قام الرئيس السوري بشار الأسد بزيارة إلي طهران خلال الأسبوع الحالي, وجاءت هذه الزيارة في أعقاب زيارات متعددة متبادلة لكبار المسئولين في البلدين كان من أهمها زيارة الرئيس الإيرانيلدمشق في فبراير الماضي وزيارته الأخيرة في أوائل شهر سبتمبر, وكان قد سبقها زيارة نائب الرئيس الإيرانيلدمشق, وكذلك زيارة علي ولايتي كبير مستشاري المرشد الاعلي الإيراني في أغسطس الماضي, بالإضافة إلي زيارة كبار المسئولين السوريين إلي طهران والتي كان آخرها زيارة نائب رئيس الوزراء للشئون الاقتصادية منذ شهرين.. هذه الزيارات المكثفة والمتلاحقة في فترة زمنية قليلة وشملت وفودا من مختلف المجالات تطرح الكثير من التساؤلات حول أسبابها ودوافعها ولا شك أن الوقوف علي أبعاد وأهداف هذه الزيارات تقتضي بداية الإشارة إلي عدد من الملاحظات التي من بينها ما يلي: أن هناك اهتماما إيرانيا يتجاوز حجم الاهتمام السوري يعكسه تعدد وتلاحق تلك الزيارات من جانب إيران ومستوي الشخصيات التي تقوم بها داخل دوائر صنع القرار الإيراني. من الواضح أن الزيارات ارتبطت من جانب إيران بتبلور نوع من المخاوف والقلق من حدوث تغير في خريطة المعادلة السياسية في المنطقة يمكن أن تؤثر علي حجم التحالف الثنائي, وهو ما عبر عنه الرئيس الإيراني خلال زيارته الأخيرة لدمشق, حيث أوضح في تصريحاته الصحفية, أن هناك تحركات غربية تستلزم التشاور مع دمشق بخصوصها, كما أشار كذلك إلي أن الزيارة استهدفت وقف المحاولات الجارية لتغيير المعادلة السياسية في المنطقة. توجد ثلاثة ملفات رئيسية تشهد نوعا من التطور والتفاعل الذي يوحي بملامح للتغيير, ويأتي علي رأس هذه الملفات, التطورات الجارية في لبنان التي نقلت المشهد اللبناني إلي نوع من التوتر والاحتقان لم تشهده السنوات الأخيرة, وإذا كانت إيران قد اطمأنت إلي تأكيد نفوذها داخل المعادلة السياسية اللبنانية خلال السنتين الأخيرتين, إلا أن التفاهم السوري السعودي, وتبرئة رئيس الوزراء اللبناني لسوريا من عملية اغتيال الحريري, أثار قلق حزب الله ومن وراءه إيران خوفا من أن يؤدي ذلك التفاهم لمزيد من الحصار للحزب, والتأثير علي النفوذ الإيراني, الأمر الذي دفع الحزب إلي شن معركة داخلية لإبطال المحكمة الدولية قبل إصدار قرارها بتوجيه اتهامات باغتيال الحريري رجحت مصادر مختلفة أنها ستطول عناصر من حزب الله, وهذه جميعها قضايا تقتضي المراجعة والمناقشة بين الحليفين الاستراتيجيين حتي لا تأتي استعادة سوريا لنفوذها في لبنان علي حساب المصالح الإيرانية, ولا شك أن زيارة الرئيس الإيراني لبيروت منتصف الشهر الحالي سوف تكون خطوة إيرانية إضافية في هذا المجال. تعتبر التطورات الجارية في الملف الفلسطيني من الموضوعات ذات الأهمية والتي تحتم التشاور بخصوصها خاصة مع ما تناولته مصادر إعلامية غربية حول ضغوط أمريكية وأوروبية علي سوريا, لممارسة ضغوط مناسبة علي حماس للتوافق مع الجهود المبذولة لتحقيق تقدم في مجال التسوية من خلال المفاوضات المباشرة, وقد تزامن ذلك مع ترحيب سوريا بقبول رعاية أمريكية لإحياء التفاوض مع إسرائيل, والحوارات المكثفة التي شاركت فيها فرنسا, وكانت سببا في زيارة ميتشيل الأخيرة لدمشق, ولقاء وزيرة الخارجية الأمريكية مع وزير الخارجية السورية في نيويورك, وجميعها تطورات لا تتفق مع الاستراتيجية الإيرانية علي هذا المستوي. لا شك أن الملف العراقي يتصدر الاهتمامات الإيرانية, وتؤكد مصادر عراقية أن إيران انزعجت بصورة كبيرة من بعض محاور التحرك السوري علي هذا الملف وسعيها لصياغة تحالف يدعم القائمة العراقية بزعامة علاوي, وهو ما اعتبرته طهران توافقا مع السياسة التركية ولا تتوافق مع مصالحها بصورة كبيرة فمارست الضغوط علي مقتدي الصدر لتغيير موقفه مع المالكي ونجحت في استيعاب الموقف السوري, ودفعت المالكي للتصالح مع سوريا, حيث قدم لها حوافز اقتصادية ساهمت في تغيير بعض مواقفها السياسية, خاصة الخطوط الثلاثة لنقل البترول العراقي, وكذلك الغاز الطبيعي الإيراني عبر الأراضي العراقية والسورية إلي البحر المتوسط, ولا شك أن زيارة أياد علاوي ولقاءه مع الرئيس الأسد9/29 تؤكد ان هذا الملف سيكون مجالا لمباحثات مكثفة خلال تلك الزيارة. من الطبيعي أن تكون العلاقات الثنائية خاصة العسكرية والاقتصادية مجالا للمباحثات خلال تلك الزيارة في ضوء ارتفاع حجم التبادل التجاري إلي3 مليارات دولار وتستهدف إيران رفعه خلال العامين القادمين إلي5 مليارات دولار, وإن كانت الصادرات الإيرانية أربعة أضعاف الصادرات السورية, كما أن هناك تعاونا في مجال التصنيع العسكري المشترك وهو وإن كان في بداياته, إلا أنه يشهد مظاهر إيجابية واعدة, كما أن هناك حديثا عن نوع من التمويل الإيراني لجزء من الصفقة العسكرية التي تسعي سوريا لتوقيعها مع روسيا, وتبلغ قيمتها نحو5 مليارات دولار. هكذا يتضح أن الزيارة تؤكد الحرص المتبادل لكل من دمشقوطهران علي التشاور لاستيعاب أي تباين في وجهات النظر بخصوص ملفات الاهتمام المشتركة, وإذا كانت التحركات الدولية تجاه سوريا وما تسرب عنها قد أشارت إلي احتمال تبلور بعض المرونة من جانب دمشق فمن المرجح ألا يؤدي ذلك إلي تأثيرات سلبية علي العلاقات الثنائية بين طهرانودمشق, كما يتضح عن مراجعة المواقف السياسية والإعلامية التي صدرت عن كبار المسئولين السوريين خلال الشهور الأخيرة. كما أن الحديث حول تباين وجهات النظر في ملفات الاهتمام, ووجود نوع من القلق حول بعض السياسات السورية, كان أمرا قائما في الفترة الأخيرة لوجود مساحة من الاختلاف النسبي في التعامل مع تلك الملفات, الأمر الذي يؤكد أن هذه الزيارة كانت مجالا لتثبيت المواقف والاتفاق علي ضبط تباين المواقف بخصوصها. بالرغم من ذلك ففي التقدير أن يبقي الملف اللبناني مجالا لنوع من التباين خاصة مع احتمال صدور الاتهام من المحكمة الدولية, الذي يمكن أن يزيد من حدة المواجهة, وهو أمر تستعد له إيران لتجعل من لبنان ميدان مواجهة مع الولاياتالمتحدة, وتتحسب له سوريا التي لا ترغب في هذه المواجهة الحادة ولا تزال تحرص علي المحافظة علي التفاهم مع السعودية, ونحتاج إلي الرعاية الأمريكية للتفاوض مع إسرائيل, خاصة في ظل التهديدات الأمريكية الأخيرة لدمشق بأنها لن تسمح بأي تهديد لاستقرار لبنان. بصفة عامة فإن التطورات التي تشهدها العلاقات الثنائية بين سوريا وإيران تكشف عن مدي التمدد الإيراني في القضايا العربية, مع غياب واضح لدور عربي قادر علي ضبط هذا التمدد, وبحيث أصبح الدور الإقليمي هو المحدد الرئيسي في تطور القضايا العربية بدرجة كبيرة.