"من 4 إلى 9 سنين".. تعرف على سن التقدم للمدارس اليابانية والشروط الواجب توافرها (تفاصيل)    بحضور وكيل مديرية الشباب.. "معزة" جائزة أحسن مشجع بدورة رياضية بالمنيا    جداول امتحانات الفصل الدراسي الثاني ببني سويف    الفيومي: قرار زيادة حدود السحب النقدي خطوة لتعزيز الشمول المالي ودعم الاقتصاد    هانى سرى الدين: نحتاج وضع خطة ترويجية لتحسين المنتج العقاري ليكون قابلًا للتصدير    دفاع الشيوخ: الأمن القومي أولوية قصوى وفي مقدمة اهتمامات الرئيس    وزارة النقل العراقية توضح حقيقة فيديو الكلاب الشاردة في مطار بغداد الدولي    أنشيلوتى: لدى ثقة فى اللاعبين وسنكون الأبطال غدا أمام السيتى    أردوغان يحمل نتنياهو مسؤولية الهجوم الإيراني على إسرائيل    الأهلي يهزم الزمالك للمرة الثالثة على التوالي في نهائي السوبر الإفريقي    لجنة متابعة إجراءات عوامل الأمن والسلامة لحمامات السباحة تزور نادي كفر الشيخ الرياضي    تحت رعاية ابدأ.. انطلاق النسخة الثالثة من المعرض الدولي "إديوتك إيجيبت"    شاهد مرافعة النيابة أمام المحكمة فى قضية سائق أوبر المتهم بواقعة حبيبة الشماع    محافظ دمياط تناقش استعدادات مدينة رأس البر لاستقبال شم النسيم وموسم صيف 2024    أحمد عبد العزيز يحضر عزاء الراحلة شيرين سيف النصر بالحامدية الشاذلية    «مكنتش حابب».. حمادة هلال يكشف مفاجأة عن دور نجله بالمداح    خبير تغذية يحذر من هذه العادات: تزيد الوزن "فيديو"    برلمانية: التصديق على قانون «رعاية المسنين» يؤكد اهتمام الرئيس بكل طوائف المجتمع    للمرة الثالثة على التوالى.. نوران جوهر تتوج ببطولة بلاك بول الدولية للإسكواش    برلماني: خروج محافظة قنا من التأمين الصحي الشامل أمر غير مقبول    التخطيط: توجية استثمارات بقيمة 4,4 مليار جنيه لقطاع الإسكان بالقليوبية    شولتس يعلن اتفاقه مع شي على التنسيق بشأن مؤتمر السلام الخاص بأوكرانيا    إصابة فني تكييف إثر سقوطه من علو بالعجوزة    ضبط 7300 عبوة ألعاب نارية في الفيوم    فوز العهد اللبناني على النهضة العماني بذهاب نهائي كأس الاتحاد الآسيوي    إسلام أسامة يحصد فضية بطولة العالم للسلاح للشباب (صور)    أحمد حسام ميدو يكشف عن أكثر شخصية جاذبة للستات    أفلام كان وإدفا في الإسكندرية للفيلم القصير.. القائمة الكاملة لمسابقات الدورة العاشرة    برلماني عن المثلية في المدارس الألمانية: "بعت للوزارة ومردتش عليا" (فيديو)    خالد الجندي: نشكر «المتحدة» على برامجها ونقل الفعاليات الدينية في رمضان    فانتازي يلا كورة.. دفاع إيفرتون يتسلح بجوديسون بارك في الجولة المزدوجة    بالشيكولاتة.. رئيس جامعة الأزهر يحفز العاملين بعد عودتهم من إجازة العيد.. صور    بعد إصابة 50 شخصًا في أعينهم.. ضبط 8 آلاف قطعة ألعاب نارية قبل بيعها بسوهاج    أوبل تستبدل كروس لاند بفرونتيرا الجديدة    الخميس.. "بأم عيني 1948" عرض فلسطيني في ضيافة الهناجر    عالم بالأوقاف: يوضح معني قول الله" كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ"؟    بعد انتهاء إجازة العيد.. مواعيد غلق المحلات والمطاعم والكافيهات 2024    وزير الأوقاف يكرِّم شركاء النجاح من الأئمة والواعظات ومديري العموم    بعد تحذيرات العاصفة الترابية..دعاء الرياح والعواصف    الحرية المصري يشيد بدور التحالف الوطني للعمل الأهلي في دعم المواطنين بغزة    وزير التعليم: مد سن الخدمة للمُعلمين| خاص    سلوفاكيا تعارض انضمام أوكرانيا لحلف الناتو    هل يجوز العلاج في درجة تأمينية أعلى؟.. ضوابط علاج المؤمن عليه في التأمينات الاجتماعية    توقعات برج الدلو في النصف الثاني من أبريل 2024: فرص غير متوقعة للحب    توفير 319.1 ألف فرصة عمل.. مدبولي يتابع المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر    طلبها «سائق أوبر» المتهم في قضية حبيبة الشماع.. ما هي البشعة وما حكمها الشرعي؟    ناقد رياضي يوضح أسباب هزيمة النادي الأهلى أمام الزمالك في مباراة القمة    مؤتمر كين: ندرك مدى خطورة أرسنال.. وتعلمنا دروس لقاء الذهاب    مستشار المفتي من سنغافورة: القيادة السياسية واجهت التحديات بحكمة وعقلانية.. ونصدر 1.5 مليون فتوى سنويا ب 12 لغة    بعد التحذير الرسمي من المضادات الحيوية.. ما مخاطر «الجائحة الصامتة»؟    "التعليم" تخاطب المديريات بشأن المراجعات المجانية للطلاب.. و4 إجراءات للتنظيم (تفاصيل)    رئيس جهاز العبور يتفقد مشروع التغذية الكهربائية لعددٍ من الموزعات بالشيخ زايد    المؤبد لمتهم و10 سنوات لآخر بتهمة الإتجار بالمخدرات ومقاومة السلطات بسوهاج    بضربة شوية.. مقتل منجد في مشاجرة الجيران بسوهاج    ميكنة الصيدليات.. "الرعاية الصحية" تعلن خارطة طريق عملها لعام 2024    «لا تتركوا منازلكم».. تحذير ل5 فئات من الخروج خلال ساعات بسبب الطقس السيئ    دعاء السفر قصير: اللهم أنت الصاحبُ في السفرِ    بعد نحو عام من الصراع.. مؤتمر باريس يجمع 2 مليار يورو للسودان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لعلكم تتفكرون
نشر في الأهرام اليومي يوم 16 - 10 - 2010

نوعية لها خصوصيتها بين البشر‏..‏ جماعة مختارة اختارت بكامل إرادتها الطريق الصعب‏..‏ ناس غير الناس الذين يسدون عين الشمس‏.. أسماء من نور حفرت علي جدران التاريخ الإنساني غيرت مفاهيم ورؤي التاريخ الإنساني‏..‏ قلاع فكر كانت بمثابة رياحين الحياة القفر‏,‏ وغيث الخصوبة في أزمنة الجدب‏..‏ صنف مخه نظيف وقلبه نظيف وضميره نظيف وقع عليه اختيار سمو الإنسانية لينظف للقادمين من بعده سكة التفكير النظيف‏..‏ بشر لا يؤثر الراحة ولا الاستراحة‏,‏ فالفكر مشغول بقضيته‏,‏ يدافع عنها حتي الرمق الأخير‏,‏ بصرف النظر عما سيلاقي من عنت‏,‏ وما يوصله تشبثه بوجهة نظره إلي نهايات الجحيم‏...‏ حياة علي حد السكين وموت من آثار طعنات السكين‏,‏ في الظهر والوجه والعقل والقلب‏,‏ فالحقيقة مهرها غال تطير من أجل عيونها الرقاب‏,‏ ويكبل المغرم بها بالأصفاد‏,‏ فتحفرها أظافر العشق إن لم يكن علي صفحات كتاب فعلي جدران الزنازين‏..‏ الحقيقة التي خاطر من أجلها كبار المفكرين في سبيل رؤية وجهها الكريم ومعانقتها ولو للحظة خاطفة‏,‏ بعدها مرحبا بالموت الذي سيموت معه العالم القديم بفكره القديم‏,‏ وينبثق العالم الجديد علي أنقاض التضحيات الجسام‏..‏
والفكر دعوة من الله سبحانه وتعالي‏..‏ الذي خلق لنا آلة للتفكير فلم نستخدمها كثيرا‏,‏ واكتفي أكثرنا بالتلقين دون تفكير‏,‏ واستخدم بعضنا التفكير داخل جدران التلقين‏,‏ فالحلول أمامهم جاهزة سلفا وما عليهم سوي اختيار أي منها‏..‏ ولم يعملوا بقول الرسول صلي الله عليه وسلم لا عبادة كتفكر لأن التفكر إذا أدي إلي معرفة الحقيقة فقد أصبح بمثابة العبادة‏..‏ وفي آيات الله البينات الدعوة المفتوحة للتفكر وإعمال العقل‏..‏ قال تعالي في سورة الروم أو لم يتفكروا في أنفسهم‏..‏ وفي سورة البقرة كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون‏..‏ وفي سورة سبأ أن تقوموا لله مثني وفرادي ثم تتفكروا‏..‏ وفي سورة الأنعام قل هل يستوي الأعمي والبصير أفلا تتفكرون‏..‏ وفي سورة يونس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون‏..‏ وفي سورة آل عمران‏...‏ الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلي جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض‏..‏ وفي سورة الأعراف فاقصص القصص لعلهم يتفكرون‏..‏ وفي سورة النمل وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون‏..‏ وفي سورة الحشر وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون‏..‏ وهكذا الدعوة الإلهية للفكر‏..‏ ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله التي سلحتنا بسلاح الفكر تدعوه لتجدده ليتسع ويرتفع لإدراك طرف من أسرار المعجزات من حولنا‏..‏
علي مدي التاريخ دفع المفكرون ضريبة الفكر للخروج عن الموات المألوف‏,‏ وكانت المعاناة واحدة في الشرق والغرب‏,‏ وكأن الجلاد واحد متوالد‏,‏ والاتهام واحد ممتد‏,‏ والعقاب واحد محفور في لوح محفوظ بجميع لغات الأرض لا مهرب منه لعربي ولا عجمي ولا أوروبي‏....‏ أول شهيد في تاريخ الفكر الغربي منذ ألفين وخمسمائة عام كان سقراط الذي فضل تجرع السم الزعاف من أجل الحقيقة‏,‏ وكان بإمكانه الفرار من وجه السلطة الغاشمة استجابة لإلحاح الحواريين والأصدقاء‏,‏ لكنه فضل أن يدفع ثمن أفكاره فقام بعزاء تلامذته بقوله‏:‏ أمروا بقتلي‏,‏ ولكن هل يستطيعون قتل حقيقتي أو تشويه سمعتي؟‏!...‏ ومن بعد سقراط نال أفلاطون من القهر الكثير في جزيرة صقلية من أجل رؤيته المستقبلية وجمهوريته الفاضلة‏..‏ ومن بعده أرسطو الذي تسلل خارجا من أثينا تحت جنح الظلام وفي جعبته نور فكره الذي كشف بوضوحه قوي الظلام ليقول‏:‏ لن أدعهم يرتكبون جريمة أخري في حق الفلسفة من بعد قتلهم سقراط‏..‏ وعلي خط النار عاش الفيلسوف ديكارت الأمل الوحيد المتبقي لتجديد الفلسفة وتنوير البشرية الأوروبية بعد وفاة المفكر فرانسيس بيكون‏.‏ عاش مهددا قلقا أرقا لا يهدأ له بال ولا جوار يغير محل إقامته بين يوم وآخر ولا يعطي عنوانه الجديد لأحد تخوفا من عيون الرقابة المتابعة لحركاته وسكناته واتصالاته‏.‏ لكن أقدام العسس سرعان ما وصلت إليه وخلصت عليه‏,‏ لتعلو الضجة بعنوان مبهم يقول الموت المشبوه والغامض لرينيه ديكارت‏,‏ وراح الجدع في شربة ميه لكن فكره الفلسفي المتجدد وقف في زور الباطش لم يستطع ابتلاعه‏!..‏ ويقطع المفكر جان جاك روسو مرحلة شرخ الشباب في سلام ودعة‏,‏ ولا يلتقي بقسوة الاضطهاد والترصد إلا في النصف الثاني من حياته‏,‏ حيث أوصلته الملاحقات المتعسفة إلي مراحل الجنون لتدفع به وقد فقد توازنه للهيام وحيدا في الطرقات صارخا يا أهل الأرض‏..‏ أصبحت وحيدا بلا أخ أو قريب أو صديق‏..‏ أصبحت شجرة بلا ظل ولا رابطة ولا أهل ولا دعوة تجمعني بجمع‏..‏ تركوني لنفسي أكلم نفسي في عزلتي المفروضة علي داخل حلقة المحظورات والمحاذير‏..‏ محظور أن أخاطب أحدا أو يخاطبني هذا الأحد‏..‏ محظور التواصل مع أي شخص كان‏..‏ محظور أن أمد يدي بالسلام ومحظور تلقي السلام‏.‏ محظور الحب والجدل والرأي والخصام والأستذة والتلمذة‏..‏ محظور الهواء وشمس النهار ونور القمر‏..‏ محظور خطوة واحدة خارج دائرة المؤامرة الجهنمية‏!.‏
ولم يهنأ الفيلسوف المتعقل إيمانويل كانط طويلا بالريشة التي كانت علي رأسه وحده‏,‏ فقد أشار إليه أصبع الاتهام التليد بتهمة الهرطقة وإفساد الشباب بأفكاره الهدامة التي تحيد بالنشء عن الصراط المستقيم‏,‏ وأتي رد كانط بوعد قاطع بإغلاق فمه بالضبة والمفتاح مادام حيا‏..‏ وانصاع الفيلسوف لوعده طويلا حتي ارتفع سقف الحرية بوفاة الإمبراطور فريدريك هيوم الثاني صديق الأصوليين‏,‏ عندها عاد كانط ليصالح بأفكاره بين الدين والعقل‏,‏ أو الدين ضمن حدود العقل فقط‏....‏ وفي طابور المفكرين الذين نالهم الاضطهاد بحكم عقولهم المتطورة كان هيجل الذي عاش يعاني من التوجس والريبة ومن أين تأتيه المصيبة‏,‏ فقد ظل طوال الوقت تحت مجهر مراقبة السلطة المستبدة‏,‏ إلي جانب تعقبه من الأصوليين المسيحيين‏,‏ ومن هنا كانت نصائحه للأهل والزوجة والأصدقاء أن تكون خطاباتهم روتينية لا تضم سطورها سوي السلام والتحية والسؤال عن الصحة وأخبار الأنجال‏,‏ دون الدخول في أية موضوعات أخري تحتمل التأويل فقد تفسر بعض الكلمات علي سبيل الخطأ فتعطي مدلول المفرقعات التي حتما ستنفجر في وجهه وهو الذي حمل فلسفته ليقبلها ويضعها بعيدا جنب الحيط‏!‏
وفي تاريخ الاضطهاد الفكري علي الجانب العربي جاء الاتهام مرة بتهمة القرمطة التي وقع تحت طائلها الحسين بن منصور الحلاج المولود في مدينة شيراز عام‏858‏ م والمؤلف لتسعة وأربعين كتابا منها الساسة والخلفاء والأمراء ولم يبق الزمان من كتبه إلا علي كتابه الطوسين الذي قام بتأليفه في سجنه قبل إعدامه‏,‏ وكانت الدولة العباسية تعاني من خطر السقوط علي يد القرامطة فألقي القبض علي الحجاج عام‏913‏ م بعد مطاردة دامت سنتين ليعلق بالمقلوب في حبل ثلاثة أيام بلياليهم حتي انتهاء التحقيق معه الذي أثبت قرمطته‏,‏ فحكم عليه بالسجن في معتقل شيد خصيصا من أجله يسمح فيه للبعض بزيارته تحت عين المراقبة اليقظة‏,‏ وفي أثناء القحط والمجاعة وخطر الدولة الفاطمية وارتفاع الأسعار وتحطيم السجون وإحراق الجسور وعزل الخليفة العباسي مرتين في بغداد‏,‏ وجد الوزير حامد بن العباس أن قتل الحلاج قد يلقي الرعب في قلوب المعارضين داخلا وخارجا‏,‏ فقدم الحلاج كبش تضحية علي مذبح المحاكمة أمام محكمة لم يحضر جلستها أحد من الشافعية ولا من الحنابلة الذين كانوا خصوم الدولة وأنصار الحلاج‏,‏ وانتهي الأمر بالحكم بالإعدام علي الصورة التي نفذت في أسري القراطمة وجواسيسهم‏,‏ فضرب الحجاج ألف جلدة ثم قطعت أطرافه الأربعة‏,‏ وضربت عنقه‏,‏ ثم حملت رأسه إلي خراسان حيث بعض أصحابه‏..‏ وحدثت التوابع المتعارف عليها مع مؤلفات كل من يتجاسر ويكون مخالفا سواء للسلطة‏,‏ أو للفكر المتوارث المتعنت‏,‏ أو لطمس نور الحقيقة‏..‏ أحرقت جميع كتب الحلاج لتأتي النيران الحمقاء علي خلاصة جواهر العقل والقول‏,‏ وأخذ علي الوراقين عهد بعدم نسخها أو تداولها‏..‏ و‏..‏تحول الحلاج من زعيم صوفي إلي إمام بعد موته‏..‏ ثم إلي شهيد وقديس لينتشر صيته حتي غطي العالم الإسلامي كله من القرن الخامس حتي يومنا هذا‏..‏ وفي مطلع القرن العشرين يعيد المستشرق ماسينيون ذكر الحلاج عند زيارته لبغداد عام‏1908‏ في بعثة للآثار صور خلالها قبر الحلاج‏,‏ وكتب عن عبارته الشهيرة في سبيل الحقيقة ثم أعد رسالته للدكتوراه عنوانها عذاب الحلاج فنبه بذلك الباحثين في الشرق والغرب إلي أهميته الأدبية والفكرية والتاريخية‏,‏ كما نبههم من قبل المستشرق فيتزجرالد إلي الخيام وجمال رباعياته‏..‏ وبداية من الخمسينيات أصبح الحلاج رمز الشهيد الحر والزعيم المؤثر والنموذج الرفيع الذي ضحي بحياته من أجل مبادئه‏,‏ فكتب في رثائه كثير من الشعراء والأدباء منهم الشاعر عبدالوهاب البياتي‏,‏ والشاعر صلاح عبدالصبور في رائعته مأساة الحلاج‏..‏ ذلك المفكر المعذب الذي دخل دائرة العالمية عندما قامت المستشرقة الألمانية أنه ماري شيمل بتأليف كتابها عنه بالألمانية في عام‏1968‏ بعنوان الحلاج شهيد الحب الإلهي‏,‏ وتقوم أنه بتمثيل الدور النسائي في المسرحية الشعرية الإنجليزية موت الحلاج التي كتبها هربت ميسن أستاذ الأدب في جامعة هارفارد بأمريكا‏.‏
ومن أشعار الحلاج الشهيد الصوفي الذي مثل بجسده من بعد جز عنقه كالشاة في عيد الأضحية‏,‏ وحطمت أصابعه الكريمة جزاء كتابته عشرات الكتب ودواوين الشعر كواجهة ضخمة للحياة الروحية في الإسلام‏,‏ غالبيتها حرقت في بستانها‏,‏ من بعد حرق صاحبها‏,‏ ونثر رماده الطاهر فوق نهر دجلة المقدس الذي سكنت فوق هامته ذرات الشهيد نورا هاديا‏,‏ ونارا علي المستبد المفتري خانق الحرية وعدو الحقيقة وسارق الأمان‏:‏
عجبت منك ومنييا منية المتمني
أدنيتني منك حتي ظننت أنك أني
وغبت في الوجد حتيأفنيتني بك عني
يا نعمتي في حياتيوراحتي بعد دفني
مالي بغيرك أنسإذ كنت خوفي وأمني
يا من رياض معانيهقد حوت كل فن
وإن تمنيت شيئا فأنت كل التمني
وفي قصيدته لا غني عنك يقول‏:‏
إذا هجرت فمن لي؟ومن يجمل كلي
ومن لروحي وراحي‏,‏ يا أكثري وأقلي
أحبك البعض مني وقد ذهبت بكلي
يا كل كلي‏,‏ فكن ليإن لم تكن لي‏,‏ فمن لي؟
يا كل كلي وأهليعند انقطاعي وذلي
مالي سوي الروح خذهاوالروح جهد المقل
وجاء قول الحلاج حول النبي محمد صلي الله عليه وسلم في كتابه الطواسين أي الآيات وعددها اتنا عشر‏:‏
سراج من نور الغيب بدا وعاد وجاوز السرج وساد‏.‏ قمر تجلي من بين الأقمار‏.‏ سماه الحق أميا وحرميا ومكيا‏.‏ شرح صدره ورفع قدره وأوجب أمره وأظهر بدره وأشرق شمسه من ناحية تهامة‏,‏ وأضاء سراجه من معدن الكرامة‏...‏ هو سيد البرية‏,‏ الذي اسمه أحمد‏,‏ ونعته أوحد‏,‏ وأمره أوكد‏,‏ وذاته أجود‏,‏ وصفاته أمجد‏,‏ وهمته أفرد‏...‏ جوهره صفوي‏,‏ كلامه نبوي‏,‏ علمه علوي‏,‏ عبارته عربي‏,‏ قبلته لا مشرقي ولا مغربي‏,‏ رفيقه ربوي‏,‏ صاحبه أموي‏...‏ رفع الغمام‏,‏ وأشار إلي البيت الحرام‏,‏ هو التمام‏,‏ هو الهمام‏,‏ هو الذي أمر بكسر الأصنام‏,‏ هو الذي أرسل إلي الأنام‏...‏ العلوم كلها قطرة في بحره‏,‏ الحكم كلها غرفة من نهره‏,‏ الأزمان كلها ساعة من دهره‏...‏ ما عرفه عارف ألا جهل وصفه‏:‏ الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون‏.‏
وفي سلك المفكرين المجاهدين المهددين المضطهدين كان الفقيه المعذب تقي الله بن تيمية الذي ولد في مدينة حران بسوريا عام‏660‏ ه وعاش حياة متوترة من المعارك المتصلة حارب فيها بالقلم‏,‏ وباللسان‏,‏ وحتي بالسيف نفسه‏,‏ وكانت معاركه تهدأ في بعض الأحيان ولكنها لم تنقطع عنه قط‏,‏ وإن توقفت آثارها يؤججها هو من جديد من خلال رأي يخالف به ما ألفه الناس‏,‏ أو حملة يشنها علي ما يراه بدعة‏..‏ ابن تيمية الذي كان يشعر في أعماقه أنه مسئول عن إصلاح كل مظالم عصره ومفاسده‏,‏ ويا لها من مهمة‏,‏ ويا له من عصر‏..‏ حتي أن أمه عندما كانت تنهض وسط ليلها تجده عاكفا علي أوراقه فتنصحه مشفقة بأن يستريح فكان يذكرها بقول الإمام أحمد مع المحبرة حتي المقبرة‏..‏ في عصره كانت الدولة الإسلامية قد تمزقت إلي دويلات والتتار رغم هزيمتهم في عين جالوت قبل أن يولد ابن تيمية مازالوا يغيرون علي الشام‏,‏ والصليبيون مازالوا يحلمون بامتلاك أرض المسلمين‏..‏ عصر مليء بالفساد‏,‏ فيه الولاة يرتشون ويبطشون‏,‏ ومن العلماء من ينافقهم طمعا في العطاء‏,‏ ودور اللهو أكثر عددا من المدارس‏,‏ والمشعوذون المنتسبون إلي الصوفية يزعم بعضهم أنه قد اتحد مع الله فرفع عنه التكليف‏,‏ فلا ينهض لأداء أركان الإسلام‏,‏ فلا صلاة ولا زكاة ولا صيام‏,‏ بل استباحة المحرمات والحرمات وتعاطي الحشيش‏,‏ ويسخر ابن تيمية من المتصوفة الذين كانوا يسمون أنفسهم الفقراء بقوله علي لسانهم‏:‏
والله ما فقرنا اختيار وإنما فقرنا اضطرار
جماعة كلنا كسالي أكلنا ما له عيار
تسمع منا إذا اجتمعنا حقيقة كلها فشار بمعني فشر
ويمضي طلاب العلم الذين تحمسوا لابن تيمية يتغنون بأبياته في حلقات الذكر علي إيقاع أنغام الصوفية‏,‏ فاستخف الناس بالصوفية وطاردوهم بهذه الأبيات‏,‏ فذهبت جماعة منهم إلي السلطان بالقلعة يدعون علي ابن تيمية أنه ينكر في فتواه الاستغاثة بالرسول والتوسل إليه‏,‏ وعقدت المحاكمة ليدافع الشيخ عن نفسه بقوله‏:‏ لم يصح عن الرسول صلي الله عليه وسلم حديث واحد أمرنا فيه باستغاثته‏,‏ بل صح عنه النهي عن ذلك‏.‏ فقد نصح ابن عمه العباس بن عبدالمطلب بأنه إذا استغاث فليستغث بالله‏,‏ وإذا استعان فليستعن بالله‏,‏ فما يغني عنه من الله شيئا‏.‏ والآيات القطعية الدلالة في القرآن الكريم تأمرنا بأن نستغيث الله تعالي وحده‏.‏ فهو المغيث وهذا من أسمائه الحسني التي لا شريك له فيها‏..‏ نعم لا يستغاث إلا بالله ولا يستغاث بالنبي بمعني العبارة‏.‏ ولكن يتوسل به ويتشفع به‏,‏ وقد جاء في الأحاديث الصحاح أنه صلي الله عليه وسلم رزق الشفاعة‏,‏ وهو حديث جاء في مسند أحمد‏..‏ ونطق رئيس جلسة المحاكمة بحكمه‏:‏ ليس في هذا ضلال ولا كفر‏,‏ ولكنه قلة أدب‏..‏ وتشاور العلماء الموجودون فقالوا‏:‏ ليس فيما قاله شيء‏,‏ إلا أنه يصدم العرف السائد‏..‏ وصمم أحد قضاة المذاهب الأربعة علي أن يحكم بسجن ابن تيمية أو جلده فرفض الجميع‏,‏ وقال قاضي القضاة‏:‏ إما أن يكون ما قاله كفر فالحكم أن يقتل به‏,‏ وإما أنه لا شيء فيه فلا موجب للحكم بسجنه‏,‏ وما قاله هو في الحقيقة قلة أدب‏.‏ وقد قلتها له وطلبت منه المحكمة أن ينصرف إلي حاله‏..‏ فعاد إلي مجالسه وحلقاته والهجوم علي الصوفية واتهام ابن عربي بالتناقض أو النفاق‏,‏ فكيف يدعو إلي الكتاب والسنة‏,‏ وهو في الوقت نفسه يبيح للحاكم ترك التكاليف الشرعية من صلاة وزكاة وحج واقتراف المحرمات‏!!‏ ويمكث ابن تيمية في مصر سبع سنوات من سنة‏705‏ ه إلي‏712‏ ه لم تكن كلها عجافا‏,‏ ولا كانت بسبع سنوات سمان‏,‏ وعندها كان قد تجاوز الخمسين وأصبح عليه أن يشتغل بالكتابة أكثر من الماضي‏,‏ فقد ضاق الزمان‏..‏ وابتسم متذكرا حكاية الصالح الذي سمع سكيرا يتغني‏:‏
إذا العشرون من شعبان ولتفواصل شرب ليلك بالنهار
ولا تشرب بأقداح صغارفقد ضاق الزمان عن الصغار
لقد رأي الشيخ بعد الخمسين أن الوقت لم يعد فيه متسع للمجادلات والإهانات‏,‏ وأن عليه الانشغال بالمسائل الكبار فكتب أكثر مؤلفاته في هذه الفترة‏,‏ محاولا الاجتهاد في الفتوي‏,‏ مستنبطا أحكاما مستقلة ليرفع عن الناس الظلم والحرج من فتاوي الفقهاء الجامدين المقلدين‏,‏ عسي أن تنضبط أمور الناس بقواعد الشريعة السمحة‏..‏ وأتت فتاويه المستنيرة التي منها كل شرط لا يخالف الشريعة أو مقصود العقد‏,‏ واجب الاحترام كاشتراط الزوجة ألا يتزوج عليها‏,‏ أو ألا ينقلها من بلدها ونحو ذلك‏,‏ ويجوز التيمم‏,‏ مع وجود الماء للوضوء‏,‏ لمن خاف فوات العيد والجمعة أو وقت صلاة أخري من الصلوات المكتوبة‏,‏ ويجوز توريث المسلم من الذمي‏,‏ وقصر الصلاة في كل ما يسمي سفرا وهو قول بعض الصحابة‏,‏ وقبول شهادة أهل الذمة علي المسلمين عند الحاجة‏,‏ كالوصية في السفر‏,‏ وطلاق السكران لا يقع‏,‏ والزكاة للأصول وإن علوا‏(‏ كالأجداد‏)‏ وللفروع وإن هبطوا‏(‏ كالأحفاد‏)‏ إذا كانوا محتاجين‏,‏ وتسدد ديونهم من الزكاة‏,‏ وطلاق المكره لا يقع وهذا اتفاق مالك والشافعي وأحمد‏,‏ والطلاق ثلاثا في عبارة واحدة أو في مجلس واحد أو في طهر واحد كل أولئك لا يقع ثلاثا وإنما هو طلقة واحدة وكانت هذه هي أحكام الطلاق في عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم وخليفته أبي بكر‏,‏ وخلال عامين من عهد عمر‏,‏ فلما رأي عمر الأزواج يسرفون في الحلف بالطلاق‏,‏ أو يندفع الواحد منه فيطلق امرأته ثلاثا في عبارة واحدة‏,‏ لما رأي عمر ذلك‏,‏ أراد أن يؤدب الأزواج‏,‏ فقضي بوقوع الطلاق في هذه الحالات ثلاثا‏,‏ وسار الفقهاء من بعده علي هذا‏,‏ ونسوا الحكمة فيما قضي به عمر‏.....‏
ويهاجم الشيخ في فتوي الطلاق ويرسل المعترضون إلي السلطان في القاهرة مطالبين بعقاب ابن تيمية علي ما ابتدعه‏,‏ وعلي مخالفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب‏,‏ وسائر السلف الصالح من بعده‏,‏ وكان السلطان وقتها قد ارتمي في أحضان الصوفية‏,‏ وتوثقت علاقته ببعض شيوخ طرقها‏,‏ حتي إنه خرج للصيد يوما‏,‏ فداهمه مغص شديد وهو بالقرب من قرية سرياقوس فصار يتلوي ويتوجع‏,‏ فنذر لله لئن شفاه من مرضه هذا ليرضين الصوفية الذين يعرفون أكثر من غيرهم الطريق إلي الله‏!‏ فلما شفي من مغصه‏,‏ أمر بإنشاء مجمع كبير خانقاه لإقامة مائة صوفي‏,‏ وألحق به مسجدا‏,‏ ومطابخ‏,‏ وحديقة‏,‏ ومزرعة وأمر بإقامة جميع هذه المنشآت في المكان الذي مغصت فيه بطنه عليه‏,‏ وحيث شفاه الله ببركة رضا الصوفية عنه‏!!!..‏ ولم يتقبل ابن تيمية ما صنع السلطان‏,‏ ومشي في الأرض يعجب منه وله‏,‏ فغضب السلطان وأصدر أمره بمنع فتوي الطلاق وبأن يؤذن في الناس بأنها باطلة باطلة باطلة بإجماع قضاة المذاهب الأربعة وفقهائها‏..‏ وإذ عاد الشيخ ليفتي برأيه في الطلاق كلما التقي بالناس أصدر السلطان الغاضب مرسوما بمنعه من الإفتاء كلية‏,‏ وعزله من التدريس‏,‏ وسجنه في قلعة دمشق عقابا وتأديبا‏,‏ والتحفظ علي جميع ما لديه من كتب وأوراق ومحابر وأقلام‏,‏ وكانت نحو ستين مجلدا وأربعة عشرة ربطة كراريس قام فيها بتفسير بعض الآيات وقصار السور واهتدي بأقوال السلف حتي القرن الثالث‏,‏ ونبه إلي بعض الإسرائيليات المدسوسة علي التفاسير‏!‏ ويحاول ابن تيمية في سجنه التعود علي حياة بلا قراءة ولا كتابة‏,‏ فلا يستطيع مسايرة مثل هذا البلاء الذي استمر عامين دون أن يناله السأم والوهن والهزال‏,‏ وذات يوم يرفع عينين أصابتهما غشاوة طول البكاء من الرثاء علي النفس يسأل السجان قلما‏,‏ فيستجيب من قرأ رسالة الألم بقطعة من الفحم ورقعة صغيرة من الورق يدسهما له في الخفاء‏,‏ لكنها لا تشفي غليل الكاتب والمكتوب‏,‏ وإن احتفظ التاريخ بهذه الرقع التي توالت في الخفاء‏..‏ وإذ نضب معين الصبر واحتمال وطأة المنع واستحالة القلم الذي يمثل شريانا يستقي الفكر من العقل ليضخه كلمات‏..‏ مات‏..‏ فاضت روح ابن تيمية في ليلة الاثنين من شهر ذي القعدة عام‏768‏ ه وهو يتلو إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر‏..‏ رحل الفقيه المعذب بين صمت الجدران ليظل فكره محتفظا بضراوة الخصوم‏,‏ وحماسة الأنصار‏!!‏
ولا يمضي ركب المفكرين المضطهدين في تاريخ العرب دون ذكر الوليد بن رشد المولود عام‏1126‏ م في مدينة قرطبة بالأندلس في أسرة ذات نفوذ سياسي وعلمي كبيرين‏,‏ الوالد فيها قاضي قضاة قرطبة‏,‏ والجد أكبر فقهاء المذهب المالكي‏..‏ ولما لم يكن في زمن ابن رشد جامعات وكليات وأكاديميات للعلوم والفنون والآداب فقد درس الطب علي أبي جعفر هارون‏,‏ واستقي الفلسفة من ابن باجة وابن طفيل‏,‏ وبرع في علم الكلام ليكتب فيه أهم مراجعه‏,‏ وأصبح يوما قاضي قضاة قرطبة في عام‏1171‏ م خليفة لوالده في هذا المنصب الذي يعادل منصب وزير العدل‏,‏ ولأنه درس الطب إلي جانب القانون فقد أصبح الطبيب الخاص للسلطان عام‏1182‏ م و‏..‏لم تدم الأيام سلاما لابن رشد حتي النهاية‏,‏ فقد أتته المحنة المكتوبة علي جبين المفكرين العظام في عام‏1195‏ م فنفي إلي مدينة أليسانة علي مقربة من قرطبة‏,‏ وحرمت علي الناس دراسة الفلسفة التي كان قد مهد له دراستها من قبل كل من السلطان المستنير أبويعقوب يوسف والطبيب الفيلسوف محمد بن عبدالملك بن طفيل‏,‏ فقام ابن رشد بتكليف من السلطان بدراسة أرسطو ليقدم أعماله العملاقة في ثلاثة أشكال‏:‏ أولها كتاب المختصر المفيد لمن يريد الفهم السريع‏,‏ وثانيها تطبيقات لقواعد أرسطو علي مجتمع ابن رشد بلغ حجم بعضها ما كتبه أرسطو نفسه‏,‏ وثالثها شروح وتفسيرات‏,‏ ورغم انتصار الفكر الفلسفي وإعادة ابن رشد للحضارة العربية الإسلامية وضوح قسماتها العقلية ولمعانها من جديد بشكل فذ وخلاق وفريد‏,‏ إلا أن أوامر البلاط أتت وحرمت الفلسفة‏,‏ ومات ابن رشد كمدا في أول دولة الناصر في‏11‏ من ديسمبر‏1198‏م ليحمل جثمانه من مراكش إلي بلاد الأندلس علي ظهر جمل‏..‏ الجثمان من ناحية‏,‏ وفي الأخري مسودات مؤلفاته التي أكلتها ألسنة الحريق‏..‏ ويشهد التاريخ لابن رشد موقفه الناضج من المرأة عندما يدعو إلي تغيير وضعها العبودي الذي دام قرونا طويلة حيث يقول‏:‏ إن استعباد المرأة طويلا أدي إلي البؤس الذي يلتهم مدننا بسبب كثرة النساء العاجزات عن الإسهام في الحضارة بما لديهن من قدرات وإمكانيات تماثل ما لدي الرجال في كل مجال حتي في الحرب والفلسفة‏,‏ بل إنهن يتفوقن علي الرجال أحيانا كما في الموسيقي‏!!..‏
ذلك ما جاء من أمر الاضطهاد الذي نال معظم المفكرين الذين غيروا وجه التاريخ‏..‏ الوجه الذي يعبس الآن في وجهك إذا ما تجاسرت وفكرت في تغييره من جديد‏,‏ فالاضطهاد قد أصبح الآن أشد وطأة من السحل والنحر والجز والحرق‏..‏ الاضطهاد الحديث هو تركك تؤذن في مالطة وما من مستجيب‏!..‏ وإن كان علي مالطة‏,‏ فالأمر هين وفركة كعب بالطائرة‏,‏ وعلي الأقل مالطة جزيرة غناء‏,‏ وفيها ناس‏,‏ وليست الربذة في فيافي الصحراء التي نفي إليها الثائر الكبير‏,‏ والصحابي الجليل أبوذرالغفاري‏,‏ عقابا له علي تهمة رفضه للأغنياء أن يزدادوا غني‏,‏ وفقراء يتسبب في فقرهم هؤلاء الأغنياء‏,‏ وهو القائل‏:‏ عجبت لمن لم يجد قوت يومه فلم يخرج شاهرا سيفه‏..‏ مات الغفاري وحيدا في الصحراء‏,‏ ليحق عليه قول الرسول صلي الله عليه وسلم‏:‏ تمشي وحدك‏,‏ وتموت وحدك‏,‏ وتبعث وحدك‏.{‏
[email protected].‏

المزيد من مقالات سناء البيسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.