هل سقطت الهيئة الوطنية للانتخابات في اختبار الشفافية؟    وزير الإنتاج الحربي يستقبل مدير عام منظومة الصناعات الدفاعية السودانية لبحث سبل التعاون    هيمن عبد الله: دعم المشروعات المتعثرة يضمن تعظيم الاستفادة من الأراضي الصناعية    وزير الاستثمار يعلن اعتماد إعلان القاهرة للتجارة    محافظ الغربية يتابع أعمال مشروع الصرف الصحي بمنشية التحرير بسمنود    وزير الخارجية: نؤكد خطورة الممارسات الإثيوبية الأحادية غير المسئولة    الحكومة الإندونيسية ترسل 40 طنا من المساعدات إلى الأقاليم المتضررة من الفيضانات بسومطرة    الرئيس الباكستاني يحيي الذكرى 36 لاستعادة الديمقراطية في بلاده على يد بينظير بوتو    يلا شووت.. مصر تبدأ رحلة كأس العرب باختبار ناري أمام الكويت على ملعب لوسيل اليوم    مدرب الجزائر: دغموم كان قريبا من الانضمام إلينا في كأس العرب    الداخلية تضبط 109 كيلو مخدرات و96 قطعة سلاح ناري خلال يوم    بعد سقوط أمطار خفيفة بالإسكندرية.. رئيس شركة الصرف الصحي يتابع جاهزية الفرق    العثور على جثمان الشاب محمد فى بحر سنتريس بالمنوفية    عاطل وربة منزل، إحالة عصابة المخدرات بالشرابية للجنايات    بعد جريمة التحرش بالأطفال في المدارسة الدولية، علاء مبارك يوجه رسالة قوية للآباء    وزير الثقافة: البحر الأحمر مؤهلة لاحتضان مشروعات إبداعية كبرى    فتيات المحافظات الحدودية في زيارة لمحمية رأس محمد ضمن مشروع أهل مصر    رئيس الوزراء يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات خلال شهر نوفمبر الماضي    فيتامينات طبيعية تقوى مناعة طفلك بدون أدوية ومكملات    حوادث المدارس والحافز.. مشاهد تُعجل بنهاية "وزير التعليم" في الوزارة.. دراسة تحليلية.. بقلم:حافظ الشاعر    محافظ المنوفية يتفقد الموقف التنفيذي لعدد من مشروعات الخطة الاستثمارية لعام 2026/2025    غير صحيح.. جامعة حلوان تكشف حقيقة تعيين سامح حسين أستاذ جامعي    تريزيجيه قبل مواجهة الكويت: كأس العرب فرصة لإظهار قوة منتخب مصر    لأول مرة، مصر تتسلم رئاسة مؤتمر الأطراف ال24 لاتفاقية حماية بيئة المتوسط من التلوث    تحرير 701 محضر ضد أصحاب المخابز والمحال التجارية بالشرقية    الأمين العام لجامعة الدول العربية يفتتح أعمال قمة الذكاء الاصطناعي نحو المستقبل بتونس    أمين عمر حكما لمباراة الجزائر والسودان في كأس العرب    "ماسح الأحذية" تتوج بجائزة أفضل عرض متكامل بمهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي    حسن بخيت يكتب عن: ما أحوجنا إلى التربية الأخلاقية    تشكيل برشلونة المتوقع أمام أتلتيكو مدريد في الدوري الإسباني    سلوت يكشف موعد انضمام صلاح إلى منتخب مصر للمشاركة في كأس الأمم    عبد الغفار يتابع مع محافظ البحيرة المشروعات الصحية والتوسع في الخدمات    تحرير (141) مخالفة للمحلات التي لم تلتزم بقرار ترشيد استهلاك الكهرباء    الفيشاوي وجميلة عوض يعودان للرومانسية في فيلمهما الجديد «حين يكتب الحب»    وزير الخارجية يؤكد على ضرورة تكاتف أبناء الوطن لدعم الاقتصاد الوطني    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 2ديسمبر 2025 فى المنيا    ضبط 379 قضية مواد مخدرة فى حملات أمنية    موعد مباراة مصر ونيجيريا المقبلة استعدادًا للكان    تشكيل مانشستر سيتي المتوقع أمام فولهام.. موقف مرموش    الاحتلال يفجر منزل أسير بنابلس ويقتحم بلدة برام الله.. وتحذيرات من تفاقم الأزمة بغزة    أسعار اللحوم في أسواق محافظة أسوان — يوم الثلاثاء 2 ديسمبر 2025    «وزير الري»: الدولة المصرية تبذل جهودًا كبيرة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة    بسبب الشبورة المائية وأعمال الصيانة، ارتفاع تأخيرات القطارات على خط بورسعيد    قوات الاحتلال تتوغل فى ريف القنيطرة بسوريا وتفجر سرية عسكرية مهجورة    صحتك في خطوتك| فوائد المشي لإنقاص الوزن    بدء تصويت الجالية المصرية في الأردن لليوم الثاني بالمرحلة الأولى    طقس اليوم: معتدل نهارا مائل للبرودة ليلا.. والعظمى بالقاهرة 23    حدث تاريخي في كأس العرب 2025، أول إيقاف لمدة دقيقتين في كرة القدم (فيديو)    لإشعال الثورة البوليفارية، مادورو يعلن عن قيادة جديدة للحزب الاشتراكي في فنزويلا    الحكم بحبس المخرج الإيراني جعفر بناهي لمدة عام    ما حكم الصلاة في البيوت حال المطر؟ .. الإفتاء تجيب    أدعية الفجر.. اللهم اكتب لنا رزقًا يغنينا عن سؤال غيرك    المخرج أحمد فؤاد: افتتاحية مسرحية أم كلثوم بالذكاء الاصطناعي.. والغناء كله كان لايف    سر جوف الليل... لماذا يكون الدعاء فيه مستجاب؟    سوريا في ديسمبر 2025.. تصعيد عسكري وانفتاح سياسي يعيدان تشكيل المشهد الإقليمي    لغز مقتل قاضي الرمل: هل انتحر حقاً المستشار سمير بدر أم أُسدل الستار على ضغوط خفية؟    طرد عضو بارز ب "حزب البديل" الألماني بعد إلقائه خطابا يقلد أسلوب هتلر (فيديو)    أول ظهور لأرملة الراحل إسماعيل الليثى بعد تحطم سيارتها على تليفزيون اليوم السابع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسرحهم‏..‏ ومسرحنا‏!‏

لم أكن أستطيع أن أشاهد العرض المسرحي الذي أحدثكم عنه في هذه المقالة‏,‏ وهو مأساة راسين الرائعة اأندروماكب‏,‏ لو أني توجهت مباشرة إلي مسرح الكوميدي فرانسيز ووقفت أمام شباك التذاكر كما نفعل عادة لأشتري تذكرة آخذ بها مكاني فيه‏,‏ فقد علمت أن المقاعد كلها محجوزة إلي نهاية هذا العام في الكوميدي فرانسيز وفي معظم مسارح باريس‏,‏ ولهذا لم يكن أمامي إلا أن ألجأ لابنتي التي تعمل في التليفزيون الفرنسي لتساعدني في العثور علي مكان في عرض من العروض الثلاثة التي تمنيت أن أشاهدها‏.‏
في مسرح الأكواريوم كانت تعرض مسرحية االملك يلهوب لفيكتور هيجو الذي نعرف أنه لم يكن مجرد شاعر عظيم‏,‏ وإنما كان شاعرا نبيا أخلص للحرية كما أخلص للفن‏,‏ والثمن هو المنفي الذي عاش فيه سنوات بعيدا عن وطنه‏,‏ لكنه من جانب آخر المجد الذي خلعه عليه مواطنوه‏.‏
ولقد ظلت مسرحية فيكتور هيجو هذه تصادر وتمنع من العرض منذ قدمت لأول مرة علي مسرح الكوميدي فرانسيز في نوفمبر عام‏1832‏ حتي سمح بتقديمها بعد أكثر من نصف قرن‏.‏ وفي هذه المسرحية الشعرية التي نظمها فيكتور هيجو في خمسة فصول يندد الشاعر بعودة الملكية إلي فرنسا بعد هزيمة نابوليون‏,‏ ويقف في مواجهة الملك لويس فيليب ونظامه الرجعي المستبد يفضحه ويسخر منه بلسان بطل المسرحية المضحك المهرج ثريبوليه‏,‏ وهو شخصية تاريخية عاشت في بلاط الملك فرنسوا الأول الذي لم يكن يكف عن القيام بغزواته النسائية‏,‏ والحاشية تصفق له‏,‏ ومضحكه ثريبوليه يسليه‏,‏ ويزين له ما يفعله إلي أن جاء اليوم الذي رأي فيه ابنته التي يغار عليها ويحيطها بعطفه وحمايته مخطوفة معروضة في طرق الراغبين من رجال القصر‏.‏ عندئذ لم يكن أمام المضحك المطعون إلا أن يقلب الملهاة إلي مأساة انتهت بها المسرحية التي لم أتمكن من مشاهدتها لأن المقاعد كانت محجوزة كلها‏.‏
‏‏
المسرحية الأخري التي تمنيت مشاهدتها في زيارتي الأخيرة لباريس هي رائعة ادمون روستان التي نعرفها ونحبها كما يعرفها ويحبها الفرنسيون‏,‏ سوي أننا قرأناها مترجمة ومعربة بقلم المنفلوطي الساحر‏,‏ والفرنسيون يقرأونها ويشاهدونها منذ طبعت في كتاب وقدمت لأول مرة علي خشبة المسرح عام‏1897‏ فحظيت بنجاح مدو لم يتوقف ولم يهدأ حتي اليوم‏.‏
لكن سيرانو دو برجراك كانت تعرض في مسرح من مسارح الضواحي ولهذا صرفت النظر عن مشاهدتها أيضا‏,‏ وركزت جهودي في البحث عن مقعد في الكوميدي فرانسيز‏,‏ معتمدا علي ابنتي التي اكتشفت أن بعض المكاتب المشتغلة بتسويق الفن تشتري بعض الحفلات وتتولي هي التعامل مع أمثالي من الذين فاتهم أن يحجزوا مقاعدهم في الوقت المناسب‏,‏ وهكذا تمكنت من مشاهدة اأندروماكب أروع ما ألف راسين‏,‏ وأوفر العروض حظا من إقبال الجمهور‏.‏
‏‏
ونحن نعرف مسرحية راسين‏,‏ فقد ترجمها طه حسين ترجمة بديعة في أواسط الثلاثينيات من القرن الماضي‏,‏ وصدرت ضمن الأعمال الكاملة لراسين في أكثر من طبعة آخرها التي صدرت عن دار المعارف قبل أربعين سنة‏.‏
والحقيقة أن ترجمة عميد الأدب لم تكن أول ترجمة لهذه المسرحية‏,‏ وإنما سبقتها ترجمة لأديب إسحق ظهرت عام‏1873,‏ ولا أدري أي ترجمة من الترجمتين هي التي قدمها جورج أبيض علي مسرح دار الأوبرا المصرية في ثلاثينيات القرن الماضي بعد إنشاء الفرقة القومية المصرية التي أريد بها أن تؤدي في حياتنا الثقافية الدور الذي تؤديه الكوميدي فرانسيز في فرنسا‏,‏ فتقدم الروائع الكلاسيكية التي لا يستطيع المسرح التجاري أن يقدمها‏.‏
و اأندروماكب هي قصة الشقاء الذي يجره البشر علي أنفسهم حين يشن بعضهم الحرب علي بعض فيكتوون بنارها جميعا‏,‏لا فرق بين الرابحين والخاسرين‏,‏ وهي أيضا قصة الحب المستحيل‏,‏ فالخارجون من حرب طروادة كلهم عاجزون عن الحب‏,‏ بيروس ابن آخيل وملك إبير الذي انتصر في الحرب يحب أسيرته أندروماك أرملة هكتور ابن ملك طروادة الذي سقط في المعركة ومثل أخيل بجثته فذكراه حية ماثلة لا تستطيع أندروماك إلا أن تظل وفية لها‏,‏ وهرميون ابنة هيلين وخطيبة بيروس تحب خطيبها وهو لا يعبأ بها‏,‏ وأورست ابن أجاممنون وابن عم هرميون يحبها وهي لا تبادله عواطفه‏,‏ لكن هرميون تغضب لما تلقاه علي يد بيروس من مهانة فتغري أورست بأن يغتاله ليخلو له الجو فإذا انصاع لأمرها قتلت نفسها وعندئذ يصاب أورست بالجنون‏!‏
وليس في هذه القصة‏,‏ ولا في حياة أبطالها‏,‏ ولا في المصير الذي لقيه كل منهم شيء غريب‏,‏ هذا هو ما يحدث في الواقع أو ما يمكن أن يحدث فيه‏.‏ والفرق بين ما نعيشه بالفعل وما نشاهده هو قدرة الكاتب أو الشاعر علي قراءة النفوس‏,‏ وتتبع الحوادث وتوقع المصائر واختصار الزمن‏.‏ وفرق آخر هو أن ما يحدث في الواقع ليس أكثر من حوادث تقع للجميع فالأبطال كلهم مجهولون‏,‏ أما في المسرح وفي غيره من الفنون فالحوادث تتحول إلي كلمات وأغنيات‏,‏ وصور وتماثيل‏,‏ الفعل الذي يتكرر كل يوم في الواقع ولا يلفت أحدا يصبح في الفن إبداعا لا يتكرر وجمالا يبقي علي الزمن‏,‏ ومن هنا لا يكف الكوميدي فرانسيز عن عرض اأندروماكب التي قدمت لأول مرة علي المسرح سنة‏1667,‏ ولا يكف الناس عن مشاهدتها‏,‏ لأنهم في الحقيقة يشاهدون فيها وفي غيرها من الروائع أنفسهم‏,‏ بعد أن غيروا أسماءهم وملابسهم‏,‏ ووضعوا علي وجوههم الأقنعة‏,‏ وانتسبوا لأمكنة وأزمنة يرونها هناك وهم يجلسون هنا فيصبحون مشاهدين مشهودين‏.‏
ونحن نعرف أن راسين شاعر مسرحي كلاسيكي يلتزم القواعد الموروثة عن المسرح اليوناني القديم ويحافظ عليها‏,‏ فموضوع المسرحية واحد‏,‏ ومكانها واحد‏,‏ وزمانها محدود متصل‏,‏ وهذا ما نجده في اأندروماكب التي تقع أحداثها في بهو من أبهاء قصر الملك بيروس‏,‏ وتتواصل حتي تنتهي إلي ما انتهت إليه‏,‏ دون أن تتغير المناظر إلا بالقدر الذي نخرج فيه من الصباح إلي المساء‏.‏
أعمدة البهو كأنها من مرمر ناصع البياض‏,‏ وستائر طويلة هفهافة ترقص في الريح‏,‏ وإضاءة رهيفة نقية تساير الوقت كأنها شمس لا نراها‏,‏ وموسيقي مصاحبة للإضاءة مصدقة للكلام‏,‏ وأي كلام؟ إنها لغة راسين بكل ما فيها من جمال وغني‏,‏ وإنها أصوات الممثلين الذين يختارهم الكوميدي فرانسيز وفق الشروط التي لابد أن تتوافر فيهم حتي يمكنهم أن يؤدوا رسالته‏,‏ وهي تقديم الأعمال الكلاسيكية التي لا يستطيع أن يؤديها جسم مترهل‏,‏ أو صوت معيب‏,‏ ممثل الكوميدي فرانسيز تمثال حي من تماثيل اليونان والرومان‏,‏ وصوته قوي معبر مقنع حساس‏.‏
تصوروا‏!‏ ساعتان متواصلتان عرضت فيهما المسرحية وأدي كل ممثل دوره لم يتوقف لحظة‏,‏ ولم يتلعثم‏,‏ ولم ينس حرفا‏,‏ ولم يغير كلمة‏,‏ ولم يطلب العون من ملقن‏.‏
والحوار كله شعر رائع تسمعه فكل صوت صحيح المخرج‏,‏ وكل تدفق مبرر‏,‏ وكل وقفة في مكانها‏,‏ وهو مع ذلك كله شعر موزون في البحر السكندري‏,‏ مقفي‏,‏ متميز عن النثر ومعبر بقوة عن الواقع حين يبتعد الواقع عن السطح المبتذل ويتوغل في الأعماق‏.‏
وتصوروا‏!‏ ساعتان متواصلتان جلس فيهما الجمهور الذي ملأ المسرح كله بمقاعده التسعمائة‏,‏ وفيه الرجال والنساء‏,‏ الشيوخ والشباب‏,‏ النخبة والعامة‏,‏ دون أن يعلو صوت أو تشذ حركة تشوش العرض أو تسترعي النظر أو تقطع الاستغراق‏,‏ كأن الجمهور غير موجود‏,‏ وكأن الموجود الوحيد هو راسين‏.‏
‏‏
عرض رائع وصورة من نشاط مسرحي متنوع متأصل متجدد متغلغل في حياة الفرنسيين مؤثر فيها ومتأثر بها‏.‏ هل نقارن بينه وبين نشاطنا المسرحي الراهن؟ لا‏,‏ فالمقارنة ربما كانت ظالمة‏.‏ وإنما نتذكر به ما كان لدينا فنتحسر‏!‏

المزيد من مقالات احمد عبد المعطي حجازي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.