حدث ذلك صبيحة يوم العيد حين كنت أستقل الطريق الزراعى من القاهرة إلى مسقط رأسى فى كفر سعد البلد بدمياط.. كنت بمفردى مثل قرد قطع، "لا عيل ولا تيل"، ولا "حتة" تطرى المشوار وتضفى عليه لمسة أنثوية. حتي لو كانت هذه اللمسة عبارة عن فاصل لا ينتهي من الرغي الحريمي الأصيل, فهو في النهاية أفضل من الوحدة طوال4 ساعات علي اعتبار أن قضا أخف من قضا! وكمواطن قاهري حصلت علي جنسية العاصمة قبل 15 عاماً ونجحت مؤقتا في إخفاء هويتي كدمياطي ابن دمياطي' تتعشي ولا تنام خفيف.. تشرب شاي ولا موش كييف', فإنه من الواضح أن جهازي التنفسي أصبح متكيفا مع خيرات التلوث ولا يستطيع الاستغناء عن بركات السحابة السوداء لدرجة أن الجو النقي والهواء المنعش والبساط الأخضر الممتد علي جانبي الطريق عبر حقول البرسيم, كل ذلك أصاب رئتي بالارتباك, فأخذت أكح وأتنفس بصعوبة, وفي النهاية اضطررت لإغلاق شباك السيارة! طبعا لأن العيد فرحة وأجمل فرحة كان الطريق مثل جيوب بقية اخواني من المصريين في المواسم والأعياد: أنضف من الصيني بعد غسيله, فلا مقطورة نقل تذكرك بفيلم' العربة الطائشة' ولا سائق ميكروباص يحلو له في هذه الأيام المفترجة أن يرسلك إلي الترعة الواسعة التي تجري بماء صاف رقراق لتتعلم بين ضفتيها أصول السباحة بالسيارة. كان الطريق خاليا تماما أو يكاد ولولا الملامة لأخذت أتأرجح بسيارتي العزيزة من أقصي اليمين لأقصي الشمال أو أطل برأسي من الشباك وأنا أصرخ في بلاهة مثل نجوم الأفلام الأمريكية الكوميدية, المهم أن أستغل هذا المشهد الرائع لطريق خال, ففي الأغلب الأعم هذه المرة هي المرة الأولي والأخيرة التي يجود بمثله الزمان... وتذكرت فؤاد المهندس وهو يغني: العتبة جزاز والسلم نايلو في نايلو وقلت مفيش ح أحسن من حد, فأنا أبرطع الآن علي عتبة حرير في حرير ولا ينقصني سوي تلك الجميلة التي كان يراقصها المهندس في الفيلم علي إيقاع الأغنية! هيئة الطرق والكوارث الشهيرة ب' هيئة الطرق والكباري' بالتحالف مع إدارات المرور علي امتداد الطريق يبدو أنها عز عليها ما أنا فيه, فأرادت أن تسري عني ببعض الحيل المبتكرة! وضعت لي إشارة تحذيرية من وجود مطب علي مرمي البصر, وعلي الفور امتثلت كمواطن صالح تربي علي برامج ماما نجوي أخذت أهدي من سرعتي تدريجيا... تدريجيا... وإني ألاقي مطب.. أبدا! في البداية كنت أظن الأمر نكتة بايخة عابرة, ولكن تكرار الموقف أجعل أعيد النظر فيما يحدث, علما بأنه والحق يقال في بعض الأحيان كنت أجد علي الأقل بقايا مطب تمت إزالته وأبقت الحكومة الذكية علي لافتة:' إحذر مطب صناعي' لسبب لا يعلمه إلا علام الغيوب! في المرة اليتيمة التي تعاملت فيها باستخفاف مع اللافتة التحذيرية وانطلقت بسرعتي المعتادة, إذ بي أجد نفسي أمام المطب وجها لوجه! وأي مطب! هائل الارتفاع, عريض المنكبين, أشرف علي بناءه شخص سادي لا يتلذذ إلا بالعكننة علي خلق الله. ولولا ستر ربنا لكنت الآن ألف وأدور علي الزملاء والأصدقاء من أجل سلفة لتدبير المبلغ المطلوب للسمكري والميكانيكي وصاحب التوكيل لأن سيارة غير مؤمن عليها وهنيالك يا فاعل الخير, ومن قدم خير بيمناه يوم القيامة التقاه... حي.. مداااد!