«بعد خفض الفائدة».. كم فوائد 100 ألف جنيه في البنك شهريًا؟    مصر تؤكد التزامها بدعم العمل العربي المشترك في الطيران المدني    ترامب يوافق على خفض الرسوم على السيارات ومنتجات الصلب والألومنيوم البريطانية    والا: اتفاق محتمل لتولي صندوق إغاثة غزة مهمة إدخال وتوزيع المساعدات بعيدا عن حماس    لجنة التظلمات تؤجل قرارها بشأن أزمة مباراة الأهلي والزمالك    انهيار مظلة في موقف سيارات بقنا يُلحق أضرارًا بنحو 30 سيارة    عرض حياته والمواطنين للخطر.. تفاصيل ضبط قائد سيارة لسماحه لبعض الأشخاص بالجلوس خارج النافذة    مهرجان الجونة السينمائي يعلن عن برنامج مميز في الجناح المصري    تاج الدين: الربو أحد أكثر الأمراض المزمنة غير المعدية شيوعا.. ويتسبب في 450 ألف حالة وفاة سنويا    جامعة حلوان تستقبل وفد «مستقبل الأرض بأفريقيا» و«البحوث الوطنية» (تفاصيل)    وزير الاتصالات: إتاحة 180 خدمة حكومية عبر منصة مصر الرقمية    قائد نيوكاسل يطالب بالدعم الجماهيري أمام تشيلسي    رغم اهتمام الهلال السعودي.. ماركو سيلفا سعيد في فولهام    نيوم يدخل على خط المنافسة لضم سعود عبد الحميد.. والاتحاد يتصدر السباق    اختتام فعاليات مؤتمر تنظيم الاتصالات لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا بالقاهرة    أخبار الكويت اليوم.. وزير الدفاع: تدشين الاستراتيجية الدفاعية 2025 - 2030    موعد بداية ذي الحجة 1446.. متى تحل وقفة عرفات وعيد الأضحى 2025 في مصر؟    لدخول السوق الرئيسي.. بدء اكتتاب زيادة رأسمال بريمير هيلثكير في البورصة    سهير رمزي تتصدر "التريند".. ما علاقة ياسمين صبري؟    لكل عريس وعروسة.. 10 نصائح من سماح عبد الفتاح تجعل حياتكم الزوجية سعيدة    «لو صاحبك من الأبراج دي أوعى تحكيله سرك».. أبراج لا تعرف كتم الاسرار    "محمد الفاتح".. دراما تاريخية تُعيد أمجاد الفتوحات على الشاشة التركية    وزير التعليم يبحث مع مدير مكتب التربية العربي لدول الخليج تعزيز التعاون التربوي    جامعة كفر الشيخ تطلق قافلة طبية توعوية شاملة لقرية الرصيف    16 أستاذ جامعيا يتقدمون لرئاسة جامعة بني سويف    غموض حول اختفاء فتاة ببنها.. والأسرة تناشد الأمن مساعدتها في العودة    أزعجتهم خلال علاقة محرمة.. سيدة وعشيقها يقتلان رضيعة في الهرم    الفنان محمد عبد السيد يعلن وفاة والده    في 11 ثانية.. فقط من يتمتع برؤية حادة يعثر على القلم المخفي    "10 دقائق من الصمت الواعي".. نصائح عمرو الورداني لاستعادة الاتزان الروحي والتخلص من العصبية    رفع درجة الاستعداد بمدارس البحيرة استعدادا لاستقبال امتحانات الفصل الدراسي الثاني    مصر أكتوبر: نثمن تحرك الحكومة لمعالجة الإيجار القديم    مطار مرسى مطروح الدولي يستقبل أولى رحلات الشارتر من التشيك    تصاعد دخان أسود من الفاتيكان في اليوم الثاني لمجمع الكرادلة المغلق |فيديو    كرة يد - الاتحاد يكرم باستور علي هامش مواجهة مصر الودية ضد البرازيل    الكرملين: الحوار بين روسيا والولايات المتحدة مستمر    عضو بالنواب: مصر تتحرك بثبات ومسؤولية لرفع المعاناة عن الفلسطينيين    بريطانيا تعتقل إيرانيين استهدفوا السفارة الإسرائيلية فى لندن.. وطهران ترد    وزير قطاع الأعمال يبحث مع سفير إندونيسيا فرص التعاون الاقتصادي والاستثماري    محافظ الفيوم يتابع أنشطة فرع الثقافة في أبريل    محافظ مطروح يتفقد تصميمات الرامبات لتيسير التعامل مع طلبات ذوي الهمم    بغرض السرقة.. الإعدام شنقًا للمتهمين بقتل شاب في قنا    انخفاض عمليات البحث على "جوجل" عبر متصفح سفارى لأول مرة لهذا السبب    نائب وزير الصحة يتفقد وحدتي الأعقاب الديسة ومنشأة الخزان الصحية بأسوان    أطعمة فائقة التصنيع مرتبطة بزيادة الإصابة بباركنسون    مراكب وورد ومسيرات طلابية في احتفالات العيد القومي لمحافظة دمياط    خالد بيبو: كولر ظلم لاعبين في الأهلي وكان يحلم بالمونديال    اختناق 4 أشخاص في حريق بمكبس كراتين خردة بسوهاج    وزير الصحة يستقبل نقيب التمريض لبحث تطوير التدريب المهني وتعميم الأدلة الاسترشادية    أمين الفتوى يكشف عن 3 حالات لا يجوز فيها الزواج: ظلم وحرام شرعًا    ميدو يفجّرها: شخص داخل الزمالك يحارب لجنة الخطيط.. وإمام عاشور الأهم وصفقة زيزو للأهلي لم تكن مفاجأة    الإسماعيلي ضد إنبي.. الدراويش على حافة الهاوية بعد السقوط في مراكز الهبوط    موعد إجازة المولد النبوي الشريف لعام 2025 في مصر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 8-5-2025 في محافظة قنا    الكرملين: محادثات بوتين وشي جين بينج في موسكو ستكون مطولة ومتعددة الصيغ    الجيش الباكستاني يعلن إسقاط 12 طائرة تجسس هندية    سبب إلزام النساء بارتداء الحجاب دون الرجال.. أمين الفتوى يوضح    اليوم.. «محامين المنيا» تعلن الإضراب عن محاكم الاستئناف رفضًا لرسوم التقاضي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإمام الشافعي في مصر‏....‏ وفقه الواقع

كثيرا ما تشيع في تاريخنا الفكري بعض القضايا التي يلتبس فيها الحق بالباطل‏,‏ ويختلط فيها الصواب بالخطأ‏,‏ سواء نجم ذلك عن سوء فهم أو عن سوء قصد‏,‏ ثم تتوالي الأيام وإذا بتلك القضايا‏. وقد اكتسبت ضربا من الثبات الزائف يجعلها تبدو في صورة الحقائق‏,‏ وما هي من الحقائق بسبيل‏!!‏
من تلك القضايا‏:‏ قضية تتصل بعلاقة الإمام الشافعي رضي الله عنه بمصر‏,‏ فلقد بدأت مسيرة حياة ذلك الفقيه العظيم بأرض فلسطين‏,‏ حيث ولد عام‏150‏ ه‏,‏ ثم بالحجاز حيث التقي بإمام دار الهجرة مالك بن أنس رضي الله عنه وتلقي عنه كتابه‏(‏ الموطأ‏),‏ ثم بالعراق‏,‏ حيث التقي بتلميذ الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان‏(‏ محمد بن الحسن‏),‏ ثم مزج خلاصة ما اغترفه من فقه الحديث بالحجاز‏,‏ بعصارة فقه الرأي بالعراق‏,‏ حتي استقر بعد طول الترحال في مصر التي فتحت له أبوابها‏,‏ وفتح لها هو عقله وقلبه‏,‏ وتوفي بها عام‏204‏ ه‏.‏
في مصر إذن استكمل هذا الإمام الفقيه حصاده العلمي الفذ‏,‏ بالجمع بين ذخيرة النقل وعصارة العقل‏,‏ مضافا إليهما نضج التجربة واكتمالها‏,‏ فماذا نتوقع منه حينئذ إلا أن يضطلع بمراجعة كتبه التي كتبها من قبل‏,‏ وأن يضيف إليها ما يراه جديرا بالإضافة‏,‏ في ضوء رؤيته للواقع الجديد بكل ما يضطرب فيه من أحداث طارئة‏,‏ ووقائع مستحدثة‏,‏ تحتاج إلي إيقاع الحكم الشرعي عليها من خلال الأصول القطعية الثابتة؟
من هنا فقد كان للإمام الشافعي في‏'‏ بعض‏'‏ المسائل‏:‏ رأيان‏,'‏ قديمهما‏'‏ كان بالعراق‏,'‏ وجديدهما‏'‏ كان في مصر‏,‏ حيث أتيح له أن يلتقي بعلمائها ومن بينهم الأحياء من تلاميذ الإمام الليث بن سعد‏,‏ ويمزج معارفه بمعارفهم‏,‏ كما أتيح له الإطلاع في مصر علي‏'‏ واقع‏'‏ جديد لم يحط به خبرا‏.‏
ينبري ههنا بعض ذوي الأفهام الملتبسة قائلين‏:‏ إذا كان الإمام الشافعي قد بدل آراءه بتبدل الأقطار‏,‏ فكان له‏'‏ قديم‏'‏ في العراق‏,‏ و‏'‏جديد‏'‏ في مصر‏,‏ فلماذا لا تتغير الأحكام الشرعية كلا أو بعضا بتغير البلدان تارة‏,‏ أو بتغير الأعصار تارة‏,‏ أو بتغير الظروف والبيئات تارة ثالثة‏,‏ فيكون لكل منها شريعته وفقهه؟
بل يذهبون بعدئذ إلي اتخاذ هذه القضية التي تتعلق بالإمام الشافعي‏:‏ مدخلا إلي حكم عام مفاده‏:‏ لماذا لا يكون الواقع أيا ما كان هذا الواقع حكما علي الشرع؟ ويكون الشرع محكوما بالواقع وتابعا له؟ وما الذي يبرر حينئذ‏'‏ ثبات‏'‏ هذا الشرع وديمومته‏,‏ وصلابته وعموميته؟‏.‏
هذه الدعوي التي ترددت علي بعض الألسنة والأقلام‏,‏ وراجت رواجا زائفا حتي أصبحت تشابه‏'‏ الحقيقة‏':‏ تغفل عن أمور شتي‏:‏
أولها‏:‏ إن الإمام الشافعي وإن كان له رأيان في بعض المسائل إلا أنه لم يعمد في‏'‏ الجديد‏'‏ إلي‏'‏ أصل‏'‏ من الأصول القطعية الثابتة التي استند إليها في‏'‏ القديم‏'‏ قبلئذ فينقضه أو يبدله أو يهدمه‏,‏ فالأصول القطعية في‏'‏ القديم‏'‏ و‏'‏ الجديد‏'‏ واحدة ثابتة راسخة‏,‏ كما أن الإمام الجليل لم يعمد إلي‏'‏ واقعة‏'‏ قد حكم عليها بالحل أو بالحرمة في‏'‏ القديم‏',‏ فيبدل هذا الحكم أو ينقضه في‏'‏ الجديد‏',‏ إلا إذا تغيرت مقومات تلك الواقعة تغييرا جوهريا‏,‏ فحينئذ يتبدل الحكم‏,‏ ولو كان هذا الإمام الجليل قد ظل في العراق ولم يغادرها ثم عرضت عليه الواقعة ذاتها‏:‏ لحكم بنفس هذا الحكم الشرعي بلا أدني تغيير‏,‏ فالعبرة في تغير الحكم بين‏'‏ القديم‏'‏ و‏'‏ الجديد‏'‏ عند الشافعي ليست بتغير البيئة أو الظروف‏,‏ أو الأقطار‏,‏ أو الأعصار‏,‏ بل بتغير‏'‏ مكونات‏'‏ الواقعة ذاتها‏,‏ واختلاف أوضاعها‏.‏
ثانيها‏:‏ لقد رصد العلماء بعض المسائل التي انفرد بها‏'‏ القول الجديد‏'‏ عن‏'‏ القديم‏'‏ عند الإمام الشافعي من خلال كتابه الموسوعي‏(‏ الأم‏),‏ فمثلا‏:‏ لقد أعطي هذا الإمام الجليل لبعض أنواع التربة التي تستخدم في صنع الأدوية والتي توجد في الحجاز‏:‏ حكما بالحل أو الحرمة يختلف عن حكمه عليها في مصر‏,‏ وما ذلك التغاير إلا لاختلاف مكونات هذه التربة عن تلك‏,‏ ولم يكن لتغير الأقطار أو البيئات تأثير علي الحكم بالحل أو بالحرمة‏.‏
وحين تناول الشافعي الأوراق المالية المنتشرة بمصر آنذاك‏,‏ والتي كانت تسمي‏(‏ القراطيس المصرية‏)‏ اجتهد في استنباط الحكم الشرعي لها علي النحو الذي تمت به علي أرض مصر‏,‏ ولم يكن لتبدل الأقاليم تأثير في الحكم الشرعي بالحل أو بالحرمة‏.‏
ثالثها‏:‏ إنه لابد من الأخذ في الاعتبار حين نتأمل قضية العلاقة بين الشرع والواقع بوجه عام أن مهمة الشرع هي‏'‏ ضبط‏'‏ الواقع‏,‏ بكل ما يضطرب فيه من اختلاف الأهواء‏,‏ وتضارب الرغبات‏,‏ وتصارع الإرادات‏,‏ وتلك المهمة العظمي لا تتحقق ولا تقوم لها قائمة حين يتغير الشرع بتغير البلدان أو باختلاف البيئات والظروف‏,‏ كما أنها لا تتحقق ولا تقوم لها قائمة حين ينحني الشرع في وجه تلك الأهواء والنزعات‏,‏ ويكون تابعا لها بدلا من أن تكون تابعة له‏,‏ ويكون خاضعا لها بدلا من أن تكون خاضعة له‏!!‏
رابعها‏:‏ إن مصطلح‏'‏ الواقع‏'‏ مصطلح فضفاض‏,‏ حمال أوجه‏,‏ فأي‏'‏ واقع‏'‏ يكون هو الحكم علي الشرع؟ هل هو‏'‏ واقع الأقوياء‏'‏ الذي يفرضونه علي البشر بما يمتلكونه من أدوات البطش والاستبداد؟‏,‏ أو هو واقع الفضائيات المفتوحة التي أيقظت في البشر شياطين النزوات‏,‏ وبثت فيهم سعار الغرائز والرغبات ؟‏!!‏
فكيف يكون‏'‏ الشرع‏'‏ الذي‏'‏ يخرج المكلفين من دواعي أهوائهم‏'‏ علي حد تعبير الشاطبي في‏'‏ الموافقات‏'‏ دواء للواقع وعلاجا له‏,‏ وقد جعله هؤلاء تابعا لهذا الواقع بكل ما يكتظ به من الأهواء والنزعات والرغبات؟
خامسها‏:‏ إن التصور الذي يسيطر علي أصحاب تلك الأفهام الملتبسة‏:‏ أن‏'‏ الواقع‏'‏ يمثل لديهم‏'‏ الطرف الأقوي‏'‏ الذي ينبغي علي الشرع الانصياع له‏,‏ والاستجابة لنداءاته‏,‏ والذي ينبغي علي الإنسان أيضا أن يحني له هامته‏,‏ وأن يكون مطواعا له‏,‏ لكنهم غفلوا عن أن التصور الإسلامي للإنسان أكثر سموا وارتفاعا‏,‏ إذ إنه ذلك الإنسان الذي يشرئب فوق هذا الواقع ما استطاع إلي ذلك سبيلا‏,‏ ويتعفف عن ملذاته ومغرياته قدر طاقته البشرية‏,‏ إنه الإنسان الذي كرمه الله تعالي أعظم تكريم‏,‏ وجعله الخليفة في الأرض علي سائر الكائنات‏.‏
أما هؤلاء الذين يبتغون أن يجعلوا الشرع خاضعا للواقع‏,‏ وتابعا له فإنهم يسهمون سواء أرادوا أم لم يريدوا في إشاعة الخور والتكاسل في إرادات الأمة وفي وعيها الجمعي‏,‏ فالتعلل بضغط‏'‏ الواقع‏'‏ والاستجابة لإغراءاته هو الذريعة الجاهزة والتعلة الحاضرة التي تفت في العضد‏,‏ وتغري بالتحلل والتراخي والتماس المعاذير‏,‏ كما أنها تحول دون شحذ العزائم‏,‏ واستنهاض الهمم‏!!‏
ثم أقول‏:‏ لئن كان‏'‏ الواقع‏'‏ بكل ما فيه‏..‏ هو الحاكم علي‏'‏ الشرع‏'...‏ فأي صلاح يومئذ يرتجي‏,‏ وأي فلاح حينئذ ينتظر؟‏!‏
‏*‏ عضو مجمع البحوث الإسلامية

المزيد من مقالات د.محمد عبدالفضيل القوصى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.