اليوم.. انطلاق الملتقى التوظيفي لزراعة عين شمس    أسعار الدواجن في المحلات اليوم الخميس 16-5-2024    سعر الدولار مقابل الجنيه في 9 بنوك مع بداية تعاملات اليوم الخميس    ارتفاعات جديدة لأسعار البترول العالمية لليوم الثاني على التوالي    إطلاق الكهرباء وتشغيل محطة الصرف بأراضي «بيت الوطن» بالقاهرة الجديدة    مواني البحر الأحمر تشهد حركة نشطة: 10 آلاف طن بضائع و585 شاحنة خلال يوم واحد    توريد 40 ألف طن قمح لشون وصوامع القليوبية    أسعار العدس اليوم الخميس 16-5-2024 في الأسواق    مراقبون: عمليات جباليا وتوثيق المقاومة دمر معنويات العدو وحطم أهدافهم    السيسي يبحث مع القادة العرب تعزيز التعاون والعمل المشترك لمواجهة التحديات    ملفات مهمة على طاولة القمة العربية في البحرين.. أبرزها أوضاع غزة والسودان    بوتين يصل قاعة الشعب الكبرى في بكين استعدادا للقاء الرئيس الصيني    باحث سياسي: الأجيال الجديدة في أمريكا ترى حقيقة جرائم إسرائيل    منظمة التعاون الإسلامي: القضية الفلسطينية تشهد تطورات خطيرة    روسيا تعلن إحباط هجوم أوكراني بصواريخ أمريكية على شبه جزيرة القرم    موعد مباراة برشلونة وألميريا بالدوري الإسباني والقناة الناقلة    موعد مباراة الزمالك ونهضة بركان بالكونفدرالية والقناة الناقلة    مواعيد مباريات اليوم الخميس 16 مايو 2024 في الدوري المصري والبطولات العالمية    عبد العال: إمام عاشور وزيزو ليس لهما تأثير مع منتخب مصر    شوبير يكشف موقف محمد صلاح من معسكر المنتخب    محافظ القاهرة يتفقد امتحانات الإعدادية بالأسمرات    تطور جديد في قضية سائق أوبر المتهم بالتحرش بفتاة التجمع    عطل يضرب الخط الثاني لمترو الأنفاق.. والركاب يبحثون عن بدائل    حظك اليوم، انفراجات وصراعات في أغلب الأبراج (فيديو)    ياسمين عبدالعزيز تنشر صورة مفاجئة: زوجي الجديد    رامي جمال يحتفل بتصدر أغنية بيكلموني قائمة الأكثر استماعا في مصر    تنظيف كبدة الفراخ بمكون سحري.. «هيودي الطعم في حتة تانية»    طريقة عمل دجاج ال«بينك صوص» في خطوات بسيطة.. «مكونات متوفرة»    توقعات الأبراج وحظك اليوم 16 مايو 2024: تحذيرات ل«الأسد» ومكاسب مالية ل«الحمل»    عمر الشناوي يكشف كواليس إصابته ب «الحشاشين» وأسباب أزمته النفسية في بداياته ببرنامج «واحد من الناس» الأحد    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 16-5-2024    حلم ليلة صيف.. بكرة هاييجي أحلى مهما كانت وحلة    غارات إسرائيلية على منطقة البقاع شرق لبنان    «سلامتك في سرية بياناتك».. إطلاق حملة «شفرة» لتوعية المجتمع بخطورة الجرائم الإلكترونية    إبراهيم عيسى: "في أي لحظة انفلات أو تسامح حكومي البلاعات السلفية هتطلع تاني"    محمود عاشور يسجل ظهوره الأول في الدوري السعودي    نجمة أراب أيدول برواس حسين تُعلن إصابتها بالسرطان    تراجع الوفيات بسبب جرعات المخدرات الزائدة لأول مرة في الولايات المتحدة منذ الجائحة    "في الخلاط" حضري أحلى جاتو    قدم الآن.. خطوات التقديم في مسابقة وزارة التربية والتعليم لتعيين 18 ألف معلم (رابط مباشر)    أعطيت أمي هدية ثمينة هل تحق لي بعد وفاتها؟ أمين الفتوى بجيب    رسميا.. جدول امتحانات الثانوية العامة 2024 thanwya جميع الشعب مباشر الآن في محافظة القليوبية    ماذا قال نجل الوزير السابق هشام عرفات في نعي والده؟    بعد 40 يوما من دفنها، شقيقان وراء مقتل والدتهما بالدقهلية، والسر الزواج العرفي    رئيس الترجي يستقبل بعثة الأهلي في مطار قرطاج    وزير النقل يكشف موعد افتتاح محطة قطارات الصعيد الجديدة- فيديو    4 سيارات لإخماد النيران.. حريق هائل يلتهم عدة محال داخل عقار في الدقهلية    منها البتر والفشل الكلوي، 4 مضاعفات خطرة بسبب إهمال علاج مرض السكر    مباشر الآن.. جدول امتحانات الثانوية العامة 2024 thanwya في محافظة القليوبية    «فوزي» يناشد أطباء الإسكندرية: عند الاستدعاء للنيابة يجب أن تكون بحضور محامي النقابة    الدوري الفرنسي.. فوز صعب لباريس سان جيرمان.. وسقوط مارسيليا    كم متبقي على عيد الأضحى 2024؟    رئيس تعليم الكبار يشارك لقاء "كونفينتيا 7 إطار مراكش" بجامعة المنصورة    قصور الثقافة تطلق عددا من الأنشطة الصيفية لأطفال الغربية    هولندا تختار الأقصر لفعاليات احتفالات عيد ملكها    فرقة فاقوس تعرض "إيكادولي" على مسرح قصر ثقافة الزقازيق    حسن شاكوش يقترب من المليون بمهرجان "عن جيلو"    وزير التعليم العالي ينعى الدكتور هشام عرفات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من القاهرة
أكتوبر‏2010‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 16 - 10 - 2010

سوف يظل لشهر أكتوبر دائما نكهة خاصة لدي الشعب المصري‏;‏ فما جري فيه ما بين اليوم السادس وحتي اليوم السادس والعشرين من عام‏1973‏ سوف يظل محفورا في ذهن الأجيال التي عاشت تلك السنوات المميتة ما بين الخامس من يونيو‏1967‏ وحتي تمام عبور قناة السويس‏.‏ ما جري خلال هذه السنوات كان ملحمة كاملة من التحدي والاستجابة‏;‏ تحدي الواقع المرير الذي قام علي احتلال الأراضي المصرية في سيناء للمرة الثانية خلال فترة لا تزيد كثيرا علي عقد واحد من السنوات‏,‏ والاستجابة التي تستنفر كل طاقات شعب بما فيه من موارد وعقول وقدرات نجحت في أن تعكس حركة الإمبراطورية الإسرائيلية إلي الوراء لأول مرة منذ وضعت أولي بذورها في فلسطين عام‏1948.‏
هذه الحالة من المواجهة كثيرا ما تثار في احتفالاتنا تحت اسم روح أكتوبر‏,‏ وبينما يتساءل البعض مستنكرا إلي أين ذهبت تلك الشعلة من اللهب الذي يثير طاقات أمة‏,‏ فإن آخرين يسلمون وكفي بأن اللحظة جاءت وذهبت ولم يبق منها إلا ذكري عظيمة‏.‏
ولكن جوهر المسألة هي أنه من المستحيل أن تكون التجربة جزءا من متحف التاريخ‏,‏ لأن شهر أكتوبر لم يكن موعدا لنا فقط نحتفل ونحتفي به‏;‏ وإنما هو أيضا ميعاد لإسرائيل لكي تطرح فيه ذلك السؤال الحاد لماذا جري ما جري‏,‏ ولم حدث ما حدث؟ ويكاد الموعد في كل عام يوقظ لدينا تفاصيل التفاصيل لدقائق العبور‏,‏ فإن الحالة ذاتها ولو كانت معكوسة تظهر في إسرائيل في شكل أسرار جديدة تذاع لأول مرة‏,‏ أو وثائق جديدة لم يقدر لأحد الاطلاع عليها من قبل‏.‏ وأحيانا يبدو الأمر كما لو كان امتدادا لحرب أكتوبر ذاتها‏,‏ أو أن الحرب لم تصل إلي نهايتها بعد حتي ولو كانت هناك معاهدة للسلام يراها الإسرائيليون دائما باردة‏,‏ ويراها المصريون دافئة أكثر مما يجب‏.‏
هذا وإلا كيف نفسر تلك الحالة من الإثارة الجارية حول موقع السيد أشرف مروان من حرب أكتوبر‏,‏ حيث انقسمت القيادات العسكرية الإسرائيلية في الحرب بين الذين اعتقدوا أنه كان أكثر الأرصدة الإسرائيلية قيمة‏;‏ والذين ومن بينهم رئيس المخابرات الحربية الإسرائيلية أكدوا أنه كان أفضل الأسلحة المصرية في القتال‏,‏ لأنه كان مفتاح خطة الخداع والمفاجأة الإستراتيجية في الحرب كلها‏.‏ ومن ينظر إلي الجانب المصري في الموضوع لا يجد إلا ابتسامة واثقة وساخرة أيضا من الطرف الآخر‏,‏ مع التأكيد القاطع أن الرجل كان بطلا وطنيا مصريا‏,‏ ولا كلمة واحدة بعد ذلك‏.‏ والطريف في الأمر‏,‏ وكأنه كان هناك اتفاق بين طرفي المواجهة‏,‏ أن قصة الرجل تكاد تقف تماما عند ليلة السادس من أكتوبر ومن بعدها لا شيء‏,‏ فلا عرفنا عما إذا كان الرجل قد استمر في مقابلة الإسرائيليين‏,‏ أو أنه ظل أحد الأدوات المصرية في المفاوضات الصعبة التي جرت بعد سكوت المدافع‏,‏ وبعد أن دخلت مصر وإسرائيل في حرب كما قال كلاوزوفيتز بوسائل أخري‏.‏
وبغض النظر عن أهمية القصة‏,‏ وهي في النهاية لا تزيد علي كونها فصلا قصيرا في رواية طويلة‏,‏ فإن استمرارها يعكس أنها لم تصل إلي نهايتها بعد‏,‏ تماما كما حدث لحرب أكتوبر الأصلية‏.‏ وبالنسبة لي فقد كنت دوما جزءا من الحدث العظيم‏,‏ سواء عندما كنت جزءا من جيل بأكمله خرج مطالبا بالحرب في وقت كان شباب العالم يطلب الحب‏,‏ أو عندما أتيحت الفرصة لجيل المجندين من شباب الجامعات المصرية لكي يردوا لمصر ما في أعناقهم من دين‏,‏ أو عندما كنت واحدا من أكثر من مليون من المصريين ساهموا في عملية العبور‏,‏ أو حتي عندما باتت المشاركة في الحرب جزءا من التاريخ الشخصي إلي الدرجة التي تكون فيها موضوعا لرسالة الدكتوراه‏.‏
ولم يظهر أبدا أن القصة الشخصية قد وصلت إلي نهايتها عندما شرفني المشير محمد حسين طنطاوي بمنحي في شهر أكتوبر الماضي درع المدفعية‏,‏ وهو السلاح الذي شرفت بالحرب ضمن صفوفه‏.‏ حتي عندما بذلت جهودا مضنية مع آخرين من أجل السلام القائم علي العدل في المنطقة‏,‏ فقد كان ذلك في جانب منه علي الأقل يشير إلي أن الحرب لم تضع أوزارها بعد‏,‏ وأن السلام المصري الإسرائيلي لا يكتمل دون تحقيق السلام العربي الإسرائيلي وحل القضية الفلسطينية‏.‏
وفي أكتوبر‏2010‏ فإن الشواهد كلها تقول إن التحدي الإسرائيلي يزداد سخونة إلي الدرجة التي تتطلب يقظة هائلة من جانبنا لا تقل أبدا عن تلك الحالة التي كانت ضرورية في عام‏1973.‏ وبعد مرور سبعة وثلاثين عاما علي حرب أكتوبر تبدو إسرائيل أكثر صلافة وأقل استعدادا للسلام من أي وقت مضي‏;‏ بل إنها تراهن علي حالة أبدية من اختلال التوازن الإستراتيجي في المنطقة لصالحها تجعلها تعتقد أنها قادرة علي تحدي ليس فقط كل القوي الإقليمية‏,‏ بل قوي عالمية كذلك‏.‏
ومن درس إسرائيل وعرف تاريخها جيدا من الناحية الإستراتيجية يجدها أكثر خطرا في موقفين‏:‏ عندما يكون التوازن الإستراتيجي في غير صالحها وتتم ترجمته إلي أعمال عنف عسكرية‏,‏ فإنها في هذه اللحظة تري في الأمر معركة من أجل البقاء‏.‏ وعندما يكون التوازن الإستراتيجي في صالحها‏,‏ ولا يوجد ما يهددها‏,‏ فإنها تري اللحظة مناسبة لتحقيق الامتداد التوسعي الإسرائيلي‏.‏ وهذه الحالة الثانية هي ما تعيشه إسرائيل حاليا‏,‏ وهي لا تقل أبدا خطرا وتهديدا وتحديا عن الحالة الأولي‏.‏
أسباب ذلك قد تكون معروفة وعائدة إلي حكومة يمينية متعصبة وعاجزة عن رؤية الفرصة التاريخية للسلام المعروضة علي إسرائيل‏;‏ ولكن الحقائق الموضوعية وراء ذلك لا تقل أهمية‏.‏ فالشعور السائد في إسرائيل في أكتوبر‏2010‏ أنها لم تكن أكثر أمنا واستعدادا لتحقيق أهدافها التوسعية مما هي عليه الآن‏.‏ فرغم كل التداعيات التي تمخضت عن نشوب الحرب الإسرائيلية علي لبنان في يوليو‏2006,‏ إلا أن الحرب لم تخل من تداعيات إيجابية علي حالة الأمن والاستقرار داخل إسرائيل أهمها أن حزب الله اضطر‏,‏ وفقا للقرار‏1701‏ الصادر في‏11‏ أغسطس‏2006,‏ إلي التراجع إلي شمال نهر الليطاني بشكل أبعده أكثر عن حدود إسرائيل‏,‏ فضلا عن أنه واجه ضغوطا وانتقادات داخلية بسبب التدمير الهائل الذي تعرضت له البنية التحتية في لبنان نتيجة القصف الإسرائيلي‏,‏ فضلا عن بروز فكرة أن الحرب نشبت في الأساس لأهداف غير لبنانية‏.‏ وهكذا شهدت حدود إسرائيل الشمالية منذ انتهاء حرب لبنان هدوءا لم تعهده من قبل‏,‏ وكان حزب الله حريصا أكثر من مرة علي نفي مسئوليته عن إطلاق صواريخ باتجاه شمال إسرائيل‏,‏ مثلما حدث عندما أطلقت خمسة صواريخ من جنوب لبنان باتجاه مستوطنة نهاريا ومنطقة الجليل شمال إسرائيل في يناير‏2009.‏
كذلك ورغم حالة الجدل التي شهدتها الساحة الداخلية الإسرائيلية حول الأهداف المبتغاة من شن الحرب علي قطاع غزة بعد رفض تمديد‏'‏ تفاهمات التهدئة‏'‏ التي نجحت مصر‏,‏ في‏19‏ يونيو‏2008,‏ في التوصل إليها بين إسرائيل و‏'‏حماس‏'‏ لمدة ستة أشهر انتهت في‏19‏ ديسمبر‏2008,‏ فإن ثمة مكاسب عديدة جنتها إسرائيل أهمها توفير قوة ردع قوية في مواجهة حماس تجعلها‏,‏ وفقا لبعض الاتجاهات‏,‏ تفكر أكثر من مرة قبل أن تقدم علي إطلاق صواريخ باتجاه المدن الجنوبية بإسرائيل‏,‏ بما يعني أن الحرب‏,‏ في رؤية إسرائيل‏,‏ جعلت التهدئة أمرا واقعا بعد أن رفضت حماس تمديدها‏,‏ فضلا عن ذلك فإن الحرب الإسرائيلية علي قطاع غزة أكسبت الدعوات التي انطلقت خلال الحرب لوقف تهريب السلاح إلي القطاع عبر الأنفاق أهمية وزخما خاصا‏.‏ ويبدو أن إسرائيل قد تعلمت من دروس حرب لبنان‏2006,‏ ومن ثم وضعت أهدافا واضحة ومحددة في حربها علي غزة‏,‏ لم يكن منها علي سبيل المثال‏,‏ القضاء علي حركة حماس‏,‏ الذي يبدو في رؤية بعض الاتجاهات داخل إسرائيل وخارجها‏,‏ خطوة لا تصب في مصلحة إسرائيل‏,‏ إذ إن بقاء حماس مسيطرة علي قطاع غزة يضمن تكريس حالة الانقسام بين الفلسطينيين‏,‏ كما أن وجود حماس في القطاع يوفر لإسرائيل هامشا أوسع من المناورة في التعامل مع أي استحقاقات محتملة لعملية السلام مع الفلسطينيين‏.‏
المحيط الإسرائيلي بهذه الطريقة يبدو مواتيا لاستمرار الاستيطان‏;‏ وبالإضافة إلي ذلك‏,‏ تبدو إسرائيل أكثر تعنتا أمام الضغوط التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق تقدم في عملية السلام‏,‏ فقد رفضت تل أبيب مطالب تمديد قرار تجميد الاستيطان الذي انتهي في‏26‏ سبتمبر الماضي‏,‏ ولم يكتف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتانياهو برفض الضمانات التي قدمها الرئيس الأمريكي باراك أوباما والتي تضمنت تعزيزات دفاعية والموافقة علي نشر قوات إسرائيلية في غور الأردن بعد السلام‏,‏ بل طالبه بالاعتراف بما يسمي رسالة الضمانات التي كان الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش قد قدمها إلي رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون‏,‏ والتي التزم فيها بضم الكتل الاستيطانية الكبري إلي إسرائيل في أي اتفاق سلام‏,‏ كما طالبه بإطلاق سراح الجاسوس الإسرائيلي جوناثان بولارد‏.‏
وفوق ذلك كله قامت إسرائيل بطرح مطالب جديدة مثل الاعتراف بيهودية الدولة لم يسبق أن طرحتها الدولة الإسرائيلية عندما تفاوضت مع مصر أو الأردن أو سوريا أو لبنان‏.‏ ونتيجة الحالة نفسها فإن القيادة الإسرائيلية استمرت في تصعيد مطالبها من أول الإصرار علي قسم الولاء للدولة اليهودية من قبل مواطني الدولة العرب‏;‏ حتي وضع ذلك ليس فقط ورقة للمساومة مقابل التسوية الشاملة وإنما ورقة للمساومة من أجل تجميد الاستيطان لمدة شهرين فقط‏.‏ فضلا عن ذلك انتهجت إسرائيل سياسة متشددة تجاه الدعوات والتحركات التي انطلقت لفك الحصار علي قطاع غزة‏,‏ حيث واجهت السفن التي حاولت فك الحصار بالقوة ولم تأبه بالتنديد العالمي تجاه ذلك‏,‏ خصوصا مع المواجهة التي حدثت مع سفن أسطول الحرية في‏31‏ مايو‏2010,‏ والتي أسفرت عن مقتل‏19‏ شخصا وإصابة نحو‏26.‏
كذلك بدأت إسرائيل في اتباع أساليب علمية في مواجهة خصومها‏.‏ فبالإضافة إلي التهديد بشن ضربة عسكرية وقائية ضد المنشآت النووية الإيرانية‏,‏ ودعوة المجتمع الدولي إلي فرض مزيد من الضغوط والعقوبات علي إيران لإجبارها علي الاستجابة لمطالبه بخصوص ملفها النووي‏,‏ يشير المحللون والخبراء إلي أن إسرائيل كانت وراء الهجوم الإلكتروني الذي تعرض له نحو‏30‏ ألف جهاز كمبيوتر في إيران موجودة في وحدات صناعية صنعتها شركة سيمنز الألمانية‏.‏
صحيح أن إيران لم تكن وحدها التي تعرضت لهذا الهجوم الإلكتروني‏,‏ حيث انضمت إليها الهند وباكستان وإندونيسيا‏,‏ لكنها تعرضت للنسبة الأكبر من الهجوم‏(60%)‏ وهو ما يؤشر إلي أن منشآتها النووية كانت الهدف الأساسي له‏.‏ وهناك اتجاهات تشير إلي أن تطوير فيروس ستوكس نت تم علي أيدي وحدة داخل جهاز الموساد الإسرائيلي‏,‏ ووفقا لبعض التقارير فإن فرق أبحاث إلكترونية فحصت الفيروس اكتشفت أنه يحتوي علي مقطع من نص البرمجة يشير إلي أن مصمميه أطلقوا عليه كلمة ميرتوس التي تشير إلي شخصية توراتية‏.‏ وقد أدي الهجوم إلي تأجيل افتتاح محطة بوشهر إلي عام‏2011,‏ لكن بعض التقارير الأخري تشير إلي أن الفيروس استهدف في الأساس موقع ناتانز النووي لعرقلة عمل أجهزة الطرد المركزي التي تقوم إيران بتشغيلها في المفاعل‏.‏
كل ذلك لا ينطلق من فراغ‏,‏ وإنما يعود إلي ارتفاع كبير في عناصر القوة الإسرائيلية يبدأ من حالة من التماسك السياسي لم تعرفها إسرائيل من قبل بعد انهيار معسكر السلام بشكل كامل‏,‏ ومعه حتي معسكر الحمائم والمعتدلين بشكل أو بآخر‏.‏ ومع هذا التماسك تبدو إسرائيل وقد تصاعدت قدراتها الاقتصادية والعسكرية فقد وصل الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي‏,‏ وفقا للبنك الدولي‏,‏ إلي‏194.790‏ مليار دولار بتقديرات عام‏2009,‏ ووصل نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي إلي‏26‏ ألف و‏175‏ دولارا بتقديرات عام‏2009;‏ في حين يصل وفقا لبعض التقديرات الأخري إلي‏28‏ ألف و‏400‏ دولار‏.‏
وبذلت إسرائيل جهودا حثيثة للانضمام لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية‏(OECD),‏ وهي منظمة اقتصادية عريقة تأسست عام‏1961,‏ وتضم‏31‏ دولة هي الدول الصناعية الأساسية في العالم‏,‏ وبالفعل في‏10‏ مايو‏2010,‏ تم قبول عضوية إسرائيل‏,‏ حيث صوتت الدول الأعضاء بالإجماع علي ضم إسرائيل التي اعتبرت هذا القرار تاريخيا لأنه أولا سيرفع منحني التعاون الاقتصادي مع الاتحاد الأوروبي تحديدا‏,‏ ولأنه ثانيا‏,‏ سيمكن إسرائيل من جذب استثمارات ضخمة لخدمة اقتصادها الوطني‏.‏ أما علي صعيد التماسك الاجتماعي‏,‏ فقد تمكنت إسرائيل من تأسيس مجتمع متماسك اجتماعيا في ظل إجراءات جدية لترسيخ أسس التضامن بين فئاته‏.‏ وبرغم الصراع الدائر بين الدينيين والعلمانيين‏,‏ إلا أن ذلك لم يؤثر علي قضية تماسك المجتمع التي لم تعد تمثل مشكلة بالمقارنة بمشكلات أخري‏.‏
علي المستوي العسكري‏,‏ تفرض إسرائيل تعتيما علي ترسانتها النووية‏,‏ لكن الخبراء يرجحون امتلاكها أكثر من‏200‏ رأس نووي وصواريخ بعيدة المدي‏.‏ فضلا عن ذلك تطور إسرائيل نظام الدفاع الصاروخي حيتس‏,‏ بمراحله المختلفة‏,‏ الذي بدأت عملية نشر بعض أجزاء منظومته عام‏2000,‏ وتقوم في الوقت الحالي بتجميع نظام دفاعي متقدم جدا يهدف إلي حمايتها من الصواريخ التي تنطلق في أوقات متزامنة وأماكن متفرقة‏,‏ وهو القبة الحديدية التي تتصور أنه يمكن أن تحميها‏,‏ حتي من الصواريخ قصيرة المدي‏,‏ والتي يصل مداها من‏15‏ إلي‏70‏ كيلومترا‏.‏ كما وقعت إسرائيل مع الولايات المتحدة علي صفقة لشراء‏20‏ مقاتلة من طراز إف‏35,‏ وبذلك تعد إسرائيل هي الدولة الأولي التي سوف تحوز علي الطائرة بعد الدول التسع التي تقوم بتطويرها‏,‏ وتعتبر هذه المقاتلة‏,‏ التي تصل تكلفتها إلي‏96‏ مليون دولار‏,‏ أكثر الطائرات تطورا علي الصعيد العالمي‏,‏ وسوف تتسلمها إسرائيل في الفترة بين عامي‏2015‏ و‏2017,‏ وفي حالة تنفيذ مجمل البنود الواردة في الصفقة‏,‏ فمن المتوقع أن تصل تكلفتها إلي‏15.2‏ مليار دولار‏.‏
مثل هذه الحالة من العنفوان العسكري والاقتصادي والسياسي والتكنولوجي أيضا إذا أضيف إليها نزعات أيديولوجية عدوانية علي مستوي القيادة والسلطة السياسية تجعل الخطر والتحدي الإسرائيلي لا يمكن تجاهله‏.‏ ولا يوجد لدي شك في أن الأجهزة والمؤسسات المعنية بالأمن القومي في مصر تعرف الخطر وتتحسب له بوسائل متعددة‏,‏ ولكن المعضلة تقع في أن المجتمع أحيانا يتصرف وكأن الخطر قد زال رغم أنه يقف علي الأبواب يزأر ويرعد ويتوعد‏.‏
روح أكتوبر‏1973‏ تضع المعادلة عند وضعها الصحيح في أكتوبر‏2010‏ حيث نعمل من أجل السلام وكأنه سوف يأتي غدا‏,‏ ونعمل من أجل تحقيق توازن للقوي اقتصاديا واجتماعيا وعسكريا يجعل الطرف الآخر يعلم أن غرور القوة لا يحقق له أمنا أو سعادة‏.‏
[email protected]

المزيد من مقالات د.عبد المنعم سعيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.