ملأ الدنيا وشغل الناس كأحد آباء الكوميديا في مصر علي مدار النصف الأول من القرن العشرين.. أضحكنا وأبكانا في أفلامه التي لا نزال نتلقاها بشغف وتشعل في خيالنا الحنين إلي زمن الأبيض والأسود والبراءة والتسامح وراحة البال...! انفجرت شهرة الريحاني(19491892) حين قدم شخصية كشكش بيه عمدة كفرالبلاص الذي يبيع محصول القطن ويكسب ذهبا ثم يتلقفه أصدقاء السوء ويذهب إلي العاصمة حيث ينفق كل ما لديه في الملاهي ويعود إلي بلده خائبا مفلسا, لكن ما لم يكن يخطر علي بال الريحاني أن يأتي يوم يجد نفسه متهما فيه بأنه كشكش بيه تايواني أي مزيف وليس الأصل. حدث هذا حين سافر الريحاني إلي بيروت بفرقته ليعرض مسرحية كشكش بيه الواقعة يرويها الريحاني في مذكراته قائلا: سافرت إلي سوريا ولبنان في أولي رحلاتنا الفنية. ونزلنا في بيروت وكلنا آمال بالنجاح لكن الأستاذ أمين عطا الله( وقد كان ممثلا بفرقتي قبل ذلك بسنوات), استطاع إذ ذاك أن ينسخ جميع رواياتي فألف فرقة من مواطنيه في سوريا, وعرض بضاعتنا كلها, ولم ينس أن يغتصب كذلك اسم( كشكش بيه). وأحب أن أنصفه فأقول إنه لم يأخذ الاسم علي علاته, بل تصرف فيه من حيث الشكل فضم الكافين ليصبح كشكش في بيروت وفتحهما في دمشق كشكش في حين أنهما مكسورتان في مصر! هذا هو كل التطوير الذي أدخله أمين عطا الله علي عمدة كفر البلاص! المهم أن الناس هناك اعتبروني مقلدا لكشكش بك الأصلي, الذي هو أمين عطاالله, وزاد الطين بلة أن هذا الكشكش بك كان سوريا, وقد مكنه ذلك من معرفة عادات مواطنيه, والوقوف علي ما يرضيهم وما لا يرضيهم, فكان يؤدي لهم ما يرغبون كما يرغبون. وهذه الرغبة أن القوم هناك يميلون إلي الكوميدي المفتعل, بمعني أن الممثل يجب أن يتمرمغ في الأرض, أو يخبط دماغه في الحيط, أو.. أو إلخ, وقد تعمق معهم أمين في هذا النوع, أما نحن فقد حافظنا علي روح رواياتنا, وعرضناها مقتطعة من عادات الحياة المصرية, فإنها كانت بعيدة عن عادات إخواننا السوريين, ولذا أصبحت أنا كشكش التقليد في حين أضحي أمين عطا الله في نظرهم كشكش الأصلي. وقد كنت أسمع بأذني بعض الناس هناك يقولون: هايدا مانه كشكش هايدا تقليدا فكنت أخذ هذا الوصف في أجنابي فأقول في سري... سبحان مغير الكشكش! ولا تنتهي حكايات كشكش بيه, فها هو أحد الجمهور يهاجم الريحاني دون أن يعرف حقيقته بسبب تلك الشخصية. الواقعة رواها الريحاني أيضا ضمن مذكراته قائلا: كان ذلك في سنة1920, حين وفد إلي مصر الممثل الفرنسي الكبير( جان كوكلان). وكانت الصداقة قد ربطت بيني وبينه موثقا, فدعاني إلي مشاهدة إحدي رواياته في حفلة( ماتينيه) بتياترو برنتانيا القديم. ولبيت الدعوة, وكان إعجابي بالرواية شديدا بحيث كنت من أكثر المتفرجين تصفيقا. وهنا التفت نحوي الشخص الجالس في المقعد المجاور لي ولم يكن بالطبع يعرف من أنا, وقال ما نصه: أيوه كده... أهو دا التمثيل الصحيح مش الراجل كشكش بيه اللي بيضحك علي عقلنا بكلامه الفارغ. سايرته في الحديث, فوصفت كشكش بأنه دجال لا أقل ولا أكثر. وتبحبح الرجل معي بحبحة فضفض فيها بكل ما يأكل قلبه من حقد.. وأنا أنصت إليه بكل انتباه. ويظهر أن الشك داخل الرجل أخيرا. فسألني عن شخصيتي, وتطمينا له أجبته بأنني شقيق نجيب الريحاني, إلا أنني لا أقر خطته في المسرح, ولا أوافق مطلقا علي هذا النوع من الفن الذي يعرضه أخي الدجال! هبة عبدالعزيز [email protected]