تابعت المسلسل الدرامي أهل كايرو للحقيقة تابعته لمرتين مرة أثناء بثه الأول في شهر رمضان, وكانت متابعة متقطعة, ثم عندما أعيد بثه في شهر سبتمبر. وقد ركزت في متابعتي له في هذه المرة الثانية حتي أتأكد من الرسالة الإنسانية الاجتماعية التي التقطتها من عمل درامي. محكم يقوم بتأدية أدواره عدد من الشباب الفنانين الذين أعجب بهم ومنهم الفنان خالد الصاوي, ثم ناقشت فحوي ومضمون هذه الرسالة مع عدد من الذين تابعوه, ومنهم الإعلامية الأستاذة سوزان حسن الرئيسة السابقة للتليفزيون, وبعض الصحفيات الشابات العاملات في صحف حزبية ومستقلة, كما ناقشت رسالته هذه مع عدد من الصديقات والأصدقاء من الأناس العاديين, مجرد متفرجات ومتفرجين, وعندما أيدني كل من تناقشت معه حول هذه الرسالة, ققرت أن أكتب هذا المقال في جريدتي التي استمرت تحتضني لمدة خمسين عاما. تؤكد حركتنا, نحن المهتمين بهذا الوطن وقضاياه, أن المجتمع المصري به مشكلات اجتماعية كثيرة, منها بعض المشكلات التي نسميها بالمشكلات المسكوت عنها وهي مشكلات, قد يستمر المجتمع, بكل مكوناته الثقافية الفاعلة, يفتقد شجاعة وقدرة مواجهتها لفترات زمنية طويلة, ثم تكتسب بعض مكونات هذا المجتمع شجاعتها وقدرتها عندما تبدأ الانفتاح علي هذا الواقع, وعلي ناسه, وخاصة عندما تخرج هذه المكونات من صفوفه كقيادات أكثر وعيا وأكثر دراسة ودراية من قيادات سبقتها لتقترب بشجاعة من هذا الواقع وتحاول إصلاح ما به من خلل, أحيانا قد يصاب المجتمع بالصدمة, ليس لأنه لا يعرف بوجود هذه المشكلات, ولكن لمجرد أنها استمرت كامنة وخافية وتبدو وكأن أحدا لا يدري بها, ونخاف لحظة الكشف عنها وطرحها علي الساحة أن نخدش حياء هذا المجتمع وتركيبته الاجتماعية والثقافية العامة والخاصة. أتذكر أن خلال العقد الستيني كنا, المرحومة السيدة أمينة السعيد وشخصي, نخجل ونصاب بهلع شديد إذا ما تذكر أمامنا عبارة الختان في أي مناقشة تتعلق بحقوق المرأة, كنا نتمتم سويا لا عيب ما يصحش فحتي القريب من الزمان كانت مشكلة ختان الإناث المصريات من المشكلات الاجتماعية المسكوت عنها ولكن بعد انفتاح المجتمع علي مشاكله بشجاعة, ومنها هذه المشكلة, التي هي في الأساس عنف جسدي ونفسي ضد الفتيات, بت شخصيا أشعر بكل الفخر والزهو, وأنا أسير في شوارع عواصم محافظاتنا وأري لافتة كبيرة تحمل عبارة لا لختان الفتيات. هذا ما فهمته من مسلسل أهل كايرو وهو ما تأكدت منه من كل من ناقشتهم لقد التقطنا الرسالة الأخلاقية الصحيحة, وأرجو أن نكون جميعا علي صواب. يطرح المسلسل مشكلة مسكوتا عنها منذ الزمن القديم, وهي أقسي أنواع العنف ضد المرأة زنا المحارم ففساد أمينة الابنة أو صافي الشابة لم يبدأ في الفنادق الكبري وسط شبكة من الفاسدين واللصوص, وإنما بدأ في البدروم في الحي الشعبي, حيث كانت تعيش مع أب مريض نفسيا ومنحل أخلاقيا, اغتصبها ووضعها علي أول طريق الفساد الخاص الخلقي الذي امتد بها إلي الفساد العام, المالي والاجتماعي والسياسي, وانتهت مشكلتها ككل نظيراتها من حالات العنف ضد الابنة أو الاخت, بالقتل تبدأ بالخطيئة الكبري, فتتحلل القيم الإنسانية الراقية, وتنتهي بالجريمة التالية الثأر للشرف ولإخفاء الجريمة الأولي الأساسية, وفي الواقع, الجريمتان في حجم واحد ومتكاملتان, وكانتا مسكوتا عنهما حتي لا نخدش عذرية وحياء المجتمع الذي يعمل كل شيء, ولكنه يدعي عدم العلم بأي شيء. لابد من الاعتراف أني لو كنت قد تابعت هذا المسلسل منذ عشرين أو ثلاثين عاما ما كنت قد توصلت لرسالته هذه, فالذي ساعدني علي فهمها هو متابعتي المنهجية المستمرة للعديد من الأخبار التي تنشر علي صفحات الحوادث, بما فيها صفحات حوادث الصحف القومية والمستقلة. والتي باتت تعكس حركة المجتمع أكثر من ذي قبل بالإضافة إلي هذه المتابعة, أذكر مشاركتي في إعداد دراسة مهمة خطط لها المجلس القومي للمرأة حول العنف ضد المرأة في الشارع, وفي البيت, وفي مواقع العمل, وفي الحضر, وفي الريف, وحيث يخترق كل طبقاته الاجتماعية. ساعدني كل ذلك علي الدنو من الواقع الحي ومحاولة رسم الحلول لمشكلته هذه في إطار ما تم التوصل إليه من نتائج تفيد أن العنف المجتمعي العام موجود, ويتم تدويره حتي يصل إلي أضعف الحلقات الإنسانية للمجتمع, ثم يضرب بشدة وبقوة, عنصرا الحلقتين هما المرأة والطفل. إحدي العقبات التي كانت تواجهنا لترجمة الحقائق التي توصلنا إليها في الدراسة, إلي مادة إعلامية تنويرية توعي المجتمع وتحصنه وتنبه أفراده, كانت البحث عن المدخل إلي المتفرج أو المستمع أو القاريء دون تعريضه لصدمة أو استفزاز, فجاء المسلسل ليشرح المشكلة من الالف إلي الياء بأسلوب سلس ناعم غير خادش للحياء, فاختزل لنا شهورا من البحث والجهد, وأكد لنا أن كل شيء يمكن طرحه وتناوله والكتابة عنه علي كل المستويات إذا ما قادنا البحث إلي أفضل أسلوب التناول والمعالجة ثم وضوح الرسالة الاجتماعية التي شغلنا الشاغل. يتناول البعض منا التعرض لمثل هذه المشكلات علي أنه فضح المجتمع المحافظ الجميل الذي نعيش فيه, في أحيان يقولون أنه نوع من نشر غسيلنا المتسخ علي العالم ويتناوله البعض الثاني علي أنه مصارحة المجتمع وانفتاحه علي خباياه الفاسدة التي, أن تركت, فسوف تقودنا جميعا إلي التهلكة, مصارحة المجتمع وتعبئته من أجل إصلاح حاله والنهوض بكل مكوناته الاجتماعية والثقافية, وسوف يستمر الجدل يدور حول مثل هذه الأعمال إلي أن يكتسب المجتمع وأفراده الشجاعة والقدرة الكافيتين علي التعامل مع ذاته علي أنها ذات المجتمع إنساني عادي ككل المجتمعات الإنسانية الأخري التي تعاني من كل ما نعانيه من مشكلات, وفي الوفت نفسه يتماثل مع كل المجتمعات الإنسانية الأخري في احتضانه لقيم أخلاقية عالية لابد أن تتحول إلي القيم السائدة التي تحكم علاقات الأفراد والجماعات فيه, فالفارق بين مجتمع وآخر هو مدي انفتاح كل مجتمع منها علي مشاكله الداخلية, وعلي مدي دنوه منها وتناوله لها ثم محاولة علاجها. يذكرنا مسلسل أهل كايرو بمسلسل آخر عرض منذ سنوات قليلة هو قضية رأي عام أثار ذلك المسلسل القديم مشكلة اجتماعية أخري تدخل في إطار العنف ضد المرأة, وهي الاغتصاب حينذاك أثار المسلسل العديد من التباينات في الرأي والتوجه, ولكنه حمل الرسالة إلي المجتمع ونبهه إلي وجودها وأخطارها, وبغض النظر عن الآراء, وعن الهجوم أو المساندة, فنحن أمام أعمال درامية تغوص بشجاعة في واقعنا لتلتقط أخطاءه وتطرحها بهدف إصلاح ما يمكن إصلاحه, فلابد من الترحيب بها. المزيد من مقالات أمينة شفيق