محافظ الغربية يتفقد احتفالات مولد «السيد البدوي» بطنطا    إصابة خمسة أشخاص في تحطم مروحية في ولاية كاليفورنيا الأمريكية    «زي النهارده».. اغتيال الدكتور رفعت المحجوب 12 أكتوبر 1990    سعر الذهب اليوم في السعوديه وعيار 21 الآن بمستهل تعاملات الأحد 12 أكتوبر 2025    أسعار الخضار والفاكهة في أسواق أسوان اليوم الأحد 12-10-2025    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الأحد 12 أكتوبر    أسعار الأسماك والخضراوات والدواجن اليوم 12 أكتوبر    هل يتجاوز صندوق النقد عن بند الطروحات الحكومية خلال المراجعة المقبلة؟ محمد معيط يجيب    محمد معيط: رفع التصنيف الائتماني لمصر يقلل تكلفة التمويل.. والتحسن الاقتصادي أدى لانخفاض التضخم    رئيس الوزراء البريطاني يؤكد حضوره «قمة شرم الشيخ للسلام»    الولايات المتحدة توجه دعوة إلى إيران لحضور قمة السلام بشرم الشيخ    اشتباكات عنيفة على الحدود الأفغانية الباكستانية    عضو المكتب السياسي ل حماس: استقرار المنطقة لن يتحقق إلا بزوال الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة كاملة    عضو مجلس السيادة السوداني: الحرب ستتوقف عندما تُثبَّت أركان الدولة السودانية    الاعتراض وحده لا يكفي.. نبيل فهمي: على الدول العربية أن تبادر وتقدّم البدائل العملية لحماية أمنها القومي    إثر حادث سير مروع.. وفاة 3 من أعضاء الوفد القطري المفاوض في شرم الشيخ    العظمى في القاهرة 28 درجة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم الأحد 12 أكتوبر 2025    قراءة فنجان وصديق مشترك.. كيف تزوجت إيناس الدغيدي من «سوكارنو» ؟    بحضور أمير كرارة ومصطفى قمر وشيكابالا .. أسرة فيلم أوسكار عودة الماموث تحتفل بالعرض الخاص..صور    تفاصيل ظهور «رونالدينيو» في كليب عالمي لمحمد رمضان    مسلسل «لينك» الحلقة 1.. سيد رجب يتعرض لسرقة أمواله عبر رابط مجهول    صعود جماعي في قطاعات البورصة المصرية يقوده المقاولات والبنوك خلال أسبوع التداول المنتهي    عاجل - "حالتهما حرِجة".. آخر تطورات وضع مصابي حادث شرم الشيخ    موعد عرض مسلسل المؤسس أورهان الحلقة الأولى على قناة atv التركية.. والقنوات العربية الناقلة وترددها    حقوق عين شمس تُكرم رئيس هيئة قضايا الدولة بمناسبة اليوبيل الماسي    بهدف زيدان.. العراق يفوز على إندونيسيا ويخوض مواجهة نارية أمام السعودية    أحمد حسن: أبو ريدة طالبنا بالتتويج بكأس العرب بسبب العائد المادي    نهاية عصابة «مخدرات الوراق».. المشدد 6 سنوات لأربعة عاطلين    المؤبد لأب ونجليه.. قتلوا جارهم وروعوا المواطنين بالخصوص    صحة دمياط: متابعة دورية للحوامل وخدمات متكاملة داخل الوحدات الصحية    مفاجأة.. مستقبل وطن يتراجع عن الدفع بمالك النساجون الشرقيون في بلبيس (خاص)    مصادر: قائمة «المستقبل» تكتسح انتخابات التجديد النصفي ل«الأطباء»    «القومي للبحوث»: مصر بعيدة عن الأحزمة الزلزالية    نبيل فهمي: لابد من تحصين خطة ترامب للسلام دوليًا حتى تُفضي إلى الدولة الفلسطينية    وزير الأوقاف فى الندوة التثقيفية بالإسماعيلية: الوعى أساس بناء الوطن    انتشال 5 جثث احتجزوا داخل سيارة في حادث بطريق قفط - القصير بقنا    موعد بداية امتحانات نصف العام الدراسي الجديد 2025-2026 وإجازة نصف السنة    ضبط منافذ بيع الحيوانات.. قرارات عاجلة من النيابة بشأن تمساح حدائق الأهرام    سراج عبدالفتاح: «الزراعي المصري» يستهدف زيادة حصته بالتوسع في التجزئة المصرفية    «شاف نفسه».. أسامة نبيه يكشف تفاصيل أزمة محمد عبدالله وعمر خضر مع منتخب الشباب    تركيا تكتسح بلغاريا بسداسية مدوية وتواصل التألق في تصفيات كأس العالم الأوروبية    «مخيتريان»: «مورينيو» وصفني بالحقير.. و«إنزاجي» منحني ثقة مفرطة    خالد جلال: جون إدوارد ناجح مع الزمالك.. وتقييم فيريرا بعد الدور الأول    حالة من الحيرة لكن لأمر جيد.. حظ برج العقرب اليوم 12 أكتوبر    18 معلومة عن مي فاروق: الرئيس السيسي كرمها و«تأخير» حرمها من المشاركة بمسلسل شهير وخضعت ل«عملية تكميم»    خالد عجاج ينهار باكيًا على الهواء أثناء غناء «الست دي أمي» (فيديو)    ملخص ونتيجة مباراة إسبانيا ضد جورجيا بتصفيات كأس العالم 2026    4 خطوات ل تخزين الأنسولين بأمان بعد أزمة والدة مصطفى كامل: الصلاحية تختلف من منتج لآخر وتخلص منه حال ظهور «عكارة»    لو خلصت تشطيب.. خطوات تنظيف السيراميك من الأسمنت دون إتلافه    أمر محوري.. أهم المشروبات لدعم صحة الكبد وتنظيفه من السموم    هاتريك تاريخي.. هالاند الأسرع وصولا إلى 50 هدفا دوليا مع النرويج    أوقاف الفيوم تكرم الأطفال المشاركين في البرنامج التثقيفي بمسجد المنشية الغربي    مستشفى "أبشواي المركزي" يجري 10 عمليات ليزر شرجي بنجاح    رئيس جامعة الأزهر يوضح الفرق بين العهد والوعد في حديث سيد الاستغفار    عالم أزهري يوضح حكم تمني العيش البسيط من أجل محبة الله ورسوله    عالم أزهري يوضح أحكام صلاة الكسوف والخسوف وأدب الخلاف الفقهي    تقديم 64 مرشحًا بأسيوط بأوراق ترشحهم في انتخابات النواب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 11-10-2025 في محافظة الأقصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثمانية أيام في أفغانستان‏1‏
حرب بلا نهاية‏,‏ يتعذر علي الأمريكيين كسبها

مرقت الطائرة من بين قمم سلسلة الجبال المشرعة في الفضاء‏,‏ تشرف علي مدينة كابول مثل أسنة حراب سوداء تثير الدهشة والفزع لقسوتها وجهامتها قبل أن تهبط في مطار كابول الذي يعج بمئات إن لم يكن آلاف الطائرات من كل الأنواع والأجناس‏,‏ مقاتلات من مختلف الطرز وناقلات جنود وطائرات شحن ضخمة يتسع جوفها لأكثر من مصفحة ودبابة‏,‏ وعشرات الأنواع من طائرات الهليوكوبتر الحربية تربض هنا وهناك في مشهد يصعب أن يراه الإنسان في أي بلد آخر‏,‏ يكشف منذ الوهلة الأولي حجم التدخل الأجنبي الضخم في أفغانستان‏,‏ هذا البلد الإسلامي الذي يعد من أفقر دول العالم ويكره وجود الأجانب علي أرضه‏,‏ والذي تتشكل جغرافيته من سلسلة جبال متصلة شاهقة الارتفاع إلي علو يتجاوز في بعض الأحيان سبعين ألف متر يقطعها بعض الوديان المنفصلة‏,‏ ويحار علماء الإستراتيجية في ضمه أحيانا إلي دول الشرق الأوسط وأحيانا إلي دول جنوب آسيا‏,‏ لكن الجميع يتفقون علي أن أهميته الإستراتيجية الكبري تكمن في حقيقتين أساسيتين‏,‏ أولاهما أن أفغانستان تمثل نقطة الوثوب إلي كل من الصين وإيران وباكستان وبحر قزوين الذي يشكل الآن أحد مخازن الطاقة الكبري في العالم لضخامة حجم احتياطاته البترولية‏,‏ وثانيتهما‏,‏ أن أفغانستان هي مزرعة الأفيون الكبري في العالم التي تنتج سبعين في المائة من محصوله العالمي‏,‏ يتم تصنيعها داخل أفغانستان إلي هيروين يجد طريقه إلي الأسواق العالمية في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية عبر تجارة تهريب واسعة‏,‏ تعبر طرقا وعرة‏,‏ ينظمها شبكات دولية من عصابات الجريمة المنظمة‏,‏ تتعامل في تجارة يتجاوز حجمها عشرات المليارات من الدولارات‏,‏ يذهب معظمها إلي عصابات الجريمة المنظمة وأقلها إلي زراع الأفيون في أفغانستان‏.‏
جئنا إلي كابول ضمن وفد للمركز المصري للدراسات المستقبلية والإستراتيجية ضم اللواءين أحمد فخر رئيس المركز وعادل سليمان مديره العام إضافة إلي العالم الإسلامي الشيخ إسماعيل الدفتار في إطار مشروع للتعاون العلمي مع مركز كابول للدراسات الإستراتيجية‏,‏ يقضي بتبادل المعارف بين المعهدين في إطار حوار إستراتيجي هدفه تنمية قوي وفكر الاعتدال في الشرق الأوسط‏..,‏ وفي الطريق من المطار إلي الفندق تبدت لنا كابول العاصمة مدينة رمادية كالحة الألوان يزيد من شحوبها جفاف أوراق الشجر في موسم الشتاء ببرده القارص‏,‏ وتصطف علي جوانب شوارعها محلات ومخازن صغيرة تسكن أبنية من طابق واحد‏,‏ أغلبها صندقات من بقايا الخشب أو الصفيح‏,‏ مكدسة بالبضائع من كل لون‏,‏ يتعثر المرور في شوارعها شديدة الزحام عالية الصخب‏,‏ تضيق بهذا الحجم الهائل من سيارات الركوب تختلط بسيارات الأمن والشرطة المكدسة برجال مسلحين أيديهم لا تفارق الزناد‏,‏ ومواكب الوفود وكبار المسئولين الأفغان تسبقهم سيارات الحراسة‏,‏ أغلبها من سيارات الدفع الرباعي القوية‏,‏ يقودها سائقون قساة تمرسوا علي أن يمرقوا بسرعة فائقة رغم الزحام وسوء الطرقات غير المرصوفة في أرض صخرية صعبة‏,‏ ويفيض علي جوانب الشوارع نهر متصل من البشر الأفغان بسراويلهم الطويلة وجلابيبهم القصيرة‏,‏ يلتحفون بأحرمة‏,‏ جمع حرام‏]‏ من الصوف داكنة اللون‏,‏ ينتمون إلي أكثر من عشرين جماعة عرقية‏:‏ البشتون والطاجيك والهزارة الشيعة والأوزبك والتركمان والبلوش لكل منها لغتها الخاصة‏,‏ ويمكن أن تميز بسهولة بين الأفغان البشتون الذين يسكنون الجنوب في ولاية هيلمند علي طول الحدود مع باكستان ويشكلون ما يقرب من نصف السكان بوجوههم السمراء وأجسادهم الممتلئة وبين الأفغان الطاجيك الذين يسكنون الشمال ويشكلون ثلث السكان ببشرتهم البيضاء وعيونهم الملونة لكن الجميع ملتحون لأن الغالبية العظمي يدينون بالإسلام‏,‏ ولأن اللحية في عرف الأفغاني هي دلالة تمسكه بدينه‏,‏ وعندما وقعت أفغانستان تحت حكم طالبان كان من مهام شرطة الأخلاق القبض علي كل أفغاني يقصر طول لحيته عن سبعة سنتيمترات‏,‏ ويمكن أن تلمح وسط هذا الفيض من البشر الذين تدفقوا علي العاصمة كابول زاحفين من الأرياف علي امتداد سنوات الحرب الثلاثين فرارا من الفقر وغارات الأجانب بضع نساء حاسرات في الطريق إلي أعمالهن‏,‏ مدرسات وموظفات في الدواوين والشركات‏,‏ أو جمعا من الطالبات السافرات في طريقهن إلي مدارسهن‏,‏ لكن هذا المنظر يصعب أن تراه في مدينة أخري غير كابول فخارج كابول لا تزال سيطرة طالبان قوية علي الأرياف‏,‏ وربما يستحيل أن تري امرأة حاسرة أو سافرة‏,‏ الجميع يختفين تحت عباءاتهن الفضفاضة الزرقاء تتدلي من قمة الرأس إلي أخمص القدم‏.‏
ولا تكاد تلمح في كابول إلا في نطاق جد محدود أبنية ذات دلالة وتاريخ باستثناء مسجدين أثريين وبعض القصور القديمة بنيت في عهد الملك أمان الله خان الذي لا يزال في وعي الأفغانيين أفضل من حكم أفغانستان علي طول التاريخ لأنه حارب الإنجليز وكسب استقلال بلاده ووضع لها عام‏1923‏ أول دستور في التاريخ نفسه الذي وضع فيه أول دستور مصري‏.‏
وصل الركب الذي يقلنا تحرسه سيارات الدفع الرباعي بجنودها المسلحين برشاشاتهم الثقيلة والمتوسطة إلي الفندق وسط العاصمة بعد طول مشقة‏,‏ حيث كان يتظاهر جمع لا يزيد علي‏50‏ شخصا يضم عددا من نواب البرلمان الذين سقطوا في الانتخابات التشريعية الأخيرة يهتفون ضد حكومة قرضاي التي زورت الانتخابات‏..,‏ الفندق يخضع لحراسة مشددة وإجراءات دخول وخروج صارمة بعد أن تعرض مرتين لهجمات مسلحي طالبان الذين تمكنوا في المرة الأولي من الدخول إلي ساحاته الداخلية ليطلقوا نيرانهم العشوائية علي جمع من النزلاء الأجانب بينهم القائم بأعمال السفارة القطرية في كابول في مذبحة دامية‏,‏ ثم تعرض مرة ثانية في سبتمبر الماضي لقذف متقطع من هاونات ثقيلة يحرسه الآن نطاقان من الأسوار الشاهقة تفتح عليهما بوابات حديدية ثقيلة‏,‏ وتفصل بينهما مسافة محدودة تكاد تسمح بمرور سيارة واحدة يغلق عليها الحراس كل الأبواب إلي أن يتم تفتيشها بدقة قبل أن يسمح لها بدخول الفندق عبر البوابة الثانية‏.‏
ورغم أن كابول تعتبر مدينة آمنة نسبيا بسبب نطاق الاستحكامات الذي تفرضه قوات الحلفاء والجيش الأفغاني‏,‏ ويحاصر كل مداخل ومخارج العاصمة علي مسافة بضع كيلومترات من حدودها‏,‏ إضافة إلي اتفاق سري أبرمه الرئيس الأفغاني حميد قرضاي مع باكستان يمثل اتفاق الحد الادني تتعهد فيه المخابرات الباكستانية التي تربطها علاقات عضوية قوية بجماعة طالبان بكبح جماح طالبان ومنعها من اقتحام كابول‏,‏ إلا أن هذا الاتفاق كثيرا ما يتعرض لخروقات بسبب العلاقات المتقلبة بين باكستان وأفغانستان‏,‏ وتنجح طالبان في الدخول إلي المدينة لتضرب بعض الأهداف أو تنجز عملية تفجير يترتب عليها عدد من الضحايا القتلي والمصابين‏,‏ لكن الحياة لا تلبث أن تستمر وتعاود سيرتها الأولي ويعود إلي شوارع كابول صخبها وزحامها‏..,‏ وعلي امتداد الأسبوع الذي أمضيناه في كابول شنت طالبان عمليتين اخترقت في أولاهما حراسة المدينة لتصل إلي مقر مجلس النواب الأفغاني في اليوم التالي لزيارة الوفد المصري حيث تمكنت من إحداث بعض الأضرار في مبانيه‏,‏ كما تمكنت من اختطاف أربعة من ضباط الشرطة في عملية لاحقة‏,‏ ومع ذلك يمكن أن نقول أنه لم يكن هناك خطر حقيقي يتهددنا مادمنا موجودين داخل الفندق الذي تحول إلي حصن منيع لحماية نزلائه من رجال الأعمال والساسة والدفاع والسفراء الأجانب الذين يأتون إلي كابول لمهام طارئة‏,‏ لكن الخطر يحدق بمهمتنا خلال رحلاتنا اليومية لمقابلة المسئولين الأفغان خارج الفندق أو زيارة بعض الأماكن المهمة التي غالبا ما يتم تحديد موعدها سرا حرصا علي سلامة تحركات الوفد الذي كان موضع الرعاية والاهتمام من كافة المسئولين الأفغان ابتداء من الرئيس حميد قرضاي إلي رئيس المعارضة السيد عبد الله عبد الله الذي دخل في العام الماضي منافسا للرئيس قرضاي في انتخابات الرئاسة الأخيرة لكنه تنازل قبل موعد التصويت‏,‏ بعد أن تكشف له أن غالبية قبائل البيشتون سوف تصوت لصالح حميد قرضاي رغم أنه ينتمي إلي نفس القبيلة‏.‏
إن كانت كابول تحظي نوعا ما بقدر من الأمان النسبي يمكن لطالبان أن تخترقه في أحوال وظروف خاصة لأنها الرمز والعاصمة ومقر قيادة قوات تحالف الناتو ومكان الحكم‏,‏ يوجد فيها الجزء الأكبر من قوات الشرطة والجيش اللتين تم تدريبهما واللتين تتمتعان بقدر وافر من ثقة الأفغانيين يتجاوز‏85‏ في المائة طبقا لاستطلاع أخير للرأي العام جري في العاصمة الأفغانية لأنهما حافظا علي وحدتهما‏,‏ ولم تحدث حالات اختراق بارزة تخل بدورهما الوطني فان الوضع ليس كذلك خارج المدن الكبري الثلاث كابول وقندهار ومزار الشريف في الشمال حيث تسيطر طالبان علي معظم الأرياف خاصة في منطقة الحدود الباكستانية الأفغانية في الجنوب التي تسكنها قبائل البشتون‏,‏ طبقا لتقديرات معظم الذين التقينا بهم وبينهم نائب الرئيس الأفغاني ورئيس المعارضة ورئيس مجلس النواب ومحمود قرضاي شقيق الرئيس وأبرز رجال الأعمال في كابول وعدد من المثقفين الأفغان أعضاء مركز الدراسات الاستراتيجية في العاصة الأفغانية‏.‏
لماذا نجحت طالبان في السيطرة علي الأرياف؟‏!,‏ الأسباب كثيرة ومتنوعة يختلف تقييمها طبقا لاختلاف مواقع أصحابها‏,‏ لكن الجميع يؤكدون أن أول الأسباب هو ضعف الحكومة وعجز خطط الإصلاح عن تلبية الحد الأدني للمواطنين‏,‏ وانتشار الفساد وتوجه معظم هذا الفائض الضخم من الأموال التي جاءت مع الغزو الأمريكي وتواجد قوات التحالف والإنفاق المهول علي تدريب الجيش والشرطة الذي يتجاوز نصف البليون دولار في الشهر إلي فئة اجتماعية بعينها لا يدخل ضمنها غالبية الشعب الأفغاني ولانعدام مشاريع التنمية وغياب الحكم الرشيد‏,‏ وعجز النخبة الأفغانية عن أن تحدد بوضوح معني الصالح الوطني العام وإخفاق نخبة الحكم في أن تقدم للشعب الأفغاني مشروعا متكاملا للسلام يستوعب كل القوي الداخلية‏,‏ إضافة إلي أسباب أخري عديدة تتعلق بطالبان ذاتها التي تعرف كيف تستثمر كل هذه المثالب‏,‏ وكيف تخاطب العوام لأن ثقافتها تكاد تماثل ثقافتهم علي حد قول محمود قرضاي‏,‏حيث تتدني قيم التعليم ومكانة المرأة‏,‏ وتضعف قيمة العيش والحياة‏,‏ وتعم الخرافة والجهل بالدين الصحيح ويساوي العوام بين الكفر والوجود الأجنبي‏,‏ بعد‏30‏ عاما من حرب وشقاء ابتداء من الغزو السوفييتي عام‏79‏ إلي الغزو الأمريكي عام‏2001‏ عقب حوادث نيويورك وواشنطن‏,‏ فضلا عن قدرة طالبان علي إقامة عدالة ناجزة تستند إلي أحكام الشريعة في الأماكن التي تديرها حيث يصدر الأمير أحكاما مطلقة ونهائية يتم تطبيقها علي نحو فوري غالبا ما تكون لصالح الفقراء‏.‏
ولا تكتفي طالبان فقط بالوصول إلي الشعب الأفغاني من خلال عملياتها العسكرية ورسائلها الاجتماعية إلي الفئات المهدرة حقوقها‏,‏ ولكنها تحرص علي مخاطبة الرأي العام الأفغاني بصورة شبه يومية‏,‏ عبر أدوات اتصال حديثة تشمل الانترنت والفيس بوك إضافة إلي عدد من محطات الفيديو والمواقع الإخبارية تنتشر علي الشبكة الدولية للمعلومات تستخدم تكنولوجيات جد متقدمة‏,‏ تصل رسائلها إلي الناس في الوقت الصحيح‏,‏ تذيع الأخبار فور وقوعها وتنشر صورا لوقائع الأحداث قبل غيرها‏,‏ وبرغم أن طالبان كانت تفرض خلال وجودها في السلطة رقابة صارمة وقيودا شديدة علي الإعلام إلي حد أنه لم يكن في كل أفغانستان سوي صحيفة واحدة هي الشريعةس استطاعت وهي خارج الحكم أن تطور نظاما للمعلومات يضمن وصول الحدث فور وقوعه إلي الإعلام الخارجي‏,‏ كما تتواصل مع الإعلام المحلي عبر رسائل يومية تحوي صورا متعددة من التهديد كي يلتزم الجميع بنشر بياناتها‏,‏ وتصدر طالبان‏4‏ طبعات لعدد من الصحف والنشرات الإخبارية يتجاوز عدد صفحاتها المنشورة علي الشبكة الدولية للمعلومات‏70‏ صفحة في الشهر الواحد‏.‏
ومما يزيد من تعقيد الوضع في أفغانستان‏,‏ أن الحرب الأفغانية تكاد تكون منذ سقوط دولة طالبان محلك سر خسائر واستنزاف متبادل وإن يكن بصورة أخف كثيرا مما كان يجري في العراق‏,‏ لكنها رغم بعض الضربات المؤثرة التي وجهها قائد قوات الناتو أخيرا ديفيد بيتراوس إلي عدد من قيادات طالبان حرب بلا نهاية‏,‏ تفتقد فرصة الحسم الشامل والنهائي‏,‏ وفي المعركتين الأخيرتين اللتين دارتا في سهول مرجة وقندهار نجحت قوات التحالف في السيطرة علي عدد من معاقل طالبان‏,‏ واستطاعت أن تأسر وتقتل عددا من قياداتها لكن طالبان لا تلبث أن تعاود زحفها مرة ثانية علي هذه المناطق بعد أن تكون قد كسبت تعاطف المزيد من الأهلين لكثرة الضحايا المدنيين الذين يسقطون في الغارات الأمريكية دون ذنب أو جريرة أو لسوء المعاملة التي يلقاها السكان خلال عمليات اقتحام الجنود للمنازل في القري وإساءاتهم معاملة النساء‏,‏ الأمر الذي وسع من انعدام الثقة بين الأفغان وقوات التحالف وقلل من فرص تعاونهما المشترك‏,‏ وجعل من العسير علي قائد القوات الأمريكية ديفيد بيتراوس أن يحقق في أفغانستان النجاح ذاته الذي حققه في العراق رغم زيادة أعداد القوات الأمريكية‏30‏ ألفا‏,‏ عندما تمكن من كسب عقول وقلوب سكان المحافظات الوسطي التي يسكنها سنة العراق‏,‏ وشجع العشائر العربية علي تشكيل جماعات الصحوة التي حملت السلاح دفاعا عن أراضيها في وجه تنظيم القاعدة‏,‏ وتمكنت من طردها خارج ديارهم لكن نوري المالكي فكك قوات الصحوة ومنع عنها امتيازاتها المادية المحدودة ورفض إلحاقها بالقوات العراقية كي لا تقوي شوكة السنة في العراق‏.‏
لم ينجح بيتراوس في إقناع قبائل البشتون التي تسكن منطقة الحدود الأفغانية الباكستانية في تشكيل جماعات مسلحة تماثل جماعات الصحوة‏,‏ لأن طالبان في النهاية جزء من البشتون فضلا عن غياب الثقة بين الأهلين وقوات التحالف‏,‏ ولم ينجح حتي الآن في تقليل عدد الضحايا المدنيين من الأفغان في الغارات الأمريكية المتلاحقة‏,‏ الذين يشكلون واحدا من أهم أسباب تذمر الشعب الأفغاني من الوجود العسكري الأمريكي‏,‏ وبرغم أن الأمريكيين حرصوا علي ألا يكون ضمن قواتهم في أفغانستان دبابات ثقيلة كي يميزوا أنفسهم عن قوات الغزو السوفييتي‏,‏ إلا أنهم يفكرون في الاستعانة بالدبابات الثقيلة لضرب مواقع طالبان عن بعد وتقليل عدد الضحايا المدنيين‏!‏
صحيح أن خسائر قوات التحالف لا تزال محدودة قياسا إلي خسائر العراق‏,600‏ جندي مقابل عشرة آلاف أفغاني في العام لكن المشكلة أن طالبان مثل طائر النار الذي ينهض من الرماد‏,‏ ما إن تسقط في معركة حتي تنهض في اليوم التالي وكثيرا ما تنجح في توجيه ضربات قوية ومؤثرة تخترق عمق قوات الناتو وبعض مواقعه الحصينة‏.‏
ويكاد يتفق كل القادة الذين التقينا بهم في كابول علي أن الحسم العسكري لمشكلة أفغانستان يكاد يكون متعذرا في الظروف الراهنة‏,‏ لأن أصل السرطان يوجد في باكستان‏,‏ حيث تساند المخابرات الباكستانية عمليات طالبان بهدف تطويع إرادة الأفغان الذين ينظرون إلي باكستان نظرة تشكك وريبة‏,‏ ويرفضون وصاية البيت الكبير علي البيت الصغير‏,‏ ويرفضون الاعتراف باتفاقية الحدود التي مكنت باكستان عام‏1950‏ من أرض إقليم باتان‏,‏ ويؤهلون أنفسهم لتصالح مع طالبان لم يأت موعده ولم تنضج كافة ظروفه‏,‏ ومع ذلك يسانده‏83‏ في المائة من الشعب الأفغاني ويعارضه‏20‏ في المائة من النساء خوفا من عودة طالبان وتشددهم تجاه حقوق المرأة خاصة ما يتعلق بحقها في العمل والتعليم‏,‏ لكن الحقيقة الأولي والأخيرة التي يخرج بها أي مراقب يدقق في أحوال أفغانستان الراهنة‏,‏ أن عودة طالبان إلي السلطة بفكرها العقائدي الذي لا يعترف بالوطن ويرفض الديموقراطية‏,‏ ويعادي حقوق المرأة وينبذ العيش في سلام مع الدول غير الإسلامية يكاد يكون في حكم المستحيل مهما تأخرت فرصة الحسم العسكري أو طال أمد عملية المصالحة الوطنية التي يساندها غالبية الشعب الأفغاني‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.