منذ أوائل الشهر الماضي انفجرت خلافات حادة بين وزارة التربية والتعليم, وناشري الكتب المدرسية الخارجية حول الترخيص لهم بطباعة تلك الكتب في مقابل سداد حق الملكية الفكرية لما تصدره الوزارة من كتب مقررة, وعلي مدي عقود من السنوات السابقة تم الاتفاق علي أن يبعث الناشرون بكتبهم إلي الوزارة لمراجعتها والتأكد من ملاءمتها وصلاحيتها للنشر, مع سداد ما هو مقرر من ضريبة حق الملكية الفكرية للوزارة. وفجأة قرر معالي الوزير المطلوب سداده من الناشرين لذلك الحق أضعافا مضاعفة عما جرت عليه القرارات الوزارية في السنوات السابقة. ولما احتد الخلاف بين الطرفين حول هذه التقديرات أشار السيد الوزير إلي ضرورة تشكيل لجنة لتسوية ودية بينهما, وانعقدت اللجنة بتاريخ2010/8/21, لكن هذا اللقاء لم يسفر سوي عن مطالبة كل طرف للآخر بتقديم الأسس التي تم الاعتماد عليها في تحديد قيمة الترخيص, وأعقب ذلك بعث رئيس اتحاد الناشرين بعد مداولاته معهم برسالة إلي معالي الوزير يعلمه بأنه تم الاتفاق بينهم علي سداد ما قيمته2.5% من صافي مبيعات الكتب الخارجية لكل ناشر, وفقا لإقراره الضريبي, لكن الوزارة تمسكت بتقديراتها ولم يتم أي اجتماع آخر بين الطرفين, وبذلك انقطع خيط اللقاء أو التفاوض حول المشكلة. ومن ثم حمي وطيس معركة الكر والفر بين الناشرين والوزارة, وحسبما جاء في بعض الأخبار الصحفية قامت بعض دور النشر الكبري ببيع الكتب المدرسية الخارجية بالمكتبات في تحد واضح لقرارات الوزارة, وتزاحم عدد كبير من أولياء الأمور في طوابير في شارع الفجالة للحصول علي بعض الكتب قبل نفادها, كذلك قام الناشرون برفع ثلاث قضايا ضد قرار الوزارة رقم52 لسنة2010, الذي منع طباعة الكتب وتسبب في تشريد العاملين وإلحاق خسائر مالية بتلك المؤسسات. وفي خلال ما يثيره هذا الخلاف من نقع الغبار يقوم بعض الزملاء من التربويين بالتعجل في إطلاق تعبير مافيا الناشرين في مشابهة مع مافيا الدروس الخصوصية, متجاهلين أن كتب ناشري الفجالة إنما كانت تصدر بعد موافقة الوزارة عليها بعد دفع ضريبة حق الملكية, فأين( المافيوية؟ وأين السوق السوداء) في هذا المجال؟ ويتمادي بعضهم في ذكر تأثير هذه الكتب المفسدة للتفكير وإشاعة ثالوث التلقين والحفظ والتذكر, فضلا عن مزاعمهم في رفض قيمة أي تنويع لموضوعات الدراسة من خلال كتب أخري تنافس أو تكمل كتاب الوزارة الوحيد صاحب السلطة المطلقة الذي يعتبرونه الضامن لإعداد أجيال المستقبل, وللأمن القومي!! ولا يتسع المجال لمناقشتهم في كثير مما ينسبونه للكتب الخارجية المعتمدة من تأثير سلبي علي العملية التعليمية, مع أنها في تقديري وخبرتي ذات تأثير إيجابي حيث توضح وتشرح وتنوع جوانب المعرفة الجافة والعقيمة في كثير من كتب الوزارة, ثم إنه لولا ما تتضمنه من مزايا لما أقبل عليها الطلاب وأولياء أمورهم برغم ارتفاع أسعارها. وإذا ما اختفت الكتب الخارجية المعتمدة حاليا من الوزارة سوف تغمر السوق ما يمكن تسميته الكتب الخارجية العشوائية غير المصرح بها من الوزارة, وهي المتمثلة في الملخصات التي يعدها المدرسون, أو الملازم التي يفرضها مدرسو الدروس الخصوصية من بلابيع المعرفة, وتكاد تحتل هذه العشوائيات بجذاذياتها المعرفة العشوائية سوق الكتاب إلي حدود لا يستطيع أحد إيقافها, ومن المحتمل أيضا أن يؤدي اختفاء الكتب الخارجية المعتمدة إلي زيادة الطلب علي الدروس الخصوصية, اللذين هما مصدر معظم ما يعانيه التعليم من أوجاع وأمراض, وذلك هو ما يستحق إدارة المعارك في سبيل القصاء عليه. وأخيرا فإني أتوجه بالرجاء والأمل إلي معالي وزير التربية والتعليم لإعادة التفاوض مع اتحاد الناشرين وأعضائه في ضوء بيانات تفصيلية لمناقشة أوضاع سوق الكتب الواقعية التي يصدرها الناشرون مقارنة بتقديراته التي اعتمدت الوزارة عليها, وفي جميع الأحوال يتطلب الأمر التدرج الزمني في رفع أسعار حق الملكية الفكرية, إذ أن آثار المفاجأة في مثل ما هو مفروض من جديد الأعباء الثقال ليست أنجح سبيل لتطوير الواقع, وتدور المفاوضة في تخفيض أسعار الكتب, وزيادة معقولة فيما تطلبه الوزارة من صافي مبيعاتها الخارجية. إن النسبة التي تتطلبها حاليا لا نشهدها حتي في التضخم الحاصل في أسعار الحديد والأسمنت والنفط والذهب, ثم إن جلسة واحدة لا تكفي في حل هذه المعضلة, وربما يسعي لتيسير عملية التفاوض رئيس مجلس الوزراء, أو أحد القيادات المجتمعية المعنية بهموم التعليم, ومن خبرتي الشخصية في ترجمة الكتب الأجنبية يدور في مجال التفاوض مع الناشر حول تحديده لقيمة الملكية الفكرية ينتهي في معظم الحالات إلي قدر من التخفيض. وبذلك السعي إلي التفاوض مع النيات الحسنة, والرغبة في التعاون, نتفادي الدخول في الدوامات القضائية, وما تتطلبه من جهد ومال وآثار لا نعرف نهايتها, كذلك يجنبنا تدخل قوات الأمن في ظاهرة غير مسبوقة لمصادرة كتب مدرسية في السوق السوداء, أو في بدعة توصيل هذه الكتب إلي المنازل( هوم ديلفري) مثل طعام البيتزا, والدجاج الجاهز. والصلح خير يامعالي الوزير