرح عام‏1897‏ فحظيت بنجاح مدو لم يتوقف ولم يهدأ حتي اليوم‏.‏
لكن سيرانو دو برجراك كانت تعرض في مسرح من مسارح الضواحي ولهذا صرفت النظر عن مشاهدتها أيضا‏,‏ وركزت جهودي في البحث عن مقعد في الكوميدي فرانسيز‏,‏ معتمدا علي ابنتي التي اكتشفت أن بعض المكاتب المشتغلة بتسويق الفن تشتري بعض الحفلات وتتولي هي التعامل مع أمثالي من الذين فاتهم أن يحجزوا مقاعدهم في الوقت المناسب‏,‏ وهكذا تمكنت من مشاهدة اأندروماكب أروع ما ألف راسين‏,‏ وأوفر العروض حظا من إقبال الجمهور‏.‏
‏‏
ونحن نعرف مسرحية راسين‏,‏ فقد ترجمها طه حسين ترجمة بديعة في أواسط الثلاثينيات من القرن الماضي‏,‏ وصدرت ضمن الأعمال الكاملة لراسين في أكثر من طبعة آخرها التي صدرت عن دار المعارف قبل أربعين سنة‏.‏
والحقيقة أن ترجمة عميد الأدب لم تكن أول ترجمة لهذه المسرحية‏,‏ وإنما سبقتها ترجمة لأديب إسحق ظهرت عام‏1873,‏ ولا أدري أي ترجمة من الترجمتين هي التي قدمها جورج أبيض علي مسرح دار الأوبرا المصرية في ثلاثينيات القرن الماضي بعد إنشاء الفرقة القومية المصرية التي أريد بها أن تؤدي في حياتنا الثقافية الدور الذي تؤديه الكوميدي فرانسيز في فرنسا‏,‏ فتقدم الروائع الكلاسيكية التي لا يستطيع المسرح التجاري أن يقدمها‏.‏
و اأندروماكب هي قصة الشقاء الذي يجره البشر علي أنفسهم حين يشن بعضهم الحرب علي بعض فيكتوون بنارها جميعا‏,‏لا فرق بين الرابحين والخاسرين‏,‏ وهي أيضا قصة الحب المستحيل‏,‏ فالخارجون من حرب طروادة كلهم عاجزون عن الحب‏,‏ بيروس ابن آخيل وملك إبير الذي انتصر في الحرب يحب أسيرته أندروماك أرملة هكتور ابن ملك طروادة الذي سقط في المعركة ومثل أخيل بجثته فذكراه حية ماثلة لا تستطيع أندروماك إلا أن تظل وفية لها‏,‏ وهرميون ابنة هيلين وخطيبة بيروس تحب خطيبها وهو لا يعبأ بها‏,‏ وأورست ابن أجاممنون وابن عم هرميون يحبها وهي لا تبادله عواطفه‏,‏ لكن هرميون تغضب لما تلقاه علي يد بيروس من مهانة فتغري أورست بأن يغتاله ليخلو له الجو فإذا انصاع لأمرها قتلت نفسها وعندئذ يصاب أورست بالجنون‏!‏
وليس في هذه القصة‏,‏ ولا في حياة أبطالها‏,‏ ولا في المصير الذي لقيه كل منهم شيء غريب‏,‏ هذا هو ما يحدث في الواقع أو ما يمكن أن يحدث فيه‏.‏ والفرق بين ما نعيشه بالفعل وما نشاهده هو قدرة الكاتب أو الشاعر علي قراءة النفوس‏,‏ وتتبع الحوادث وتوقع المصائر واختصار الزمن‏.‏ وفرق آخر هو أن ما يحدث في الواقع ليس أكثر من حوادث تقع للجميع فالأبطال كلهم مجهولون‏,‏ أما في المسرح وفي غيره من الفنون فالحوادث تتحول إلي كلمات وأغنيات‏,‏ وصور وتماثيل‏,‏ الفعل الذي يتكرر كل يوم في الواقع ولا يلفت أحدا يصبح في الفن إبداعا لا يتكرر وجمالا يبقي علي الزمن‏,‏ ومن هنا لا يكف الكوميدي فرانسيز عن عرض اأندروماكب التي قدمت لأول مرة علي المسرح سنة‏1667,‏ ولا يكف الناس عن مشاهدتها‏,‏ لأنهم في الحقيقة يشاهدون فيها وفي غيرها من الروائع أنفسهم‏,‏ بعد أن غيروا أسماءهم وملابسهم‏,‏ ووضعوا علي وجوههم الأقنعة‏,‏ وانتسبوا لأمكنة وأزمنة يرونها هناك وهم يجلسون هنا فيصبحون مشاهدين مشهودين‏.‏
ونحن نعرف أن راسين شاعر مسرحي كلاسيكي يلتزم القواعد الموروثة عن المسرح اليوناني القديم ويحافظ عليها‏,‏ فموضوع المسرحية واحد‏,‏ ومكانها واحد‏,‏ وزمانها محدود متصل‏,‏ وهذا ما نجده في اأندروماكب التي تقع أحداثها في بهو من أبهاء قصر الملك بيروس‏,‏ وتتواصل حتي تنتهي إلي ما انتهت إليه‏,‏ دون أن تتغير المناظر إلا بالقدر الذي نخرج فيه من الصباح إلي المساء‏.‏
أعمدة البهو كأنها من مرمر ناصع البياض‏,‏ وستائر طويلة هفهافة ترقص في الريح‏,‏ وإضاءة رهيفة نقية تساير الوقت كأنها شمس لا نراها‏,‏ وموسيقي مصاحبة للإضاءة مصدقة للكلام‏,‏ وأي كلام؟ إنها لغة راسين بكل ما فيها من جمال وغني‏,‏ وإنها أصوات الممثلين الذين يختارهم الكوميدي فرانسيز وفق الشروط التي لابد أن تتوافر فيهم حتي يمكنهم أن يؤدوا رسالته‏,‏ وهي تقديم الأعمال الكلاسيكية التي لا يستطيع أن يؤديها جسم مترهل‏,‏ أو صوت معيب‏,‏ ممثل الكوميدي فرانسيز تمثال حي من تماثيل اليونان والرومان‏,‏ وصوته قوي معبر مقنع حساس‏.‏
تصوروا‏!‏ ساعتان متواصلتان عرضت فيهما المسرحية وأدي كل ممثل دوره لم يتوقف لحظة‏,‏ ولم يتلعثم‏,‏ ولم ينس حرفا‏,‏ ولم يغير كلمة‏,‏ ولم يطلب العون من ملقن‏.‏
والحوار كله شعر رائع تسمعه فكل صوت صحيح المخرج‏,‏ وكل تدفق مبرر‏,‏ وكل وقفة في مكانها‏,‏ وهو مع ذلك كله شعر موزون في البحر السكندري‏,‏ مقفي‏,‏ متميز عن النثر ومعبر بقوة عن الواقع حين يبتعد الواقع عن السطح المبتذل ويتوغل في الأعماق‏.‏
وتصوروا‏!‏ ساعتان متواصلتان جلس فيهما الجمهور الذي ملأ المسرح كله بمقاعده التسعمائة‏,‏ وفيه الرجال والنساء‏,‏ الشيوخ والشباب‏,‏ النخبة والعامة‏,‏ دون أن يعلو صوت أو تشذ حركة تشوش العرض أو تسترعي النظر أو تقطع الاستغراق‏,‏ كأن الجمهور غير موجود‏,‏ وكأن الموجود الوحيد هو راسين‏.‏
‏‏
عرض رائع وصورة من نشاط مسرحي متنوع متأصل متجدد متغلغل في حياة الفرنسيين مؤثر فيها ومتأثر بها‏.‏ هل نقارن بينه وبين نشاطنا المسرحي الراهن؟ لا‏,‏ فالمقارنة ربما كانت ظالمة‏.‏ وإنما نتذكر به ما كان لدينا فنتحسر‏!‏

المزيد من مقالات احمد عبد المعطي حجازي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.