تتعرض قوات حلف الناتو الموجودة في أفغانستان في الوقت الحالي لأزمات ضخمة بعد تعرضها يوميا لعمليات عسكرية تستهدف معداتها وبخاصة عمليات الامداد بالوقود, حيث وصل عدد العربات التي تم تدميرها التي كانت محملة بالوقود الي اكثر من90 عربة وكانت في طريقها للاراضي الأفغانية من باكستان, الأمر الذي يزيد الأمور تعقيدا ويضع قيادة الحلف في مأزق شديد, امام الدول الأعضاء في الحلف, وشعوب تلك الدول, التي تري جنودها يتساقطون بين قتلي وجرحي في أفغانستان ودون تحقيق أي تقدم يذكر, أو تنفيذ أي مهمة من المهام العديدة التي كلفت بها قوات الحلف, لوجوده في تلك المنطقة. واذا نظرنا الي أسباب الوجود العسكري لحلف الناتو في أفغانستان, فنجد أن المهام الأولي التي كلفت بها تلك القوات هي حفظ الأمن والاستقرار في الاراضي الأفغانية بعد حالة الفوضي التي نتجت عن حرب الولاياتالمتحدةالأمريكية التي شنتها علي حركة طالبان, وترتب عليها ازاحتها من حكم البلاد, هذا بالاضافة الي العمل علي تهيئة الجو العام لاقامة انتخابات حرة ونزيهة, وتدريب قوات الامن الافغانية, ثم الانتشار وخروج تلك القوات من أفغانستان وتسليم الحكومة الافغانية كل الأمور الأمنية بعد التدريب والتسليح. ولكن ربما جاءت الرياح بما لا يشتهي حلف الناتو, والذي اجبر علي الدخول في المستنقع الافغاني بعدما رفعت الولاياتالمتحدة يديها, ووصلت الي قناعة بانها لن تستطيع أن تحقق الاستقرار في أفغانستان بمفردها, لذا مارست ضغوطها علي حلف الناتو لكي يلعب دورا بديلا عنها, وبرغم معارضة كل من فرنسا والمانيا لمشاركة الحلف في هذه المهمة القاتلة, فإن الولاياتالمتحدة كسبت الجولة وقتها, وأجبر الناتو علي تنفيذ أول مهمة عسكرية خارج حدود الجغرافية, في ارض مختلفة وعقيدة قتالية مختلفة تماما عن جيوش الدول الاعضاء, ويمكن هنا ان نجري مقارنة سريعة بين ما حدث لقوات الاتحاد السوفيتي منذ أكثر من20 عاما عندما قرر احتلال افغانستان, وتكبد خسائر فادحة لم يكن يتوقعها أكثر المحللين تشاؤما وقتها, فنجد اليوم ان هذا السيناريو يتكرر مرة أخري مع حلف الناتو, فدولة كانت بقوة الاتحاد السوفيتي وحلف قوي مثل الناتو ليس لديهما أي استعداد للتعامل في ظل فوضي سياسية واجتماعية تسود أفغانستان, كما أن طبيعة قتال حركة طالبان وتنظيم القاعدة تختلف تماما عن طبيعة قتال القوات والجيوش النظامية, فعلي الرغم من الاعداد الضخمة من القوات, والتكنولوجيا العالية في السلاح التي تمتلكها قوات الناتو, فإنها حتي الآن وبرغم مرور9 سنوات لوجودها علي الاراضي الافغانية فإنها لم تحقق حتي الآن أي مكسب استراتيجي يذكر, بل علي العكس فإن خسائرها تزداد يوما بعد يوم. ووصف المحللون العسكريون مهمة قوات الناتو في أفغانستان بالمهمة الأصعب في تاريخه بسبب الأحداث التي تمر في تلك الدولة والمنطقة بشكل أعم, وذلك لعدة أسباب أهمها: أولا: ضعف الناتو الداخلي, ويتمثل ذلك في تهرب الدول الأعضاء من مسئولياتها القتالية, حيث يعاني حاليا الجنود البريطانيون والكنديون, والهولنديون من مرارة الحرب في جنوبافغانستان اكثر من قوات الدول الاخري, والقوات الألمانية والفرنسية تمانع في ارسال قواتها الي جنوبافغانستان المناطق الأكثر خطورة كما ان الدول الأعضاء لم تستجب بصورة عملية لمطالب قائد قوات الناتو في أفغانستان بتكوين فرقة للتدخل السريع في حدود2500 جندي, وتوفير التجهيزات القتالية من أجل الحماية اللازمة للجنود المحاربين. ثانيا: قوات طالبان تتقوي بمرور الوقت, وتتسع دائرة التأييد لها بالنسبة للشعب, كما تتوسع في علاقاتها بالقوي الاقليمية المعارضة لبقاء القوات الامريكية وحلف الناتو في افغانستان. ثالثا: ضعف الحكومة الافغانية, وعدم قدرتها علي كسب ثقة الشعب, وتأييده, واستشراء الفساد, مما يصعب مهمة الناتو في التصدي لهذا الفساد, وفي الجانب الآخر المعارضة القوية. رابعا: الأداء العسكري لقوات الناتو ليس أحسن حالا من أداء القوات الأمريكية في عدم اتخاذ الحيطة عن قتل المدنيين الأبرياء وتدمير بيوتهم. إن الأمور تزداد صعوبة يوما بعد يوم, بالنسبة للناتو, ولا يمكن أن ينسحب في الوقت الحالي من الأراضي الأفغانية, لأن مثل هذا القرار يعتبر شهادة وفاة لحلف الناتو بكامله والذي يسعي حاليا للعب دور دولي وعالمي علي نطاق واسع, ولكن بالفعل اصبح الناتو الضحية للولايات المتحدةالأمريكية, ولكن هل ستظل الدول الأعضاء في حلف الناتو تدعم الوجود في الأراضي الأفغانية, أم انها ستعلن تمردها في وقت قريب في ظل تصريحات أمين عام حلف الناتو, والذي أكد أنه لا يوجد حتي الآن جدول أمني لخروج القوات من أفغانستان, وان الخروج لن يتم إلا بعد تحقيق الأهداف التي وضعها الحلف, وان لم تظهر معالم تلك الأهداف حتي الآن؟!