لن أنكر أنني كنت أجري عمليات الختان للبنات ولكني قررت الامتناع نهائيا عن اجرائها رغم أن المقابل المادي نظيرها كان مجزيا, وهذا القرار ليس خوفا من العقاب كما يظن البعض خاصة بعد تجريم هذه العادة الضارة ولكن لاقتناع شخصي يزداد يوما بعد يوم. المتحدث هو د. ممدوح جامع طبيب بالهيئة العامة للتأمين الصحي ويعمل في حي دار السلام, لم يدرس ختان الاناث في كلية الطب ولكن بحكم وجوده في هذه المنطقة الشعبية كانت تأتيه الأمهات ويطلبن منه اجراء الختان لبناتهن كما هي العادة اعتقادا في أنها ضرورة صحية ودينية, فكان ارضاء لأهلها واحتراما لرغباتهم يجريها بصورة خفيفة للغاية إلي أن جاء اليوم الذي تأكد فيه أن اجراء هذه العادة بأي صورة له تأثيره السييء علي نفسيه البنت وصحتها, وكان ذلك أكثر من عامين عندما حضر ندوة عن ختان الاناث نظمتها جمعية أهلية بالمنطقة وكان المتحدثون فيها رجال دين وأساتذة في الطب والاجتماع وخبراء في التنمية, فتأكد بالحجة والمنطق أن اجراء الختان لافائدة منه بل له العديد من الأضرار, كما أنه عادة تمارس في بعض الدول الأفريقية أي ليس لها أساس ديني. أراد أن يعرف أكثر فبحث ونقب حتي تأكد أن أي مقابل لايمكن أن يساوي هذا الخطأ الذي يرتكب في حق البنات ثم انضم الي مشروع يناهض ختان الاناث الي جانب عمله.. في الصباح يمر علي الفصول بمدارس المنطقة, يجري الكشف الظاهري علي الأطفال فيتفحص وجوههم ورؤسهم وأظافرهم ويصف العلاج للمصابين بأي أمراض عارضة أو مزمنة وفي جزء من وقت الفسحة يلتقي بالأطفال لتوعيتهم بأساسيات الرعاية الصحية, وبعد الظهر يلتقي بالأهالي لمناقشتهم فيما يعرضون بناتهم له من أخطار واقناعهم بالكف عنه. هذا الطبيب هو واحد من فريق يعمل في اطار مشروع تحسين الظروف التعليمية والصحية والنفسية للفتيات المعرضات للختان بحي دار السلام الذي تنفذه جمعية بنت النيل بالمشاركة مع مؤسسة حماية وتنمية الطفل وحقوقه الممول من هيئة كونيموند والوكالة الأسبانية الدولية, والذي تلخص فردوس البهنسي خبيرة تنمية المجتمع وأحد المشاركين في المشروع أهدافه بأنها تكوين مناخ اجتماعي وثقافي يدعم حقوق الفتاة وتمتعها بحياة صحية ونفسية سليمة وحمايتها من جميع أشكال العنف وتحسين حالتها التعليمية والصحية بما يشجع أسرتها علي عدم اجراء الختان لها. وتوضح سيدة السيد رئيسة جمعية بنت النيل أن أسر الفتيات استجابت نتيجة الحوار والاقتناع من خلال الندوات التي تنظم في اطار المشروع, وأيضا لما لمسته من تحول في حياة بناتهن للأفضل بعد انضمامهن للمشروع حيث ينظم للفتيات برنامج تعليمي لرفع قدراتهن ومتابعتهن صحيا ونفسيا من خلال أربعة فصول تعليمية تضم80 تلميذة من المهددات بالتسرب من التعليم واعادتهن مرة أخري للمدارس وضمهن لبرنامج ترفيهي يشمل القيام برحلات وممارسة أنشطة رياضية وفنية مثل الرسم والخزف والغناء ومتابعة ورصد حالاتهن النفسية والتعرف علي مشاكلهن الأسرية وأسباب تأخرهن دراسيا والعمل علي حل هذه المشاكل.. قطع كل المتحدثين صوت الصغيرات وهن يرددن رائعة صلاح جاهين يابنت ياأم المريلة كحلي.. فقد أصبحن قادرات علي الغناء والاستمتاع بالحياة بعد أن زالت مخاوفهن من التعرض للختان, وتأكدن أن الأهلي تخلوا عن موقفهم فزادت ثقتهن بأنفسهن واتخذن قرارهن بأن يصبح نشيدهن في نهاية كل لقاء: قال الشرع وقال الدين الختان عمل مهين.. ولا بالمشرط ولا السكين.. دي العفة بالتعليم فهن أيضا مثل طبيبهن أصبحت لديهن قدرة علي اتخاذ القرار.