أنا مهندس أعمل بشركة اتصالات عالمية وابلغ من العمر27 سنة, ولي أخت تكبرني بعام واحد, ورحلت والدتي وتركتني في سن12 سنة وكنت حينئذ مقبلا علي الشهادة الاعدادية. واختي مقبلة علي الثانوية العامة, اثنان في سن الزهور يواجهان شبح المستقبل بعد فقدهما امهما التي كانت بمثابة المنار الذي ينير لهما طريقهما, ولكيلا أطيل عليك فقد تحول أبي الموظف بأحد البنوك في محافظة الجيزة ونحن نقطن بمصر الجديدة الي أب وام في الوقت نفسه.. حيث يؤدي عمله بالنهار وفي الليل يقوم بالوظائف المنزلية من طبخ وقهوة وشاي لنا بالليل حتي نتفرغ للمذاكرة, وانتهينا أنا وأختي من مرحلة الثانوية بنجاح والتحقت أختي بكلية التجارة القسم الانجليزي بجامعة الزقازيق, وكان والدي يبدأ يومه من الساعة الرابعة لكي يوقظها ويذهب بها الي محطة مصر لتركب قطار السادسة الا الربع ويبقي واقفا علي قدميه لكي يوقظني عن طريق التليفون ذات العملات للذهاب الي المدرسة.. ويتوجه بعد ذلك الي عمله بالجيزة ليعود الي المنزل مكملا واجبه المقدس. لم يتوان يوما عن طلب لاحدانا, والآن انا اشغل منصبا مرموقا بشركتي بعد حصولي علي بكالوريوس هندسة الاتصالات جامعة عين شمس, واختي تدرس شهادة الماجستير الدولية للإدارة بفرنسا. إنها قصة كفاح, وأذكر كل الشباب أن يبروا آباءهم وامهاتهم.. فنحن نتمني لحظة واحدة نقبل فيها يدي أمي.. وكم تمنيت أن اكرم أبي في حياته فلا تبخل علي رجل حرمته الدنيا من الزوجة وهو في سن الشباب, وعاش راهبا لا ينتظر ابدا ولكنه يعطي بسخاء, أقول لا تبخل عليه بكلمة له ولأمثاله, ولا استطيع أن اكتب سوي هذه الخواطر ضعيفة اللغة شديدة المشاعر لابي, فأقول عندما ضاقت الدنيا علي كنت انت رحابها, وحين اظلمت في وجهي كنت أنت ضياءها حسبت شبابك في شبابي, ونظرتني علي مر السنين ترويني يا ابي بحنانك وكنت لي نعم المعين, عجبت من ابوتك يا رجل فما كانت بأبوة قاسية حباها الله بلطف الأمومة, فكانت ابوتك حانية.. أمينا علي في صغري وشبابي وانت بالحقيقة أمين, وايضا دمعة رأيتها في عينيك في فرحي ونجاحي وانيني سالت لتروي عطش بنوتي وتشاركني انسي ووحدتي وحنيني, تراني دوما طفلك الصغير وتذكر دائما يوم مولدي, كثيرا اتكأت رأسي علي كتفك وكنت أجد موضع راحتي.. رعاك الله وحفظك لي, ولكل من سأل فيض عطائك ادعوه أن ينقص من عمري ويعطيك فما وفاء رأيته إلا وفاؤك أمين علي في صغري وشبابي وانت بالحقيقة أمين. * تلقيت هذه الرسالة من المهندس بيتر أمين فهمي, وهي الوجه الآخر لرسالة الإرادة الحديدية للسيدة التي كافحت بكل ما أوتيت من صبر وعزيمة حتي أصبح ابناؤها في مكانة رفيعة, وما فعله هذا الأب الإنسان مع أبنائه يؤكد أنه نموذج فريد للآباء الذين يؤثرون أبناءهم علي كل شيء في حياتهم, وليت ما فعله يكون درسا لكل الآباء الذين يواجهون ظروفا مماثلة بأن يعلموا أن لديهم رسالة سامية, هي تربية أبنائهم والأخذ بأيديهم الي بر الأمان.. وعلي الأبناء أن يبروهم, فهكذا يتحقق التواصل وتسود المودة بين الجميع.