المفكرون والمثقفون والكتاب والمبدعون والعلماء وأساتذة الجامعات والنشطاء ونقابات المحامين والمهندسين والأطباء والصيادلة وغيرها ورجال الأعمال والغرف التجارية والصناعية والسياسيون وقادة الأحزاب. وعلماء الدين الإسلامي ورجال الكنيسة والفنانون وغيرهم يشكلون الصفوة أو النخبة في أي مجتمع من المجتمعات. وهم العمود الفقري لحركة التقدم وقادة التنوير والقوة المؤثرة في حركة الحياة. وهذه النخبة هي التي تتصدر المسرح وتثير الجلبة وتصنع الصخب وتدفع الدماء في عروق المجتمع, ومن هذه النخبة يخرج المؤيدون والمعارضون, وأهل الأفكار والأيديولوجيات المختلفة, فمن بينهم أنصار الدولة المدنية والمطالبون بالدولة الدينية, ومنهم أهل اليسار المادي والسياسي, وكتلة اليمين, وفريق الوسطية والاعتدال, كما ينقسمون إلي أغلبية تؤيد مسيرة السلام مع إسرائيل وأقلية تناهضها بالإضافة إلي انقسامها حول فكرة القومية العربية والوطنية المصرية, ومازال الحوار يدور صاخبا أحيانا وهادئا أحيانا أخري حول قضايا كثيرة منها الموقف من23 يوليو1952, والديمقراطية والحرية والحرية الاقتصادية والفساد وأهل الثقة وأهل الخبرة وأخيرا التوريث والإصلاح السياسي والاقتصادي وأيهما يأتي أولا. والخلاف والاتفاق بين قوي النخبة المصرية, عملية لا تتوقف, وإن لاحظ المراقبون أن النخبة لم تتوصل بعد إلي اتفاق حد أدني يحدد ما هو متفق عليه ولا يمكن الخلاف حوله, أي القضايا الأساسية والأهداف التي لا خلاف عليها, لذا فإن الاختلاف يتجدد ويحتد حول كل شيء وأي شيء. وهذه النخبة إذا ما تم النظر إلي قدراتها الذاتية, يمكن اعتبارها القوة التي يجب أن يحسب حسابها عند صناعة السياسة أو صناعة القرار, وهي إن لم تكن مشاركة فإن تأثيرها يمكن رصده بسهولة. وتشكيل النخبة في أي مجتمع يتطلب عدة عقود من التعليم والعمل واكتساب الخبرة والثقة بالإضافة إلي التراكم المعرفي والصقل الثقافي والنضج النفسي والعقلي. وهذا يعني أن إقدام نظام سياسي جديد سواء في أعقاب ثورة أو انقلاب عسكري علي الصدام مع النخبة الموجودة والعمل علي تصفيتها وحصارها, سيؤدي إلي حرمان المجتمع من نخبته أي من عموده الفقري ومبعث حيويته, ليحل محلها جيش من المنافقين والانتهازيين والنصابين. وهنا علي المجتمع أن ينتظر عدة عقود لبروز نخبة جديدة تنضم إلي ما تبقي من أفراد النخبة التي كانت موجودة من قبل ولم تنل منها عمليات التصفية والحصار والتشويه. ونصل هنا إلي النقطة الأساسية, فالمجتمع يتعذر عليه احتمال غياب النخبة لأن الحياة تتوقف عليها, في حين أن نفس المجتمع لو غابت قياداته السياسية وقمم أهل الحكم فلن يفقد شيئا, وكان المفكر الفرنسي سان سيمون1760 1825 صاحب النظرة والفكر المثالي قد توقف أمام هذه المفارقة, هذا إن لم يكن هو أول من تحدث عنها حيث يقول في النص المعروف ب أمثولة سان سيمون المنشور عام1819: إن فرنسا لن تعاني من فقدان ملوكها ونبلائها وكل سياسييها, بقدر ما ستعاني إذا ما فقدت علماءها وصناعييها وأفضل حرفييها, أي الذين يمكن اعتبارهم نخبة المجتمع. وعاد ليقول في مجلته المنظم: لنفترض أن فرنسا فقدت في شكل مفاجئ أهم خمسين فيزيائيا لديها وأهم خمسين من الكيميائيين والأطباء والعلماء والشعراء والرسامين والمهندسين والجراحين والصيادلة, الذين يعدون مع غيرهم من الحرفيين والمهنيين الأكثر إنتاجا, فإن الأمة ستصبح جسدا لا روح فيه, وستحتاج فرنسا إلي جيل كامل لكي تعوض هذه الخسارة. ثم استطرد قائلا: لو أن فرنسا احتفظت بكل العباقرة من نخبتها, ولكنها فقدت معظم الأمراء والنبلاء وجميع ضباط العرش ووزاء الدولة والمارشالات والكاردينالات والمحافظين, فإن هذه الخسارة لن تسبب للفرنسيين إلا شجنا عاطفيا, لأن الآثار السلبية لهذا الاختفاء لن تؤثر علي مسيرة فرنسا ولا علي حيويتها. ونعود لنقول إن ازدهار أي دولة يعتمد علي نخبتها من العلماء والمفكرين والمهنيين والحرفيين, فهؤلاء هم قادة التنوير والتقدم والنهضة. إلي مجهولة العنوان من وديان القمر وبريق أشعة الشمس كان البارع إسماعيل النقيب ينتقي كلماته, وبقدر ما كان ينثر الورود, فقد كان قادرا علي إطلاق العواصف, لأنه كان صادقا دائما ومن المقيمين في عالم الحقيقة. وفي كل الأحوال كان مبدعا جميلا أنيق العبارة خفيف الظل قريبا من قلوب القراء خاصة الأنثي, وقد كان عاشقا ومعشوقا رائعا. وعلي درب الحب أضاء آلاف المنارات للمحبين بعد أن نذر نفسه لهداية من تاه منهم الطريق, وصاغ من نبض القلب أناشيد الحب والعشق والحياة. وإذا كان فيثاغورث الفيلسوف اليوناني(500 عام قبل ميلاد المسيح) يقول إن الوجود عدد ونغم فإن إسماعيل النقيب يري أن الوجود نبض ونغم. وقد رأي الفيلسوف اليوناني في الأعداد جمالا لا متناهيا في حين رأي فيلسوف العشق والعاشقين في الكلمات عالما من الجمال لا يدركه إلا من نبتت براعم الحب علي شغاف قلوبهم. وبالحب ظل صديق العمر متوهجا, وخلال محنة مرضه الحالية, شفاه الله, لم يتوقف عن التوهج والإبداع, وها هو يصدر كتابه الجديد تحت عنوان الي مجهولة العنوان ويقول في الإهداء هذه الكلمات أهديها إلي من تركت حبها في قلبي محفورا علي الجدران, ولم يشغلني عن هواها شواغل الزمان, ولم يبعدني عن حبها مكان, أصبح الزمان والمكان وقلبي عنوانا لمجهولة العنوان. وفي الأسبوع نفسه احتفلت ابنته الصغري ليلي بإصدار أول مجموعة قصصية لها باللغة الإنجليزية, ويعرف صديقي في محنة المرض فرحا طاغيا فها هي صغيرته التي درست الأدب الإنجليزي تبدأ خطوتها الأولي علي طريق الإبداع. المزيد من مقالات عبده مباشر