ألقي الرئيس حسني مبارك كلمة في الاحتفال بعيد الشرطة أمس فيما يلي نصها: الإخوة والأبناء ضباط وجنود الشرطة. السيدات والسادة: يسعدني أن أشارككم الاحتفال السنوي بعيد الشرطة نحتفل معا بالشرطة ورجالها.. نؤكد تقدير الشعب لعطائهم من أجل الوطن.. نشد علي أيديهم.. نستذكر تضحياتهم.. ونخلد ذكري شهدائهم. تمر بنا اليوم.. الذكري الثامنة والخمسون.. لبطولات رجال الشرطة في الإسماعيلية.. وصمودهم وبسالتهم في مواجهة قوات الاحتلال.. دفاعا عن كرامة الوطن وكبريائه. سيبقي هذا اليوم في ذاكرة مصر وأجيال أبنائها.. رمزا لتمسك شعبنا بعزته وسيادته علي أرضه.. ورمزا لوطنية أبنائه من رجال الشرطة. إننا إذ نحتفل بهذه المؤسسة الوطنية العريقة.. نستدعي سجلا ناصعا لرجالها.. فهم جزء لا يتجزأ من هذا الشعب.. ساندوا مسيرته في أوقات الحرب والسلام.. خاضوا ولا يزالون مواجهة ضارية مع الإرهاب والتطرف.. ويواصلون تضحياتهم وجهودهم.. ساهرين علي أمن الوطن والمواطنين.. مدافعين عن استقرار مصر وسلامة أبنائها. الإخوة والأخوات: إن أمن مصر القومي بمفهومه الشامل.. هو مسئوليتي الأولي.. لا أسمح حياله بأي تهاون أو تفريط.. ولا أقبل فيما يتعلق به أنصاف الحلول. نعيش عالما مضطربا إننا نعيش في عالم مضطرب.. ومنطقة صعبة.. ويخطئ من يتجاهل الاتساع المتزايد لطوق عدم الاستقرار الراهن.. من أفغانستان إلي باكستان.. وفي إيران والعراق واليمن.. وفي الصومال والسودان. يخطئ من يتغافل عن المخاطر المستمرة للإرهاب والتطرف.. واتساع دائرة الفكر السلفي وجماعاته.. والدعاوي المغلوطة لتكفير المجتمعات.. والمحاولات المستمرة لترويع الآمنين.. والإخلال بالسلام الاجتماعي.. وزعزعة الاستقرار. يخطئ من يتغاضي عن تصاعد النوازع الطائفية من حولنا.. في المنطقة العربية وإفريقيا والعالم.. ما بين محاولات لإشعال الفتن بين أبناء الشعب الواحد.. ودعوات للمحاصصة.. وأحداث للعنف والاقتتال وإراقة الدماء.. وأمثلة نشهدها للاستقواء بالخارج.. وأخري للتدخل الخارجي.. تصب الزيت علي النار.. وتعمل وفق مصالحها وأجندتها. الاعتداء هز مشاعرنا لقد هز الاعتداء الإجرامي في( نجع حمادي) ضمير الوطن.. صدم مشاعرنا وأوجع قلوب المصريين.. مسلميهم وأقباطهم. وبرغم تنفيذ تعليماتي بسرعة القبض علي الجناة واحالتهم لمحكمة أمن الدولة العليا( طوارئ).. فإن هذا الحادث البشع علي الأقباط.. في ليلة أعياد الميلاد.. يدعونا جميعا مسلمين وأقباطا لوقفة جادة وصريحة مع النفس. لقد تلقيت تقارير عديدة من أجهزة الدولة.. ولجان تقصي الحقائق.. تستعرض في مجملها ملابسات هذا الاعتداء الآثم.. بمقدماته ووقائعه.. وما قيل عن دوافعه. وإنني كرئيس للجمهورية.. ورئيس لكل المصريين.. أحذر من مخاطر المساس بوحدة هذا الشعب.. والوقيعة بين مسلميه وأقباطه.. وأقول بعبارات واضحة: إنني لن أتهاون مع من يحاول النيل منها أو الإساءة إليها.. من الجانبين. لقد كنت قائدا للكلية الجوية عام1968.. عندما قصفت طائرات إسرائيل( نجع حمادي) ودمرت كوبري( قنا).. لم يكن هناك فرق آنذاك بين دماء المسلم والمسيحي من ضحايا العدوان. وعندما خضنا حرب أكتوبر.. ضحي أبناء مصر من الجانبين بأرواحهم ودمائهم.. ورفعوا معا علم مصر فوق سيناء. نواجه ظواهر غريبة إننا نواجه أحداثا وظواهر غريبة علي مجتمعنا.. يدفعها الجهل والتعصب.. ويغذيها غياب الخطاب الديني المستنير.. من رجال الأزهر والكنيسة. خطاب ديني.. يدعمه نظامنا التعليمي وإعلامنا وكتابنا ومثقفونا.. يؤكد قيم المواطنة.. وأن الدين لله والوطن للجميع. ينشر الوعي بأن الدين هو أمر بين الإنسان وربه.. وأن المصريين بمسلميهم وأقباطهم شركاء وطن واحد.. تواجههم ذات المشكلات.. ويحدوهم ذات الطموح للمستقبل الأفضل.. لهم.. وللأبناء والأحفاد. دور ضروري ومطلوب.. ينهض به عقلاء الأمة وحكماؤها من الجانبين.. يتصدي للتحريض الطائفي ويحاصر التطرف.. يعمل من أجل مجتمع مصري متطور لدولة مدنية حديثة.. ويدعو المسلمين والأقباط للتسابق في بناء المدارس والمستشفيات ومساعدة الفقراء.. وللعطاء من أجل الوطن. قنبلة موقوتة إن أي احتكاكات عادية في التعاملات اليومية للمواطنين.. إذا ما أخذت بعدا طائفيا.. تصبح قنبلة موقوتة.. تشعل الفتنة.. تطعن وحدة جناحي الأمة.. تسئ إلي صورة مجتمعنا.. وتفتح الباب لمحاولات خارجية.. نرفضها.. تتدخل في شأن مصري خالص.. بين أبناء الأسرة الواحدة.. والمجتمع المصري الواحد. إنني أقول لأبناء الوطن من الجانبين.. وبعبارات لا تحتمل اللبس أو التأويل.. إننا سنواجه أية جرائم أو أفعال أو تصرفات تأخذ بعدا طائفيا.. بقوة القانون وحسمه.. بعدالة سريعة ناجزة.. وأحكام صارمة.. توقع أقصي العقوبة علي مرتكيبها والمحرضين عليها. وتردع من يستخف بأمن الوطن ووحدة أبنائه. الإخوة والأخوات: إن التصدي للإرهاب والتطرف والتحريض الطائفي.. يمثل تحديا رئيسيا لأمن مصر القومي.. لكنه ليس التحدي الوحيد الذي نواجهه في منطقتنا.. والعالم من حولنا. الخطر الأكبر وبرغم تشابك وتعقيد ما تطرحه منطقتنا من تحديات ومخاطر.. فإن التحدي والخطر الأكبر هو توقف عملية السلام.. والانقسام الفلسطيني الراهن.. بتداعيات ذلك علي القضية الفلسطينية.. وعلينا.. وعلي أمن واستقرار الشرق الأوسط. إن توقف عملية السلام.. واستمرار الانقسام بين السلطة والفصائل.. يمثل الوضع الأمثل لكل من إسرائيل والقوي الفلسطينية والإقليمية المناوئة للسلام.. ويمثل في ذات الوقت الوضع الأسوأ لشعب فلسطين.. ومعاناته وقضيته العادلة. لقد ضاعت عشرة أشهر حتي الآن منذ توقف مفاوضات السلام.. تواصلت خلالها ممارسات إسرائيل ومستوطناتها.. وإجراءاتها لتهويد القدس.. واجتياحها للضفة مثلما حدث في( نابلس).. وحصارها لقطاع( غزة).. بل وتلويحها بمعاودة عدوانها علي القطاع. وبرغم جهود مصر المتواصلة لإحياء عملية السلام.. ولتحقيق الوفاق الفلسطيني.. فإننا نتعرض لحملات مكشوفة من قوي عربية وإقليمية.. لم تقدم يوما ما قدمته مصر لفلسطين وشعبها.. وتكتفي بالمزايدة بالقضية الفلسطينية.. والمتاجرة بمعاناة الفلسطينيين. لدينا معلومات موثقة إن مصر لا تقبل الضغوط أو الابتزاز.. ولا تسمح بالفوضي علي حدودها.. أو بالإرهاب والتخريب علي أرضها.. لدينا من المعلومات الموثقة الكثير.. والذين يقومون بهذه الحملات.. وينظمون مهرجانات الخطابة للهجوم علي مصر في دولة شقيقة.. بيوتهم من زجاج.. ولو شئنا لرددنا لهم الصاع صاعين.. لكننا نترفع عن الصغائر. إننا قد نصبر علي حملات التشهير والتطاول.. ولكن.. ما لا نقبله ولن نقبله هو الاستهانة بحدودنا.. أو استباحة أرضنا.. أو استهداف جنودنا ومنشآتنا. إن الإنشاءات والتحصينات علي حدودنا الشرقية.. عمل من أعمال السيادة المصرية.. لا نقبل أن ندخل فيه في جدل مع أحد أيا كان.. أو أن ينازعنا فيه أحد كائنا من كان.. إنه حق مصر الدولة.. بل وواجبها.. ومسئوليتها.. وهو الحق المكفول لكل الدول في السيطرة علي حدودها.. وتأمينها.. وممارسة حقوق سيادتها تجاه العدو والصديق والشقيق.. علي حد سواء. يقولون إن ما حدث في( العريش) وفي( رفح).. سحابة صيف.. وأقول لهم.. ما اكثر سحابات الصيف في تعاملكم معنا.. وما أكثر ما نلاقيه منكم من مراوغة ومماطلات.. وأقوال لا تصدقها الأفعال.. وتصريحات ومواقف متضاربة.. ترفع شعارات المقاومة وتعارض السلام.. فلا هم قاوموا.. ولا سلاما صنعوا. ماضون في الانشاءات لقد رفضت أن تنضم مصر للاتفاق الأمني بين إسرائيل والولايات المتحدة.. في عهد الإدارة الأمريكية السابقة.. وبعد العدوان علي( غزة) العام الماضي.. ونحن ماضون في استكمال الإنشاءات والتحصينات علي حدودنا.. ليس إرضاء لأحد.. وإنما حماية لأمننا القومي من اختراقات نعلمها.. وأعمال إرهابية كالتي وقعت في( طابا) و( شرم الشيخ) و(دهب) و(القاهرة).. واستهدفت مصر في أمنها وأرواح وأرزاق أبنائها. إننا لن نضيق ذرعا بما تحملناه ونتحمله من أجل القضية الفلسطينية وقضايا أمتنا. لكنني أقول إن أولويتنا ستظل لمصر أولا.. وقبل أي شيء وكل شيء آخر.. في حدودها.. وأرضها.. وسيادتها.. وأمنها.. ومصالح ومقدرات شعبها. المزيد من الاصلاح الإخوة المواطنون: إننا إذ نحتفل اليوم بعيد الشرطة.. لابد أن نعي ما يواجهه أمن مصر القومي من تحديات.. في أبعاده الداخلية والخارجية. إن جهودنا من أجل مصر وشعبها.. تستشرف حاضرا ومستقبلا أفضل.. تسعي للمزيد من الإصلاح والتحديث والنمو الاقتصادي والتنمية.. للمزيد من الاستثمارات والمشروعات وفرص العمل.. للمزيد من الإنتاج والصادرات والسياحة.. والمزيد من تطوير ما يقدم للمواطنين من خدمات. إن جهاز الشرطة ورجال مؤسساتنا الأمنية.. يتحملون مسئولية كبري.. ويبذلون جهودا مضنية هي محل تقدير الشعب واعتزازه.. فلا نمو ولا تنمية أو تقدم.. في بلد غير مستقر أو آمن. إن أبناء شعبنا يأتمنون رجال الشرطة.. علي أرواحهم وأعراضهم وأموالهم.. ولا يزال هؤلاء الرجال مضطلعين بدورهم في حماية أمن الوطن والمواطن.. يتصدون لمكافحة الجريمة بكافة صورها وأشكالها.. ويسهرون علي إنفاذ القانون. مخاطر وتهديدات سنمضي بمجتمعنا نحو الغد الأفضل.. بعزم ويقين.. واثقين في أنفسنا.. مدركين لما يحيط بنا وبمنطقتنا من مخاطر وتهديدات.. نحمي وحدة مسلمينا وأقباطنا.. ولا نفرط في أمن مصر القومي واستقرارها وأمان شعبها. أدعو الله أن يحفظ هذا البلد آمنا.. وأن يهيئ لأبنائه من أمرهم رشدا. كل عام وأنتم بخير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.