ألحت علي هذه الصيحة التي أطقلها الدكتور زكي نجيب محمود عنوانا لمقالته في كتابه في مفترق الطرق, وكان قد نقلها عن واحد من فلاسفة القرنين السابع عشر والثامن عشر وهو الفيلسوف الانجليزي ديفيد هيوم. الذي استكمل بحث سابقيه أمثال توماس هويز وجون لوك لمسألة العقد الاجتماعي أو العلاقة بين الحاكم والشعب, من خلال تشبيه المجتمع بالسفينة وركابها وربانها. وهنا صاح مفكرنا الكبير بقولته الشهيرة أدرك السفينة ياربانها. لقد قفز هذا التشبيه إلي ذهني وأنا أتابع ما يحدث في مجتمعنا من انشقاق وانتشار مفزع للطائفية, ومن أحداث تتصاعد وتصريحات تنطلق وقيادات تنجرف, وحالة من الانفلات والتربص الغريب في الناحيتين, علي حساب تماسك سفينة المجتمع ووحدة الأمة, وهي أغلي ما نملك لتقدم الحاضر وضمان المستقبل. فما الذي أصابنا حتي نصل لهذه الحالة من غياب الوعي والقابلية للاشتعال وإشاعة الكراهية و الانقسام والتعرض للمقدسات؟. هل تغيرت خامة الإنسان المصري بفعل عوامل التعثر التي مرت بها بلادنا, بسبب الحروب المتتالية وما ترتب عليها من أزمات اقتصادية واجتماعية إلي آخره, ففقدنا القدرة علي الفعل كما كان يقول أسامة أنور عكاشة؟. وهل أدي ذلك إلي التحرك البطيء والمنظم من ستينات وسبعينات القرن الماضي, لصبغ المجتمع بصبغة دينية شكلية, تقوم علي رفض الآخر وفرزه, ورفض التعددية, وإعلاء الانتماء الديني فوق الانتماء الوطني, وخطاب ديني متشدد تسلل إلي مناهج التعليم والإعلام ومؤسسات المجتمع ودور العبادة إلي آخره. وهكذا رويدا رويدا كما يحدث لقطرة المداد تلقي بها في إناء الماء فلا تظل محددة بحدودها, بل تتسع حتي تتناول بأثرها كل الإناء وما فيه, هكذا تمدد هذا الاتجاه ليشمل المجتمع ككل, وهكذا بدأنا نسمع بين الحين والآخر عن أحداث طائفية هنا وهناك نهب لمواجهتها بالكلمات الطيبة ثم ننساها, حتي وصلنا إلي ما نحن فيه وقد أحاطت بسفينتنا لجة خطرة من موج غاضب يتربص بها ليغرقها. والسؤال الملح كيف نحمي سفينتنا من الخطر الداهم الذي يحيط بها؟. إن عبارة أدرك السفية ياربانها تشير أول ما تشير إلي تدخل عاجل وخطوات قانونية محددة وحاسمة, تعاقب كل من يشارك في إشعال الفتن وإذكاء روح التعصب وخلط الدين بالسياسة والتمييز بين أبناء الوطن الواحد, سواء من رجال الدين علي الجانبين أو من مؤسسات المجتمع المختلفة, كالموقف الحازم الذي يقفه الآن السيد أنس الفقي وزير الإعلام من القنوات الفضائية التي تثير الفتن وتنشر الإباحية والخرافة والشعوذة, في مجتمع به نسبة كبيرة من الأمية ودرجة واضحة من الاحتقان. كما تشير العبارة إلي أن هذه الخطوات يجب أن تكون جزءا من مشروع أو رؤية ثقافية ونسق متكامل لدولة مدنية حديثة تستند إلي قيم المواطنة والتعددية الدينية والغيرية والمساواة إلي آخر قيم التقدم, وإلي خطاب ديني وثقافي متجدد, كما ينادي السيد الرئيس في كل خطاباته باستمرار. ولكي تصبح الدولة المدنية الحديثة واقعا حيا علي أرض الواقع لابد من مجموعة متناغمة من الوزراء المعنيين تشكل البوصلة التي تحدد الاتجاه الصحيح, نادي بها من فترة طويلة السيد فاروق حسني وزير الثقافة, مثلها مثل المجموعة السياسية والمجموعة الاقتصادية, مع عدد من كبار مفكرينا لمتابعة برامج ومراحل هذا المشروع الكبير, علي أن تقدم تقريرها كل فترة إلي السيد الرئيس مباشرة. إن اللحظة جد فارقة, إما أن نتقدم إلي الأمام أو نتراجع إلي الوراء, فماذا نريد لسفينتنا الواحدة؟ وفي أي اتجاه عساها أن تسير؟.