الذين يزورون اليمن خلال سنوات الصراع الحالية للمرة الأولي, يدهشهم جدا انتظام دورة الحياة في العاصمة صنعاء بشكل طبيعي, وكأنها عاصمة لدولة أخري. غير تلك الدولة التي تفجر الصراع مع الحوثيين في شمالها ومع الانفصاليين في جنوبها, ومع تنظيم القاعدة الذي يضرب في مناطق كثيرة. ويستطيع الزائر أن يري قوة التأثير القبلي أينما توجه, فالقبيلة لا الحزب هي العمود الفقري للحياة في اليمن, ومن يقضي فترة أطول في اليمن سيدرك أهمية السلاح بالنسبة للناس, بسهولة يمكنه أن يستنتج أن أي سلطة لن تستطيع منع القات أو الحد من حمل وحيازة الأسلحة. واذا ما تجول وحاور الناس فسيتبين ارتفاع معدلات كراهية أمريكا ولأسباب تراها معظم القبائل موضوعية, منها, النتائج التي تسفر عنها الغارات الجوية الأمريكية بما في ذلك الطائرات بدون طيارين, فهذه الغارات التي تستهدف مطاردة إرهابيي تنظيم القاعدة, كثيرا تسفر عن سقوط ضحايا هنا وهناك. وهناك دائما بالساحة اليمنية اتهام للنظام بالتعاون مع الأمريكيين, وتقديم التسهيلات لهم, وبما يعني تحميله مسئولية كل الخسائر التي تلحق بالقبائل من جراء القصف الجوي الأمريكي. وفي مثل هذا المناخ ينشط دعاة القاعدة بين القبائل مستغلين السخط الشعبي ومشاعر الغضب للمطالبة بعدم مساعدة الظلم والظالمين. ومنذ وصل التنظيم الي اليمن, عمل علي استغلال الأوضاع والظروف لتثبيت أقدامه سعيا وراء إنشاء نقطة ارتكاز ومركز قيادة بديل لكل من أفغانستان وباكستان, وتعد اليمن اختيارا ملائما, فالدولة التي تقع في أقصي الجنوب الغربي لكل من شبه الجزيرة العربية وقارة اسيا ككل تطل علي البحر الأحمر, وتتحكم بمضيق عدن وعلي بحر العرب والمحيط الهندي وشرق إفريقيا, كما أن لها حدودا مشتركة مع كل من المملكة العربية السعودية وعمان, وهذه المناطق تعد مسارح نشاط رئيسية في إطار استراتيجية التنظيم, فالسعودية هدف محوري ومهم, أما الصومال والسودان فدولتان تحتاجان الي المساعدة, واذا ما تمكنت القاعدة من السيطرة علي باب المندب وتحكمت بالملاحة من والي البحر الأحمر, فإن ذلك يوفر لها امكانات هائلة للتأثير في الأحداث. وهذه الأهداف تتفق والأطماع الاستراتيجية لإيران ومخططات التوسع وبسط النفوذ, والعامل المهم أو الأكثر أهمية أن تضاريس اليمن تعد الأنسب لتوفير الحماية والقدرة علي المقاومة والمناورة, ويبقي موقف اليمنيين والقبائل اليمنية, والذي سيتوقف عليه بشكل أساسي مدي النجاح الممكن تحقيقه. وفي ظل الغضب والسخط المتنامي ضد النظام وأمريكا يتوفر نظريا مناخ موائم لنشاط القاعدة, ولكن الأمر ليس بهذه البساطة, فالأغلبية الشيعية لن تتعاون مع منظمة سنية, كما أن الانحياز لأي قوة معادية للسعودية لايمكن أن يمضي دون أن يترك تأثيرا سلبيا علي علاقات القبائل بالمملكة, وخلال الفترة الماضية عبرت المملكة عن استيائها, وأوقفت مساعداتها لعدد من القبائل التي تعاونت مع القاعدة, كما أن المملكة كشرت عن أنيابها عندما حاول الحوثيون اختبار الصبر السعودي, ولم يتوقف الأمر عند حدود العمليات العسكرية السعودية ضد الاجتراء الحوثي, بل كثفت تعاونها مع السلطات اليمنية وعملت علي دعم جهودها ضد المنظمة الإرهابية والقوي الحوثية المتمردة, ومن المعروف أن للمال تأثيرا قويا علي القبائل اليمنية. وقد استخدم تنظيم القاعدة المال لشراء قبول القبائل لوجوده في مناطق نفوذهم, وخلال الأشهر الأخيرة بدأ التنظيم يعاني من نقص الموارد, لذا فقد الكثير من قدرته علي التأثير في القبائل, وفي نفس الوقت دخلت السعودية الساحة ونشطت صنعاء في هذا المجال, ومع ذلك فمازال التنظيم متمسكا بأهدافه, ويواصل عملياته باليمن, وكلما ضيقت السلطات عليه الخناق في منطقة ما, نقل نشاطه الي منطقة أخري, وعلي سبيل المثال, فقد تمكن التنظيم من نقل نشاطه من الشرق الي الجنوب, وامعانا في تحدي النظام هاجم مقر التنظيم جهاز المخابرات بالرغم من الحماية القوية يوم19 يونيو الماضي. وتواصل السلطات تنفيذ خطة مواجهة القاعدة, كما أنها تستعد لاحتمالات خوض الحرب السابعة مع المتمردين الحوثيين الذين اختاروا المظلة الإيرانية في منطقة صعدة, وبالرغم من الاتفاق الذي أوقف نيران الحرب السادسة, فإن التمرد لم يتوقف, وكان واضحا أن الحوثيين وافقوا علي وقف النيران لتجنب القادم الأسوأ علي ضوء انطلاق القوات السعودية للعمل دفاعا عن أراضي المملكة التي تعرضت للانتهاك, واقتراب القوات اليمنية من اختراق الخطوط الأخيرة للمواقع الدفاعية الحوثية. والمتابعون للصراع الدائر باليمن, توقعوا أو فلنقل توقع معظمهم أن يحسم الرئيس علي عبدالله صالح الصراع مع القوي الثلاث أو علي الأقل مع الحوثيين والجنوبيين بصورة أسرع, فالقوات اليمنية خاصة قوات الحرس الجمهوري التي يقودها ابنه مدربة جيدا, كما أن الترسانة العسكرية لا تشكو نقصا, ولكن هذا الحسم المتوقع لم يحدث, بل امتد الصراع مع الحوثيين طويلا, كما أن المواجهة مع الجماعات الانفصالية الجنوبية, كانت تتطلب عملا سياسيا بأكثر مما تتطلب مواجهة عسكرية, فالجنوب يشكو بصفة أساسية من عدم العدالة في توزيع عوائد الدولة المالية وخطط التنمية في حين أن البترول يتدفق بالجنوب, واذا كانت الشكوي في اليمن من ممارسات النظام وأسلوبه في الأداء وإدارة الصراع عامة, فإنها في الجنوب أكثر حدة. وبما أن النظام يملك الوسائل والامكانات التي تؤهله لحسم الصراعات الدائرة مع الحوثيين والجنوبيين, ومع ذلك توالت السنوات وايقاع المواجهات لم يتغير, لذا استنتج البعض أن النظام حريص علي بقاء الأوضاع كما هي, لأنه يري فيها العامل أو العوامل الأهم للبقاء, فالولاياتالمتحدة والسعودية بصفة خاصة تدركان خطورة أهداف تنظيم القاعدة والتمرد الحوثي, وتريان أنهما أدوات فعالة في قبضة النظام الإيراني وحلفائه خلال المرحلة الحالية, لذا تتحركان بقوة لمحاربة الإرهاب وللحيلولة دون استقرار القاعدة في اليمن, بل وتعملان علي توفير متطلبات التنمية الاقتصادية والمواجهة العسكرية في نفس الوقت, فإن الدول الأوروبية ومعظم دول منطقة الشرق الأوسط تشارك الولاياتالمتحدة والسعودية المخاوف, لذا تتخذ موقفا مساندا. وحتي الآن لم يصدر عن النظام ما ينفي الاستنتاجات الخاصة بأسلوبه في إدارة الصراع.