فيما ينعق يوم الفتنة والتفريق بين المصريين, وفيما يتخذ من وسائل إعلام يفترض أنها حريصة علي مصريتها وعلي مصر, ومن فضائيات يتعين أن نسأل من أين يأتي تمويلها. وان نسأل عمن يحركها ويديرها كي تستدير لتواجه الوطن وتوجه نيرانها الي صدره, وفيما تتوالي ممارسات رسمية وشعبية تواصل ذات الأخطاء القديمة, لا نجد إلا أن نرد علي هؤلاء جميعا بمواقف أفضل, وممارسات أكثر عقلا وأكثر احتراما والتزاما بصحيح الدين. وهي مواقف تكتسب عطرها وتألقها من أن مصدرها هم المسلمون الأوائل الذين صاحبوا زمن الرسول والرسالة ونهجوا نهجها ثم من هؤلاء الاقرب إليهم زمانا والتزاما بصحيح الإسلام. ونبدأ بعمرو بن العاص الذي ما أن وطأت قدماه أرض مصر حتي استدعي بطريرك الاقباط من المكان الذي كان يختبئ فيه هاربا من عسف الرومان. وعاد الانبا بنيامين معززا مكرما. ويتحدث جورجي زيدان في كتابه القيم تاريخ مصر القديم عن أقباط مصر في هذه الأيام قائلا فازداد الأقباط ميلا للمسلمين ولاسيما لما رأوهم يفتحون لهم الصدور ويبيحون لهم إقامة الكنائس والمعابد في وسط الفسطاط, بل في وسط خيام جيش الإسلام, علي حين أنه لم يكن للمسلمين بعد مسجد يصلون فيه فكانوا يصلون ويخطبون في الخلاء حتي عمد عمرو بن العاص الي بناء جامع قرب حصن بابل[ الجزء الأول ص93] وهكذا وفي أحضان عديد من الكنائس المتجاورة بني عمرو بن العاص مسجده ليس من أجل المكايدة كما يفعل البعض في أيامنا المريرة المذاق وإنما من أجل إظهار التآخي بين المسلمين والأقباط. ونعود إلي جورجي زيدان لنقرأ وصفا لهذا المجمع الديني المثير للدهشة يقول فإذا تجاوزت جامع عمرو بن العاص مسافة بضع دقائق رأيت علي يسارك بناء كبيرا يظهر أنه مؤلف من عدة أبنية عليها ملامح الشيخوخة, ثم باب قديم مصفح بالحديد الغليظ هو أحد أبواب الحصن, ثم أزقة كثيرة تستطرق الي عدة كنائس قبطية منها كنيسة العذراء وكنيسة أبي مسرجة وكنيسة ماري جرجس وكنيسة القديسة بربارة وكنيس اليهود[ ص90] ونتجه بقراءتنا الي كتاب آخر هو العرب النصاري للأستاذ حسين العودات ونقرأ معا احترم الإسلام أيام الرسول والخلفاء الراشدين حرية الفكر والمعتقد لأهل الكتاب انطلاقا من الآية الكريمة لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي[ البقرة256] وقد حرص الرسول في كتابه لأهل أيله أن يعاهدهم ألا يفتتن أسقف عن أسقفيته وجاء في وصية أبي بكر للجيوش العربية قوله: وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع. فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له[ الطبري الجزء الأول ص185] كذلك فان سماح الرسول لوفد نجران النصراني بالصلاة في المسجد, هو اعتراف واضح بمبدأ حرية المعتقد. وقد جاء في النص الذي أورده ابن العبري لمعاهدة نجران التي أبرمها الرسول: أنه إذا وجدت امرأة نصرانية في بيت مسلم فليس له أن يحملها علي ترك دينها, ولايمنع صيامها وإقامة صلاتها والتقيد بقواعد عقيدتها. وعندما صالح أبو عبيدة أهل دمشق تعهد لهم أن يترك كنائسها وبيعهم دون مساس وصدق عمر بن الخطاب علي هذه الاتفاقية وأضاف علي تصديقه مؤكدا ووف لهم بشرطهم الذي شرطت لهم في جميع ما أعطيتهم, وأما إخراج الصلبان أيام عيدهم فلا تمنعهم من ذلك. كما تعهد خالد بن الوليد لأهل عانات ألا يهدم له بيعة ولاكنيسة وأن لهم أن يضربوا نواقيسهم في أي ساعة شاءوا من ليل أو نهار إلا في أوقات الصلوات, وأن لهم أن يخرجوا الصلبان في أيام عيدهم. وجاء في صلح عمر من أهالي القدس: إنه أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم, وأنه لاتسكن كنائسهم وتهدم ولا ينقص منها ولا من حيزها ولا من صليبهم ولايكرهون علي دينهم[ الطبري المرجع السابق ص240] وعندما زار عمر بن الخطاب كنيسة القيامة كان وقت الصلاة قد حان فدعاه البطريرك إلي الصلاة في الكنيسة فرفض قائلا: إن كنيسة صلي فيها عمر بن الخطاب سوف تصبح يوما ما ملكا للمسلمين وأنه لايريد نزعها من يد النصاري[ المقريزي الجزء الرابع ص349] ويمضي حسين العودات في كتابه القيم والممتع ليقول وكان نصاري شبه جزيرة العرب يمارسون جميع المهن التي يريدونها أيام الرسول بما في ذلك مهنة التعليم علي خطورتها فقد كان معظم المدرسين في المدينة من النصاري ويذكر أن جفينة الذي كان يعلم الخط هو أحد نصاري الحيرة[ ص81] ويقول وفي أيام معاوية كانت الكنائس مزدهرة الي درجة أن ابن قتيبة كتب في عيون الاخبار يقول كان ضجيج أجراس الكنائس يقطع علي هذا الخليفة المتقدم في السن قيلولة يحتاج اليها, لكنه أمر مشددا بعدم طلب إسكاتها[ ص91] وكثيرا جدا ما تولي النصاري في ظل الدولة الإسلامية الأولي مناصب مهمة فقد تولي كثيرون منهم وزارات وقيادة جيوش وكانوا حكام مناطق ورؤساء إدارات وقد عين معاوية بن سفيان آل سرجون النصاري في وظائف مهمة فوالد يوحنا الدمشقي منصور بن سرجون كان وزيرا, ويوحنا نفسه عين مربيا ليزيد بن معاوية ولغيره من أبناء الخلفاء وبقي في منصبه حتي خلافة هشام بن عبد الملك. وكانت إحدي زوجات معاوية نصرانية وهي ميسوق الكلبية من بني كلب, وكان طبيبه الخاص نصرانيا هو ابن آثال ثم عينه واليا علي ولاية حمص, وكان شاعر البلاط في عهده الأخطل الشاعر المسيحي الشهير وكان يدخل علي الخليفة وقد علق صليبا كبيرا علي صدره. وعين المأمون نصرانيا عاملا له لجمع الخراج في مدينة بدره, وكان التقليد أن يلتزم صاحب هذا المنصب بحضور صلاة الجمعة بالمسجد الجامع فآناب عليه أمين سره في ذلك, كما عين اسطفان بن يعقوب مشرفا علي خزانة الخليفة[ ص105] والآن ما رأيكم أيها المتطرفون ويا أيها البوم الناعق بالفتنة, وما رأي رجال الدين الإسلامي ولم لا يتحدث الكثير منهم بما كان في الزمن الأول لعله يكون لقولهم هذا أثر في إزالة الغشاوة عن عقول كثيرة.