ندوة لشباب ملتقى لوجوس الخامس مع البابا تواضروس    مجلس جامعة القاهرة يهنئ الرئيس السيسي بثورة يوليو    أسعار الخضراوات والفاكهة في سوق العبور اليوم الخميس 31 يوليو 2025    مصر ترحب بإعلان رئيسي وزراء كندا ومالطا اعتزام بلديهما الاعتراف بالدولة الفلسطينية    ڤويا Passion سيارة فارهة جديدة تنضم إلى السوق المصري.. أسعار ومواصفات    البورصة تربح 22 مليار جنيه بختام تعاملات الأسبوع    الهيئة الوطنية للانتخابات: 4 ممارسات تبطل صوتك في انتخابات مجلس الشيوخ (صور)    ترامب: الطريقة الأسرع لإنهاء الأزمة بغزة هي استسلام حماس    موعد مباراة بنفيكا ضد سبورتنج في نهائي كأس السوبر البرتغالي 2025    مزق جسده ب 7 طعنات.. ضبط المتهم بقتل جاره داخل الزراعات بقنا    حماية المستهلك: ضبط 45 طن زيوت ومواد غذائية معاد تدويرها من خامات مجهولة المصدر    خروج عجلات جرار قطار عن القضبان في المنيا دون إصابات    للعام الثاني، الجونة السينمائي وبرنامج الغذاء العالمي يطلقان مسابقة "عيش" للأفلام القصيرة    أسعار الأسماك بأسواق مطروح اليوم الخميس 31-7- 2025.. البورى ب 150 جنيه    17 برنامجًا.. دليل شامل لبرامج وكليات جامعة بني سويف الأهلية -صور    منظمة التحرير الفلسطينية: استمرار سيطرة حماس على غزة يكرس الانقسام    4 تحذيرات جديدة من أدوية مغشوشة.. بينها "أوبلكس" و"بيتادين"    "إعادة تدوير" لحملات المزايدة!    تهريب ومخالفات وأحكام.. جهود أمن المنافذ 24 ساعة    التصريح بدفن جثة طفل لقى مصرعه غرقا بقرية الجبيرات فى سوهاج    رئيس اقتصادية قناة السويس يشهد وضع حجر الأساس لمشروعين صينيين جديدين    رئيس هيئة الأوقاف يوجّه مديري المناطق بالحفاظ على ممتلكات الهيئة وتعظيم الاستفادة منها    سوريا.. 47 شاحنة مساعدات تتجه من دمشق إلى السويداء    هل انقطاع الطمث يسبب الكبد الدهني؟    ئيس الهيئة الوطنية للانتخابات يعلن اكتمال الاستعدادات لانطلاق انتخابات مجلس الشيوخ    تقارير تكشف موقف ريال مدريد من تجديد عقد فينيسيوس جونيور    الأزمة تشتعل بين بتروجت وحامد حمدان بسبب الزمالك (تفاصيل)    حبس بائع خردة تعدى على ابنته بالضرب حتى الموت في الشرقية    صفقة تبادلية محتملة بين الزمالك والمصري.. شوبير يكشف التفاصيل    أساطير ألعاب الماء يحتفلون بدخول حسين المسلم قائمة العظماء    رغم تراجعه للمركز الثاني.. إيرادات فيلم الشاطر تتخطى 50 مليون جنيه    محمد رياض يكشف أسباب إلغاء ندوة محيي إسماعيل ب المهرجان القومي للمسرح    عروض فنية متنوعة الليلة على المسرح الروماني بمهرجان ليالينا في العلمين    حرام أم حلال؟.. ما حكم شراء شقة ب التمويل العقاري؟    انتخابات الشيوخ.. 100 ألف جنيه غرامة للمخالفين للصمت الانتخابي    يديعوت أحرونوت: نتنياهو يوجه الموساد للتفاهم مع خمس دول لاستيعاب أهالي غزة    الصحة: حملة 100 يوم صحة قدّمت 23 مليونا و504 آلاف خدمة طبية مجانية خلال 15 يوما    محافظ الدقهلية يواصل جولاته المفاجئة ويتفقد المركز التكنولوجي بحي غرب المنصورة    الشيخ أحمد خليل: من اتُّهم زورا فليبشر فالله يدافع عنه    طريقة عمل الشاورما بالفراخ، أحلى من الجاهزة    وزير الصحة يعلن تفاصيل زيادة تعويضات صندوق مخاطر المهن الطبية    وزير الإسكان يتابع موقف مشروعات البنية الأساسية والتطوير بمدن بالصعيد    النتيجة ليست نهاية المطاف.. 5 نصائح للطلاب من وزارة الأوقاف    الزمالك يواجه غزل المحلة وديًا اليوم    مجلس الآمناء بالجيزة: التعليم نجحت في حل مشكلة الكثافة الطلابية بالمدارس    خروج عربات قطار في محطة السنطة بالغربية    مسلسل «220 يوم» يتصدر التريند بعد عرض أولى حلقاته    استعدادا لإطلاق «التأمين الشامل».. رئيس الرعاية الصحية يوجه باستكمال أعمال «البنية التحتية» بمطروح    أمين الفتوى يوضح آيات التحصين من السحر ويؤكد: المهم هو التحصن لا معرفة من قام به    وزير الخارجية يلتقي السيناتور "تيد كروز" عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي    انخفاض حاد في أرباح بي إم دبليو خلال النصف الأول من 2025    تويوتا توسع تعليق أعمالها ليشمل 11 مصنعا بعد التحذيرات بوقوع تسونامي    المهرجان القومي للمسرح يكرّم الناقدين أحمد هاشم ويوسف مسلم    روسيا تعلن السيطرة على بلدة شازوف يار شرقي أوكرانيا    اليوم.. المصري يلاقي هلال مساكن في ختام مبارياته الودية بمعسكر تونس    الأحكام والحدود وتفاعلها سياسيًا (2)    "بعد يومين من انضمامه".. لاعب الزمالك الجديد يتعرض للإصابة خلال مران الفريق    هذه المرة عليك الاستسلام.. حظ برج الدلو اليوم 31 يوليو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غموض مصير المصالحة مع طالبان

قبل يومين من مغادرتنا كابول نشبت أزمة حادة بين الرئيس الافغاني حميد قرضاي وقائد قوات الناتو في أفغانستان الجنرال ديفيد بيتراوس‏. انفجرت في تصريحات علنية كشفت حجم الخلاف الواسع بين رؤي الرئيس الأفغاني الذي يعتقد أن الغارات الليلية التي تشنها قوات الجنرال بيتراوس علي بيوت ومعاقل قادة طالبان في إقليم قندهار تأتي بعكس نتائجها لكثرة ضحاياها من المدنيين الأبرياء‏,‏ ولأنها تزيد من حجم الارتباط بين طالبان وسكان الريف الأفغاني‏,‏ فضلا عن أنها يمكن أن تسد الطريق علي مشروعه للمصالحة الوطنية الذي يعتبره الطريق الوحيد لتحقيق أمن واستقرار أفغانستان‏,‏ ويستهدف إشراك طالبان في حكم أفغانستان كفصيل سياسي يصعب استبعاده إن قبل قادة طالبان إلقاء السلاح وقطعوا صلاتهم بتنظيم القاعدة‏,‏ علي حين يري الجنرال بيتراوس أن الغارات الليلية العديدة التي تتم بالعشرات كل ليلة تحت حماية الطائرات الهليوكبتر أعادت المبادرة إلي يد قوات التحالف بعد أن ثبت أنها تشكل تهديدا أمنيا لقادة طالبان خاصة أنها نجحت في إلقاء القبض علي عشرات من قادة طالبان تقدر قوات التحالف أ‏=‏عدادهم بما يقرب من أربعمائة تم اسر معظمهم خلال الشهور الثلاثة الأخيرة‏,‏ إضافة إلي ما يقرب من ثلاثة آلاف من المقاتلين خاصة أن التقديرات الأمريكية تقول إن طالبان لن تقبل بأي مصالحة مع حكومة أفغانستان
وبرغم أن الأزمة الأخيرة لا تعدو أن تكون مجرد إضافة جديدة في سلسلة طويلة من الخلافات المتراكمة بين الرئيس الأفغاني والإدارة الأمريكية‏,‏ أدت إلي خلل شديد في علاقات الثقة المتبادلة بين الجانبين حيث يصر الرئيس قرضاي علي أن الإستراتيجية الأمريكية الجديدة في الحرب الأفغانية تتجاهل أصل الداء ولا تحارب معركة الإرهاب علي أرضها الحقيقية في باكستان التي تساند مخابراتها طالبان وتمدها بالعون المادي والسلاح‏,‏ وأن النصر في أفغانستان يتحقق فقط بهزيمة الإرهاب والقضاء علي جذوره في موطنه الأصلي باكستان وما لم يتم تحقيق ذلك فإن الحرب الأفغانية لن تشهد نهاية وشيكة‏,‏ بينما يؤكد الأمريكيون سرا وعلنا أن الرئيس الأفغاني أصبح جزءا من المشكلة لفساد أسرته وضعف حكومته الذي مكن طالبان من أن تستحوذ علي تعاطف غالبية سكان الأرياف والواضح أن أزمة الثقة بين الجانبين تزداد اتساعا في ظل الانتقادات العلنية التي يوجهها كل طرف إلي الآخر‏..,‏ وبرغم أوراق القوة العديدة التي تملكها الولايات المتحدة من خلال تواجدها العسكري الكبير علي أرض أفغانستان فإن الرئيس الأفغاني قرضاي ليس كما يشاع مجرد صفر علي اليسار ولكنه جزء مهم من اللعبة الأفغانية يملك أوراقا عديدة تزيد من قدرته علي التأثير في الوضع الداخلي في ظل علاقاته الوثيقة مع قادة المجاهدين القدامي ورؤساء القبائل الذين يجمعهم المجلس الأعلي للإسلام الذي شكله الرئيس الأفغاني وعهد برئاسته إلي الرئيس السابق رباني‏,‏ ويتألف من سبعين من هؤلاء القادة بينهم حكمت يار وسياف وجيلاني ورستم وإسماعيل خان وآية الله محسني أكبر المرجعيات الشيعية في قندهار وجميعهم أصحاب نفوذ قوي يملكون سيطرة واسعة علي قبائلهم‏,‏ ويملكون ثروات ضخمة ومهوله تحققت لهم خلال حرب المجاهدين ضد الوجود العسكري السوفييتي في أفغانستان حيث كانت تتدفق عليهم المعونات المالية الضخمة من باكستان والولايات المتحدة دون حساب يصرفون بعضها علي رعيتهم وعلي مشروعات خيرية و تعليمية تفيد أبناء طوائفهم‏,‏ وفي مدينة كابول شيد آية الله محسني حجة شيعة قندهار مسجدا وجامعة دينية تضم عددا من كليات الشريعة وأصول الدين تدرس الفقه الشيعي إلي جوار الفقه السني تكلفت طبقا لما قاله لنا نحو‏17‏ مليون دولار حصل علي معظمها من المعونات التي تدفقت عليه من أفغانستان إضافة إلي ما يتحصل عليه من عشور وضرائب تدفعها له رعيته كل عام‏.‏
صحيح أن الرئيس قرضاي لم يتمكن في الانتخابات البرلمانية الأخيرة من الحصول علي نصف مقاعد البرلمان البالغ عددها‏294‏ مقعدا علي حين تمكنت المعارضة التي يترأسها منافسه السابق عبد الله عبد الله من الحصول علي‏90‏ مقعدا‏,‏ لكن المستقلين الذين يشكلون‏20%‏ من مقاعد المجلس ينحازون في أغلب الأحيان إلي الرئيس قرضاي الذي يمارس ضغوطا قوية علي اللجنة العليا للانتخابات عطلت نتائج الانتخابات إلي اليوم كي يلزمها إعادة النظر في النتائج المعلنة بدعوي أن نسبة كبيرة من قبائل البيشتون لم تتمكن من الذهاب إلي صناديق الانتخابات في أكثر من‏1000‏ لجنة نتيجة عمليات الإرهاب التي قادتها طالبان‏,‏ لكن إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في موعدها رغم تواتر الوقائع والأنباء عن عمليات تزوير واسعة جرت في بعض الدوائر يشكل في حد ذاته انتصارا لحكومة قرضاي خاصة أن عدد الحضور قارب أربعة ملايين نسمة رغم العمليات الإرهابية التي قامت بها طالبان قبل وأثناء عملية الاقتراع بهدف إفشال العملية الانتخابية وهو رقم كبير قياسا علي تعداد أفغانستان‏28‏ مليون نسمة‏,‏ يؤكد وجود قطاعات واسعة من الشعب الأفغاني ترفض فكر طالبان وتنحاز إلي أفغانستان‏.‏
وإذا كانت باكستان تمثل بالنسبة لقرضاي وغالبية الأفغان اللاعب الإقليمي الأشد خطرا علي استقلال أفغانستان فإن الهند تكاد تلعب علي الساحة الأفغانية دور النقيض للدور الباكستاني‏,‏ تعزز صورتها هناك كدولة صديقة يهمها أمن أفغانستان واستقرارها‏,‏ وتتبني برنامج معونات ضخمة تتجاوز قيمته مليار وثلاثمائة مليون دولار مخصصة لبناء الطرق والسدود ومحطات الكهرباء ودعم المرأة الأفغانية وتثبيت حقها في التعليم من خلال إنشاء مركز ضخم في كابول تم افتتاحه أخيرا لتعليم البنات وتدريب النساء علي أعمال يدوية وفنية عديدة هدفها من ذلك كله أن تحاصر نفوذ باكستان غريمتها الكبري في أرض أفغانستان‏,‏ علي حين تحاول إيران أن تمد جسور الصداقة إلي جميع القوي الأفغانية بما في ذلك مكتب الرئيس الأفغاني الذي تلقي أخيرا معونات مالية مباشرة من إيران في شكل حقائب من الدولارات للإنفاق علي عدد من المشروعات يصرف عليها الرئيس قرضاي‏,‏ تنفق إيران ببذخ كبير ولا تعادي أيا من أطراف الداخل وتقدم كل عام عونا إلي الشباب الأفغاني في شكل بعثات دراسية تذهب إلي إيران يتجاوز عددها ألفي بعثة‏,‏ هدفها الأول والأخير مساندة توجهات الداخل الأفغاني الذي يرفض وجود قوات أجنبية علي أرضه وتنتظر طهران علي أحر من الجمر ساعة رحيل هذه القوات التي أعلن الرئيس الأمريكي أوباما أنها سوف تبدأ انسحابها بحلول صيف‏2012‏ حيث تتسلم القوات الأفغانية مسئولية الأمن في عدد من الولايات قبل أن يبلغ الانسحاب أوجه بحلول عام‏2014‏ في إطار برنامج يعني بتدريب قوات الأمن والجيش الأفغاني تبلغ تكلفته مليار دولار في الشهر الواحد بهدف رفع عدد قوات الجيش إلي حدود‏300‏ ألف جندي إضافة الي‏150‏ ألفا من رجال الشرطة والأمن‏.‏
ووسط صخب مواقف القوي الإقليمية وتعارضها وغياب الحسم العسكري للحرب الأفغانية التي تكاد تدور محلك سر دون أن يتكشف في الأفق القريب نهاية واضحة لها يبدو الحل الإقليمي لمشكلة أفغانستان شبه متعذر في الوقت الراهن خاصة مع زيادة الضعف الذي يعتري الموقف الأمريكي منذ التجديد النصفي لانتخابات الكونجرس التي ألحقت بالرئيس الأمريكي وسياساته الداخلية والخارجية خسائر فادحة‏,‏ فضلا عن فقدان التوجه الإستراتيجي الصحيح لمستقبل أفغانستان إذا ما انسحبت القوات الأمريكية‏...,‏ وسط صخب هذه المواقف لم يجد الرئيس الأفغاني حميد قرضاي طريقا آخر غير محاولة التفاوض مع طالبان أملا في تسوية سياسية تلزمها إلقاء السلاح تساعد علي إدماجها في العملية السياسية كفصيل سياسي ضمن فصائل القوي الأفغانية‏.‏
بدأ الأمر علي استحياء قبل عام عندما افتتح الرئيس قرضاي أعمال المجلس الأعلي للسلام الذي يرأسه رباني بخطاب دعا فيه كل فصائل المعارضة إلي اعتبار المجلس الجديد ساحة متاحة لحوار وطني يستهدف التوصل إلي مصالحة شاملة‏,‏ لكن الأمريكيين الذين يتشككون دائما في نيات الرئيس الأفغاني عارضوا الفكرة منذ البداية مصرين علي ضرورة أن تلقي طالبان السلاح أولا قبل أن يبدأ أي تفاوض معها أو أن يتم الحوار فقط مع العناصر المعتدلة من طالبان التي تريد أن تنشق عن التنظيم الأم‏,‏ في الوقت الذي بقيت فيه الأوضاع العسكرية بالنسبة للقوات الأمريكية علي حالها المتردي دون تحقيق إنجاز عسكري واضح يلزم طالبان الامتثال لهذه الشروط المستحيلة‏,‏ باستثناء بعض الضربات المؤثرة التي طالت عددا من قيادات طالبان‏.‏
وعلي امتداد عام كامل راجت قصص وأخبار كثيرة ومتناقضة تتحدث عن المصالحة‏,‏ معظمها يصدر عن العاصمة كابول بعضها يؤكد أن المفاوضات لم تغادر بداياتها التمهيدية وبعضها يؤكد أن المفاوضات تتم بالفعل مع قيادات هامة من طالبان بوساطة سعودية‏,‏ وأنها دخلت شوطا جادا حدد عناصر التفاوض الأساسية في نبذ العنف من جانب طالبان‏,‏ والقبول بنزع أسلحتها والاعتراف بحكومة قرضاي واحترام دستور البلاد مع تسوية موقف زعيم الحركة الملا محمد عمر وقبوله الإقامة بالمنفي بالمملكة السعودية علي أن تتوفر له الحماية الكافية ويعامل معاملة رئيس الدولة السابق‏,‏ علي حين التزمت طالبان موقفا واحدا يؤكد عدم وجود أي تفاوض بين الحركة وكابول إلا بعد انسحاب كافة القوات الأجنبية من أفغانستان‏,‏ حفاظا علي الروح المعنوية لمقاتليها إلي أن أعلن قائد القوات الأمريكية ديفيد بيتراوس أخيرا أن قواته ساعدت في تأمين وصول عدد من قيادات طالبان من باكستان إلي أفغانستان للتفاوض مع كابول‏,‏ في إشارة واضحة إلي التغير المهم الذي طرأ علي الموقف الأمريكي واقتناعه الجديد بأنه ربما لا يكون هناك سبيل آخر سوي التفاوض مع طالبان‏,‏ وإن كانت الإدارة الأمريكية تصر حتي اليوم علي أنها تكتفي في المرحلة الراهنة بمجرد متابعة سير المفاوضات بين كابول وطالبان إلي أن تظهر دلائل قوية تشير إلي فرص نجاح محتمل تحفز الإدارة الأمريكية علي تغيير موقفها السابق وقبول التفاوض مع طالبان قبل أن تلقي سلاحها‏,‏ في الوقت الذي أعلن فيه وزير الخارجية السعودية الأمير سعود الفيصل أن المملكة لن تسهم في أي مفاوضات تجري بين طالبان وكابول إلي أن تعلن طالبان أولا إنهاء علاقاتها مع تنظيم القاعدة وتقوم بتسليم أسامة بن لادن أو طرده وحرمانه من أي ملاذ آمن‏,‏ الأمر الذي أزعج كابول كثيرا ودفعها إلي انتقاد موقف السعودية بصورة شبه علنية بدعوي أن السعودية هي التي أسهمت بالتعاون مع باكستان في إنشاء طالبان وبدون دعمها المادي لم يكن في إمكان طالبان الاستيلاء علي العاصمة كابول في شهر سبتمبر‏1996‏ عندما غيرت طالبان الاسم الرسمي للدولة من جمهورية أفغانستان الإسلامية إلي إمارة أفغانستان‏.‏
وبرغم أن نائب رئيس الجمهورية الأفغانية أكد في لقائه مع الوفد المصري أن المباحثات مع طالبان قطعت شوطا لا بأس به‏,‏ وأن الطرفين وافقا في خطوة مهمة أخيرة تستهدف بناء جسور الثقة بين الجانبين علي أن تتبادل الحكومة الأفغانية وطالبان المخطوفين من الجانبين‏,‏ إلا أن قضية المصالحة مع طالبان لا يزال يكتنفها الكثير من الغموض والشكوك إلي حد أن رئيس المعارضة عبد الله عبد الله تساءل في حواره معنا‏,‏ لماذا تقبل طالبان التفاوض إن كانت تحقق تقدما عسكريا مطردا وهي الآن أقوي مما كانت عليه عام‏2008‏ ؟‏!,‏ علي حين يعتقد رئيس مجلس النواب الأفغاني يونس قانوني أن أمن أفغانستان واستقرارها لن يتحقق إلا عبر توافق إقليمي يجمع القوي الإقليمية الثلاث‏:‏ باكستان وإيران والهند‏,‏ وربما يكون تشكيل المجلس الأعلي للسلام من جانب الرئيس قرضاي خطوة إيجابية وصحيحة وهي كذلك بالفعل لكنه يري أن الطريق الصحيح للمصالحة يبدأ بممارسة كل الضغوط علي طالبان عسكريا وسياسيا كي تقبل نزع سلاحها وتحترم الدستور وتلتزم بحقوق المرأة الأفغانية وتقطع علاقاتها مع تنظيم القاعدة‏..,‏ صحيح أن الجنرال بيتراوس قائد القوات الأمريكية زاد أخيرا من ضغوطه العسكرية علي طالبان لكن باكستان لا تمارس أي ضغوط من أي نوع علي طالبان التي تملك قدرة الصبر وتهدئة الأحوال إلي أن يحين موعد انسحاب القوات الأمريكية‏,‏ ساعتها أخشي أن أقول لكم‏:‏ إن طالبان لن تجد من يقدر علي وقف مشروعها‏,‏ هذا ما يراه رئيس مجلس النواب‏,‏ وثمة عدد غير قليل من المثقفين الأفغان يذهبون إلي أن قضية المصالحة مع طالبان باتت أكثر تعقيدا بعد أن أصبح من الصعب علي النخبة الأفغانية أن تتفق علي تعريف واضح لطالبان يحدد هويتها علي نحو مؤكد ومحدد‏,‏ لأن طالبان تنظيم ضخم فضفاض يضم أنصارا وأصدقاء ومتعاطفين لكن نواته الداخلية تظل موضع غموض وتساؤل‏,‏ لأنها تضم المتشددين والأكثر تشددا كما يبدو صعبا علي النخبة الأفغانية أيضا أن تتفق علي مفهوم أكثر تحديدا لمعني المصالح العليا للشعب الأفغاني الذي يشكل العنصر الأساسي في عملية السلام‏,‏ لأنه لو تم فك الارتباط بين طالبان وغالبية الشعب الأفغاني من خلال حكم رشيد يحارب الفساد ولا تسيطر عليه القبلية لتحولت طالبان إلي مجموعة محدودة من العناصر التي تعتنق أيديولوجية خاصة يسهل التعامل معها إما باحتوائها أو هزيمتها‏.‏
وقد يكون سؤالنا المهم والأخير‏:‏ ما الذي يعنينا في مصر من كل ما يجري من صراعات علي أرض أفغانستان؟‏!,‏ ولماذا نحن هنا علي مسافة تزيد علي ستة آلاف كيلومتر من مصر نتساءل عن فرص تحقيق أمن أفغانستان؟‏!,‏ وما الذي يمكن أن يفيد مصر من استقرار الأوضاع هناك؟‏!,‏ ولماذا تتحمس مصر لجهود قرضاي في إتمام المصالحة الوطنية مع طالبان؟‏!,‏ وتتعجل الجهود الدولية لبناء قوات الجيش والأمن الأفغانية كي تضطلع هذه القوات بقدر أكبر من مسئوليات الأمن؟‏!.‏
لن أتحدث كثيرا عن العلاقات الثقافية والسياسية التي تربط بين أفغانستان ومصر منذ وقت مبكر‏,‏ أو الدور المهم الذي لعبه جمال الدين الأفغاني عندما هاجر إلي مصر وساهم في تنوير الدعوة الإسلامية إلي أن دخلت مرحلة تجديد وتحديث المفاهيم في عهد الإمام المجدد محمد عبده وفي ظل ارتباطه الوثيق بالفكر الأفغان ي‏,‏ ولن أقف كثيرا لتي ربطت أفغانستان بالأزهر الشريف علي امتداد عقود سابقة من خلال توافد المبعوثين الأفغان علي الأزهر للدراسة‏,‏ والذين لعبوا بعد عودتهم دورا مهما في نشر تيار الاعتدال تحقيقا لوسطية الإسلام وتصحيحا لمفاهيم دينية خاطئة حرفت مفهوم الجهاد الصحيح عن معناه وغاياته لتجعله عدوانا علي الآخرين وحربا بين المسلم والمسلم‏,‏ وبين المسلم والآخر أهدرت أرواح أبرياء كثيرين علي امتداد العالم تزكي صراع الأديان والحضارات وترسم أسوأ صورة للفكر الإسلامي خدشت صورة الإسلام الصحيح‏.‏
فقط أود أن أتوقف عند هذه الفترة الكئيبة ما بين ثمانينات وتسعينات القرن الماضي عندما تحولت أفغانستان تحت حكم طالبان إلي ملاذ آمن لجماعات إرهابية عديدة جاءت من مصر واليمن والسعودية والجزائر والسودان وارتبطت بتنظيم القاعدة تدعو إلي فكره وتحارب في صفوفه قبل أن تعود إلي أوطانها تحت مسمي الأفغان العرب تنشر موجة واسعة من الأعمال الإرهابية علي امتداد أرجاء العالم العربي‏,‏ وتركز كل ثقلها علي مصر التي شهدت منذ عودة هؤلاء وعلي امتداد أكثر من ثمانية عشر عاما تطورا نوعيا في عمليات الإرهاب زاد من فداحة خسائرها وظهر في محاولات الاغتيالات العديدة التي ارتكبت ضد الرئيس مبارك في السودان وضد وزير الداخلية الأسبق زكي بدر ورفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب الذي لقي مصرعه في هجوم غادر من هذا النوع‏,‏ كما ظهر في محاولات إرهاب أقباط مصر وتدمير صناعة السياحة للإضرار بأرزاق المصريين والحيلولة دون تحقيق أي تقدم اقتصادي‏,‏ وزاد من خطورة هذه الموجة أن الطريق بين أفغانستان ومصر تحول إلي خط إمداد رئيسي تقوم عليه محطات يجد فيها الإرهابيون في طريق عودتهم ملاذات وملاجئ آمنة في إيران واليمن والصومال وصولا إلي السودان ثم إدفو مع نهاية طريق الأربعين حيث كانت تصل إمدادات الأسلحة والذخائر ويتم تخزينها هناك لحساب منظمات الإرهاب‏.‏
وأظن أن هذه الفترة وحدها تكفي للتدليل علي أهمية أفغانستان بالنسبة لمصر وخطورة تأثيرها علي أمن مصر الوطني وعلي قضية سلام الشرق الأوسط‏,‏ لأن القضاء علي جذور الإرهاب يبدأ هنا من أفغانستان من خلال جهد مصري يركز علي تصحيح الدعاوي الخاطئة والمفاهيم المغلوطة والتأكيد علي وسطية الإسلام إلي أن تجف المنابع الأصلية ويلقي تنظيم القاعد سلاحه ويتكشف لملايين المسلمين في هذه الأصقاع البعيدة خطورة الإرهاب علي مفاهيم الإسلام الصحيح‏.‏
لم نذهب خلال وجودنا في أفغانستان للقاء مسئول أفغاني أو زيارة أي مؤسسة ثقافية أو سياسية في كابول إلا وتركز معظم الحديث علي الدور الذي ينتظر الأزهر في هذه البلاد للتأكيد علي وسطية الإسلام واعتداله‏,‏ ولأن الوفد المصري كان يضم عالما جليلا هو الشيخ إسماعيل الدفتردار عضو مجلس الشوري وهيئة مجلس العلماء كانت حفاوة المسلمين الأفغان بالوفد المصري فائقة تفوق الوصف‏,‏ وتعكس أشواق الإخوة المسلمين هناك إلي دور مهم ينتظره الأزهر لتصحيح مفاهيم خاطئة أثرت علي أفكار العوام هناك‏,‏ وتكاد تكون هذه الرسالة إلي شيخ الأزهر هي الرسالة الأهم التي حملها الوفد المصري في رحلة العودة إلي القاهرة بعد ثمانية أيام صعبة في أفغانستان‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.