رغم ان الجولة الأولي لانتخابات الرئاسة البرازيلية التي جرت في الثالث من أكتوبر الحالي لم تحقق التوقعات بفوز ديلما روسف مرشحة حزب العمل بمقعد الرئاسة. حيث فشلت هذه الأخيرة في الحصول علي الأغلبية المطلوبة في الجولة الأولي إلا ان المحللين السياسيين مازالوا يراهنون عليها في الجولة الثانية التي ستجري يوم31 اكتوبر. وتنحصر المنافسة هذه المرة بين ديلما روسف ومنافسها الرئيسي مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي خوزيه سيره الذي حصل علي33% من الأصوات محتلا المركز الثاني بعد ديلما روسف التي حصلت علي47% من الأصوات, في الوقت الذي جاءت مارينا سيلفا مرشحة حزب الخضر في المركز الثالث وان كانت قد حققت مفاجأة بحصولها علي20% من الأصوات, إلا إن هذا لن يؤهلها لدخول الجولة الثانية وهو ما جعلها تؤكد أنها لن تتدخل بتأييد احد المرشحين علي حساب الأخر وأنها تفضل التزام الحياد فهي لن تعط لمن صوتوا لصالحها أي إشارات حتي تترك للناخبين مهمة اختيار الأصلح لرئاستهم في الفترة المقبلة ويبدو ان مارينا التي تشغل منصب وزيرة البيئة في حكومة الرئيس لولا دي سيلفا المنتهية ولايته أرادت بذلك ان تترك الباب مفتوحا لأية تحالفات في المستقبل. شعارات دينية فديلما روسف مرشحة الرئيس لولا دي سيلفا المفضلة تتعرض هذه الأيام لانتقادات عنيفة خاصة من جانب رجال الكنيسة ومنافسها سيره وفريق حملته الانتخابية والذين يطالبونها بتحديد موقفها من قضية الإجهاض وزواج المثليين خاصة ان ديلما كانت قد كشفت في عام2009 أثناء حوار مع مجلة ماري كلير البرازيلية عن موقفها المؤيد لسياسة عامة تتعامل مع مشكلة الإجهاض خاصة ان النساء الفقيرات يضطررن لاستخدام وسائل بدائية ووحشية للتخلص من الجنين في السر نظرا لان القانون البرازيلي يحظر أي عمليات الاجهاض, إلا في حالة الاغتصاب أو الخطورة علي حياة الأم.ويبدو ان هذا التصريح كان من الأسباب الأساسية لحملة الهجوم المضادة التي شنتها الكنيسة الإنجيلية في ليلة الجولة الأولي للانتخابات وهو ما يفسر حصول مارينا سيلفا المعروفة بتدينها الشديد علي20% من الأصوات وتراجع نسبة الذين صوتوا لصالح ديلما مما جعلها تضطر للإعادة أمام سيره الذي يركز هذه الأيام هجومه وانتقاداته علي اللعب بورقة الدين حيث كشفت المناظرات التليفزيونية التي جرت مؤخرا بينهما ارتفاع حدة العداء والتوتر بين الاثنين, ففي حين حاولت ديلما استخدام تعبيرات فضفاضة وغير محددة في هذا الشأن مؤكدة أنها مع حق الحياة اتهامها سيره بازدواجية الوجه, وهنا اتهمته ديلما بأنه نفسه صاحب الألف وجه فهو الذي كان وراء إصدار القانون الذي يسمح بالإجهاض في حالة الاغتصاب والخطورة علي الأم. وهذه هي المرة الأولي التي تطفو فيها المسألة الدينية علي سطح انتخابات الرئاسة في البرازيل وان كانت بوادرها قد بدت في عام1985 عندما ضاعت من فرناندو هنريك كردوسو الذي أصبح فيما بعد رئيسا للبرازيل عمودية مدينة سان بولو بسبب موقفه غير الواضح فيما يتعلق بقوة إيمانه الكاثوليكي واليوم يضم الكونجرس البرازيلي63 نائبا من513 في مجلس النواب وثلاثا من81 نائبا في مجلس الشيوخ تم انتخابهم بناء علي دعم الكنيسة الإنجيلية. حملة انتخابية طويلة وفي محاولة للرد علي محاولات التشكيك في معتقداتها الدينية خاصة في دولة يتصف شعبها بالتدين الشديد كثفت ديلما عن زياراتها للكنائس الإنجيلية والكاثوليكية كجزء اساسي من حملتها الانتخابية. البعض يري ان ديلما لم يكن عليها ان تتورط في هذا الجدل الذي لاطائل من ورائه وانه كان عليها ان تنأي بنفسها عن الدخول في هذه المهاترات خاصة ان برنامجها الاقتصادي الذي يعتبر امتدادا لبرنامج الرئيس لولا كان كفيلا يجعلها تفوز بالانتخابات, إلا ان ديلما قررت هذه المرة ان تدخل الحلبة غير مكتفية بدعم الرئيس المنتهية ولايته. فلولا دي سيلفا الذي أنهي ولايته الثانية وقد تجاوزت نسبة شعبيته ال80%- بينما لا يسمح الدستور بإعادة ترشحه للمرة الثالثة علي التوالي- كان قد وقع اختياره علي ديلما روسف وزيرته الأولي لتكون مرشحته المفضلة في انتخابات الرئاسة. ديلما التي لم تدخل من قبل أي تجربة انتخابية والتي كانت حتي اشهر قليلة وجها غير معروف للغالبية من البرازيليين, كانت قد أنهت حملتها الانتخابية للرئاسة البرزايلية في الجولة الأولي متقدمة علي منافسها الرئيسي جوزيه سيره حاكم ساو بولو ب20 نقطة ومثل هذا التقدم لم يكن ليتحقق لولا الدعم اللانهائي من لولا دي سيلفا ففي أخر مؤتمر لحزب العمال الحاكم أعلن لولا ان' انتخاب ديلما يأتي علي رأس اولوياته لان حكومة ناجحة يجب ان تختار الخليفة المناسب ليضمن استمرار برامجها' بل ان الرئيس البرازيلي منذ اللحظة الأولي لإطلاق الحملة الانتخابية لم يتردد لحظة ولم يخجل من التخلي عن الحيادية التي يجب ان يتحلي بها الرؤساء, مكرسا ساعات راحته بعد السادسة مساء و أيام العطلات الأسبوعية لدعم مرشحته المفضلة فيخلع ملابس رئيس البلاد ويرتدي القميص الأحمر رمز حزب العمال ليصاحب اياها في جولتها الانتخابية. البداية لم تكن مشجعة علي الإطلاق ففي أثناء مؤتمر ترشيح ديلما للانتخابات لم تكن المهمة سهلة, فهذه الأخيرة لم تنجح في جذب أنظار الحاضرين والتي كانت جميعها متجهة الي الرئيس لولا المشتعل حيوية وحماسة في نفس الوقت كانت استطلاعات الرأي تشير الي تقدم منافسها جوزيه سيره مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي. إلا ان الأمور بدأت تأخذ الاتجاه المعاكس بعد نجاح الرئيس في نقل شعبيته إليها وأصبح اسماهما مرتبطين بالأخر:' لولا ديلما' حتي البسطاء الذين لا يعرفونها جيدا يكتفون بالقول' ديلما..أنها المرأة التي يريد الرئيس ان نصوت لها' برنامج صفر الجوع صفر الجوع برنامج يعكس اسمه الهدف منه, ففي عام2004 أطلق الرئيس البرازيلي لولا دي سيلفا ما يعرف ببرنامج' دعم الأسرة' والذي يقضي بمنح الأسر المعدمة دعما ماليا في مقابل التعليم والرعاية الصحية للأطفال وقد بلغ عدد المستفيدين منه الآن ما يقرب من12.6 أسرة بما يعادل50 مليون برازيلي. البرنامج لا يقتصر علي الدعم المادي الذي يختلف من أسرة الي أخري ومن دخل الي آخر بل يتضمن أيضا توزيع كوبونات علي الأسر الفقيرة لزيادة حصتهم من الغذاء لكن بصورة تحقق دفعة للتجارة الداخلية بالأقاليم الأكثر فقرا خاصة الشمالية, فحتي تحصل علي الدعم يشترط ان توفر احتياجاتك من الأسر الزراعية المنتجة ومن ناحية أخري يحصل المزارعون علي قروض لتوفير ما يحتاجونه لزراعتهم في نفس الوقت الذي يحق لهم أيضا الاستفادة من برامج الري و توصيل المياه والكهرباء وهو ما يعرف بخطة الإنارة للجميع. وفي نفس إطار هذا البرنامج الاصلاحي الاجتماعي حرصت الحكومة علي تطبيق قرار بزيادة الحد الأدني للأجور سنويا حتي ارتفع متوسط دخل27 مليون عامل و18.5مليون شخص من أصحاب المعاشات. من هي ديلما سؤال استنكاري طرحه المحلل السياسي لأكبر جريدة يومية' فولها دي ساو بولو' في تلميح صريح الي ما أصاب ديلما من تغييرات شكلية وايديولوجية خلال الحملة الانتخابية. ويقال ان ديلما قد تغيرت تماما عما كانت عليه من قبل, فحتي وقت قريب كانوا يلقبونها بالمراة القاسية اوالمرأة الحديدية التي تفقد أعصابها ويخرج البعض من زائريها بعيون حمراء من جراء ما يتعرضون له من كلمات جارحة مهينة, هكذا كان يخشاها الجميع فهي كما يصفها البعض لا تقبل بأنصاف الحلول أو التراخي في العمل, فهي المسئولة من قبل الرئيس عن برنامج دفع التنمية الذي يهدف الي تعويض التأخير في مشروعات البنية التحية. شعار حملتها الانتخابية' حتي تستمر البرازيل في التغيير' يوجز برنامجها لانتخابات الرئاسة, فهل ستتمكن ديلما التي يعلق عليها الرئيس لولا أمالا عريضة لاستكمال ما بدأه من إصلاحات من الوقوف إمام هذه الحملة الشرسة من جانب رجال الدين والكنيسة خاصة أنها في المقابل تحظي بتأييد الطبقة المثقفة التي قررت ان تقف هذه المرة الي جانبها ضد ما تتعرض له من انتهاكات علي خلفية معتقداتها الدينية وتاريخها في النضال ضد الديكتاتورية في البرازيل في مواجهة منافس قرر ان يرفع شعارات دينية جوفاء للخلط بين الدين والسياسة لعله يحصد بذلك أصوات ال20% الذين صوتوا في الجولة الاولي لمرشحة حزب الخضر مارينا سيلفا.