يعرف القراء المتابعون لحركة الترجمة في مصر قيمة الاعمال التي ترجمها المترجم طلعت الشايب في العشرين عاما الاخيرة وكلها تكشف عن وعي بالمتغيرات الفكرية التي يمر بها العالم. وبعد سنوات من التفرغ للعمل في المركز القومي للترجمة يعود الشايب من جديد بترجمة متميزة أصدرها المركز لكتاب مهم هو الاستشراق الامريكي/الولاياتالمتحدة والشرق الاوسط منذ1945 لدوجلاس ليتل الاستاذ في جامعة كلارك الامريكية. ويعطي الكتاب مفاتيح مهمة تفسر الكثير من السياسات الامريكية في المنطقة وتشير بشكل ما إلي اننا ضحايا لصور نمطية جري تركيبها في الوعي الامريكي الذي تكشفه عبارة دالة كتبها الكاتب الامريكي مارك توين في كتابه السذج خارج الوطن عام1869, اذ كتب( نزلنا عليهم بكل عظمة أمريكا حتي دمرناهم) وهي عبارة لا تكشف فقط عن عظمة أمريكا وانما ايضا عن احساسها الفريد بالتفرد الراغب في محو آية خصوصيات قومية وقد استسلمت امريكا تاريخيا لهذا الإغراء رغم فداحة الثمن الذي كان عليها ان تدفعه. ويقترح الكتاب مفهوما للشرق الاوسط يضم إلي جوار الدول العربية كلا من ايران واسرائيل وتركيا وصولا إلي افغانستان وعلي الرغم من التحولات السياسية التي جرت خلال الفترة التي يتناولها فإن الصور النمطية عن المنطقة لم تتغير لانها كانت وليدة تصورات استشراقية لايمكن فهم طبيعة اللقاء بين أمريكا والشرق الاوسط من دونها, فالثقافة الامريكية الشعبية في لحظات اللقاء الاولي مع منطقتنا في القرنين18 و19 لم تعرف شعوب الشرق الاوسط إلا باعتبارهم متخلفين ومتعصبين وليسوا اهل ثقة. وهكذا قادت غالبية الامريكيين بالفطرة مشاعر معادية للسامية وللإسلام, لكن الامر تغير قليلا بعد تأسيس اسرائيل حيث خفتت موجة العداء للسامية وأجريت معها عمليات تجميل انتهت ب غربنة إسرائيل وشيطنة العرب والمسلمين باعتبارهم ارهابيين معاديين للغرب, ولعبت السينما كما هو معروف دورا رئيسيا في رسم تلك الصور وتنميطها من خلال أفلام مهمة علي الصعيد الفني لعل أبرزها قائمة شندلر. والمؤكد أن اكتشاف البترول في المنطقة لم يغير الصورة, لكنه غير من أدوات السياسة الامريكية التي أوجدت علاقة تكافلية تسمح للولايات المتحدة من خلال شركاتها بأن تقدم الدعم لإسرائيل وتمارس في نفس الوقت نفوذا بلا حدود في العالم العربي كما يؤكد الكتاب كذلك ان زرع اسرائيل حليفا سياسيا خلال فترة الحرب الباردة كان ضروريا لمنع الاتحاد السوفيتي من ملء الفراغ الناجم عن انسحاب بريطانيا البطيء من امبراطوريتها في هذا الجزء المهم من العالم وهو أمر دعمته أمريكا بتبني مجموعة من السياسات شملت العداء لنظام جمال عبدالناصر بعد أزمة السويس وانتهت إلي تحجيمه في حرب يونيو1967. وقد غيرت احداث11 سبتمبر2001 من صورة الشرق الاوسط للدرجة التي دعت مؤلف الكتاب إلي ان يفتتح طبعته الثالثة بمطلع اغنية شاعت في بلاده بعد تلك الاحداث يقول مطلعها( ايقظني عندما ينتهي سبتمبر) لكن ما يؤكده ايضا ان الصور النمطية الاستشراقية لاتزال حية, كما ان العلاقة بين رجال النفط والمسئولين والحكوميين مازالت مؤثرة في سياسات امريكا الخاصة بالطاقة, كما ان قضية ما اذا كانت اسرائيل أصلا أمريكيا ثابتا ام دينا مستحقا تظل غير محسومة, فضلا عن أن التفكير بأسلوب ثنائية, نحن وهم التي اشاعها هنتجتون في حقبة الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو مازال موجودا حتي في عصر التعددية, اضف إلي ذلك تضاعف الاحساس الامريكي بإمكانية تحديث العالم الاسلامي وفقا للباترون المعتمد في البنتاجون القائم علي أمركة العالم علي الرغم من ان غالبية المحاولات الامريكية لتحديث الشرق الاوسط جاءت بنتائج عكسية وأدت إلي ردة فعل اسلامية عنيفة قادها الخميني في ايران ثم الجهاديون والسلفيون في دول عربية رئيسية. ويؤكد المؤلف كذلك انه اذا كانت حرب الخليج الاولي عام1990 انهت أعراض فيتنام وشجعت علي انجاز خطوة مهمة في ملف الصراع العربي الاسرائيلي فإن أحداث سبتمبر هزت الثقة الامريكية لفترة لكنها بالمقابل مهدت الطريق لحرب كونية علي الارهاب وقودها عقيدة قتالية كانت شدتها تفوق تلك الحماسة الدينية التي حفزت جهاد بن لادن وتنظيمه ضد الولاياتالمتحدة, كما يذكر الكتاب انه علي الرغم من الفشل الامريكي في العراق فإن صور الصراع الطائفي الذي عم بلاد الرافدين واختلاط عمليات المقاومة بالفوضي وقتل اكثر من اربعة الاف جندي امريكي لم تؤد إلا إلي تعزيز الصور النمطية الاستشراقية القديمة.