في توقيت مواكب لاعلان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو رفضه مد فترة تجميد الاستيطان في الاراضي الفلسطينيةالمحتلة اعلن الرئيس الامريكي الاسبق بيل كلينتون. ان المهاجرين من الاتحاد السوفييتي السابق او كما وصفهم ب الناطقين بالروسية يشكلون العقبة الرئيسية علي طريق التسوية السلمية في الشرق الاوسط. لم يكن ما قاله كلينتون في حديثه خلال اجتماع منتدي مبادرة كلينتون العالمية في نيويورك في21 سبتمبر الماضي جديدا. فليس سرا ان هؤلاء المهاجرين كانوا ويظلون الاكثر عدوانية وتطرفا في الوقت الذي يؤكد التاريخ ان بينهم مواطنين روسا واوكرانيين من غير اليهود لجأوا إلي الهجرة الي إسرائيل سبيلا للتخلص من الستار الحديدي متحايلين علي القواعد التي اعلنتها وكالات الهجرة عبر الرشوة واساليب ملتوية أخري للحصول علي شهادات اثبات يهوديتهم. ولم يكن بخاف علي احد ان اسرائيل تتعمد توطين هؤلاء في الارض التي تعترف موسكو بانها محتلة كدروع بشرية مما كان يزيد عمليا من دعم المحتل تقنيا وماديا ويفاقم جريمة الاستيطان في وقت بدا فيه السماح بهذه الهجرة اشبه بمحاولة من جانب الكرملين لشراء صكوك غفران مكذوب. كانوا يتدفقون عبر مراكز وكالة الهجرة سهنوت التي انتشرت كما البثور في عواصم الجمهوريات السوفيتية دون اعتبار لأبسط حقوق الانسان في الحياة علي ارضه وهو ما كان يتجاهله دعاة حقوق الانسان من زعماء الغرب الذين كانوا يتدفقون علي موسكو مع أولي سنوات البيريسترويكا يرفعون شعار حق اليهود السوفييت في الهجرة وهو ما سبق واشرنا اليه في اكثر من مناسبة ومع اكثر من مسئول ومنهم الرئيس السوفييتي ميخائيل جورباتشوف ووزير خارجيته ادوارد شيفارنادزه. كنا نصرخ باعلي الصوت في كل المؤتمرات واللقاءات الصحفية علي مدي قرابة العشرين عاما محذرين من ان موسكو التي سبق وساهمت في صناعة اسرائيل بامدادها بالمهاجرين ظنا من جانبها انهم سيقيمون أول دولة اشتراكية في الشرق الاوسط تخطئ اليوم حين تظن ان من توفدهم من مهاجرين حمائم سلام سيسهمون في ترسيخ وجهة النظر الداعية الي التسوية السلمية حسبما كان يقول لنا جورباتشوف وشيفاردنازه في اواخر ثمانينيات القرن الماضي. ولم يكن سرا ان اسرائيل كانت تجمع كل هؤلاء وغيرهم من الفلاشا والهاربين من اوروبا الشرقية ممن تجمعهم الكراهية الشديدة للعرب لتوطينهم في الاراضي الفلسطينيةالمحتلة تمهيدا لتقنين ضمها ومنهم ناتان شارانسكي المنشق السوفييتي وافجيدور ليبرمان وزير الخارجية الحالي وغيرهم من المغامرين والشباب الذين صاروا من اركان الجيش الاسرائيلي تقنيا وبشريا وممن تستقبلهم اليوم موسكو بترحاب شديد باعتبارهم ابناء الوطن حسب تعبير رموز الكرملين. وقد كان من الغريب الذي يدعو الي الاسي والاسف معا ان يتحول هؤلاء الاصدقاء السوفييت القدامي ممن كانوا يتظاهرون في مختلف المحافل المحلية والدولية تأييدا لحق الشعوب في التحرر الوطني الي اكثر العناصر عدوانية ودموية وتطرفا في الوقت الذي يبدو فيه نظراؤهم من السابقين المهاجرين من اوروبا وشمال افريقيا اكثر ترحيبا بالسلام حسبما قال كلينتون. وكان كلينتون قد اشار الي ان اكثر المهاجرين الناطقين بالروسية يخدمون في الجيش الاسرائيلي وانهم الاشد عداء ورفضا لتقسيم الاراضي في اسرائيل. قال انه صارح شارانسكي زعيم حزب اسرائيل بعاليا الذي يشكل المهاجرون الروس الغالبية الساحقة من اعضائه في عام2000 وكان وزيرا للداخلية آنذاك بانهم يقفون عقبة في طريق السلام وهو ما رد عليه شارانسكي بقوله انه لا يستطيع التصويت علي استقطاع نصف اسرائيل. ونقل عنه قوله: انني روسي جئت من احدي اكبر دول العالم الي احدي أصغر دوله فيما انتم تريدونني ان اقبل بتقسيمها. كلا لن افعل ذلك الامر الذي دفع كلينتون الي مواجهته بانه جاء الي اسرائيل من زنزانة السجن في روسيا وما يعرضه عليه اكبر من حجم تلك الزنزانة وهو ما يفتح اليوم ضد الرئيس الامريكي الاسبق ابواب جهنم التي طالما اعدها الصهاينة لكل من يتجاسر علي قولة حق. وكي لا ننسي نقول ان شارانسكي سبق وقضي تسع سنوات في السجون السوفييتية بتهمة التجسس لحساب اسرائيل والولايات المتحدة قبل ان ينجح الغرب في استبداله عام1986 في اطار صفقة لتبادل الجواسيس ليسافر الي اسرائيل ويشكل لاحقا حزبه اسرائيل بعاليا الذي استطاع من خلاله دخول الحكومة الاسرائيلية قبل ان يستقيل منها احتجاجا علي قرار شارون حول الانسحاب من قطاع غزة. اما المتطرف السوفييتي الاخر وهو افجيدور ليبرمان نائب رئيس الحكومة وزير الخارجية الاسرائيلية اليوم فقد نزح ايضا الي اسرائيل من مولدافيا السوفيتية السابقة فيما يقيم اليوم في مستوطنة نوكديم بالضفة الغربيةالمحتلة. وكان كلينتون قد حذر ايضا من تفاقم المواقف في المستقبل القريب الذي قال انه لن يكون في صالح اسرائيل. وقال ما كان وامثاله يتجاهلونه تحسبا لاعتبارات ضيقة كانت أو واسعة.. الان ليس مهما. اعترف بان مثل هذه الهجرة ومثل هذه المواقف تقف علي طرفي نقيض من الشرعية الدولية وتبدو حجر عثرة علي طريق التسوية السلمية في وقت تواصل فيه موسكو عقد اتفاقيات التعاون العسكري مع اسرائيل علي نحو يعيد الي الاذهان ما فعلته قبل وبعد قيامها وهي التي كانت اول دولة في العالم اعترفت بدولة اسرائيل بعد اعلان قيامها بدقائق. اذن ما العمل نطرحها وكما يفعل الروس حين تضيق بهم السبل نقلا عن كاتبهم الذائع الصيت نيكولاي تشيرنيشيفسكي. تساؤل تاريخي كنا طرحناه في معرض لقاء صحفي مفتوح علي الاصدقاء من صانعي القرار ردوا عليه بسؤال معاكس: هل تريد من موسكو ان تقطع علاقاتها مع اسرائيل. ولكن علي الأقل هل تستطيع موسكو ان تقول قولة حق وتعترف بأخطائها التاريخية ومنها ايفاد ابنائها ابان سنوات حكم ستالين الي فلسطين لاقامة دولة اسرائيل والتوقف عن سياسة الابواب المفتوحة امام كل ما هو اسرائيلي خطبا لودهم وود اصدقائهم فيما وراء المحيط خصما من رصيد الحق والشرعية والعدالة التي طالما حاولت الاممالمتحدة تحقيقه من خلال قرارات علي غرار قرار التقسيم في عام1947 ومنها قرارا424 و338 وغيرهما من التي يتوالي صدورها منذ عام1967. ام انها ماضية علي طريق تدعيم علاقاتها مع هؤلاء من خلال اتفاقيات علي غرار اتفاقية التعاون العسكري التي وقعتها مؤخرا وتشمل التعاون في مجال تأهيل الكوادر واقامة المشروعات المشتركة هل يمكن ان تعي موسكو ان الغالبية الساحقة من ابنائها والذين تجاوز عددهم المليون ونصف المليون مواطن روسي اسرائيلي يساهمون في دعم القوي اليمينية المتطرفة بأصواتهم التي صارت حقا مكتسبا لهذا اليمين العدواني. عند هذا الحد نتوقف لنشير الي انه من اللافت والغريب والمثير معا ان تلتزم موسكو الرسمية الصمت تجاه ما كشف عنه كلينتون من تصريحات ومواقف وهي التي سبق ولجأت اليه سعيا وراء استصدار اي تعليق او تصريح يمكن ان يساعد في احتواء أزمة شبكة الجواسيس الروسية خلال لقائه مع رئيس الحكومة الروسية فلاديمير بوتين الذي طالما رحب ب ابناء الوطن من قيادات اسرائيل التي تحل ضيوفا علي وطنها السابق والحالي.