بعد مبابي.. كيلور نافاس يعلن رحيله عن باريس سان جيرمان    "الشيبي والتحكيم".. مصراوي يكشف تفاصيل مذكرة احتجاج الأهلي لاتحاد الكرة    تحالف رجال أعمال معروفين.. إسلام بحيري يكشف مصدر تمويل "تكوين"    محمد منير يشعل أجواء حفل زفاف ابنة مصطفى كامل بأغنية «عروسة النيل»    خلال تدشين كنيسة الرحاب.. البابا تواضروس يكرم هشام طلعت مصطفى    غدا.. معرض المشروعات الهندسية بكلية الهندسة الإلكترونية بمنوف    إعلام الأزهر تعرض تجربتها خلال القمة العالمية للقيادات الشبابية    الأرصاد: أمطار ورياح مثيرة للرمال غدًا    بسبب قيام الجار باعمال هدم.. انهيار عقار مكون من 3 طوابق في المنيا    متحدث الوزراء يكشف الموعد المتوقع بدء تشغيل أول خطوط مصانع إنتاج السيارات    ماكرون: يجب على أوروبا أن تكون مستعدة لردع روسيا    "الصحفيين" ترفض قرار "الأوقاف" بمنع تصوير الجنازات.. وتؤكد: مخالف للدستور    «الخيانة وفقد الشغف».. 5 أسباب لفشل الحب على طريقة بسمة وتامر في البدايات (تقرير)    رئيس جامعة طنطا يهنىء عميد كلية الطب لاختياره طبيبا مثاليا من نقابة الأطباء    أسامة كمال: نتنياهو فقد شعبيته في إسرائيل    وفد من وزارة البيئة والبنك الدولي يزور محطات الرصد اللحظي لجودة الهواء    كيف يعالج خبراء البنك الدولي الانبعاثات بتغيير أساليب الإنتاج الزراعي والغذائي    وزير النقل: تشغيل التاكسى الكهربائى الأربعاء المقبل بالعاصمة الإدارية    3 مصريين يتأهلون لدور ال16 ببطولة العالم للاسكواش بالقاهرة    إعلام إسرائيلي: أهالى 600 جندي يعارضون استكمال عملية رفح الفلسطينية    هدى الإتربى عن مسلسلها مع حنان مطاوع: انتهينا من تصوير أغلب المشاهد    نشطاء يحاولون تشويه لوحة "الحرية تقود الشعب" ل يوجين ديلاكروا    وزارة الأوقاف تقرر منع تصوير الجنازات داخل وخارج المساجد    فلسطين: القمة العربية ستدعو لتمويل خطة الاستجابة للتصدى للتداعيات على غزة    "صحة أسوان" تنظم قافلة طبية مجانية بقريتى العتمور ودابود    آفة طلابنا "النسيان".. 10 أخطاء يرتكبونها تقلل تركيزهم.. وأسباب نسيان المعلومات فى ليلة الامتحان.. ونصائح فعالة تخلى المعلومة تثبت فى دماغهم.. وقائمة يقدمها الأطباء بأكلات ومشروبات للتذكر والتخلص من التشتت    وزير الشباب: إنشاء حمام سباحة وملعب كرة قدم بمدينة الألعاب الرياضية بجامعة سوهاج    سر الأهلي.. هل ينهي الزمالك خطيئة جوميز مع جروس؟    تيسيرًا على الوافدين.. «الإسكندرية الأزهرية» تستحدث نظام الاستمارة الإلكترونية للطلاب    رمضان عبد المعز: لن يهلك مع الدعاء أحد والله لا يتخلى عن عباده    أوكرانيا تحبط هجمات روسية جديدة على الحدود في منطقة خاركيف    الرقابة الإدارية تستقبل وفد مفتشية الحكومة الفيتنامية    وكيل صحة الشرقية يتفقد مستشفى العزازي للصحة النفسية وعلاج الإدمان    وزير الرياضة يطمئن على لاعبة المشروع القومي بعد إجرائها عملية جراحية    سلوفينيا: ممتنون لمصر لمساعدة مواطنينا في غزة على العودة    كنيسة يسوع الملك الأسقفية بالرأس السوداء تحتفل بتخرج متدربين حرفيين جدد    إصابة 3 أشخاص في انقلاب سيارة محملة بطيخ بقنا    عمرو الورداني للأزواج: "قول كلام حلو لزوجتك زى اللى بتقوله برة"    إحالة أوراق طالب هتك عرض طفلة للمفتي    رئيس"المهندسين" بالإسكندرية يشارك في افتتاح الملتقى الهندسي للأعمال والوظائف لعام 2024    نقيب الأطباء يشكر السيسي لرعايته حفل يوم الطبيب: وجه بتحسين أحوال الأطباء عدة مرات    إلغاء جميع قرارات تعيين مساعدين لرئيس حزب الوفد    آخرها هجوم على الاونروا بالقدس.. حرب الاحتلال على منظمات الإغاثة بفلسطين    السعودية تطور نظام التبريد بالحرم المكي والنبوي لتصل ل6 آلاف طن تبريد    «الأرصاد» تكشف حقيقة وصول عاصفة بورسعيد الرملية إلى سماء القاهرة    جامعة القاهرة تستضيف وزير الأوقاف لمناقشة رسالة ماجستير حول دور الوقف في القدس    بعد ثبوت هلال ذي القعدة.. موعد بداية أطول إجازة للموظفين بمناسبة عيد الأضحى    العثور على جثة سيدة مجهولة مفصولة الرأس بمحطة الفشن ببني سويف    قروض للشباب والموظفين وأصحاب المعاشات بدون فوائد.. اعرف التفاصيل    للتوفير في الميزانية، أرخص وجبتين يمكنك تحضيرهم للغداء    منها المهددة بالانقراض.. تفاصيل اليوم العالمي للطيور المهاجرة للبيئة    مباشر مباراة المنصورة وسبورتنج لحسم الترقي إلى الدوري الممتاز    المشاركة ضرورية.. النني يحلم بتجنب سيناريو صلاح مع تشيلسي للتتويج بالبريميرليج    ما حكمُ من مات غنيًّا ولم يؤدِّ فريضةَ الحج؟ الإفتاء تُجيب    المفتي يحسم الجدل بشأن حكم إيداع الأموال في البنوك    وسائل إعلام فلسطينية: إطلاق وابل من القنابل الضوئية في أجواء منطقتي خربة العدس وحي النصر شمالي رفح    حادثة عصام صاصا على الدائري: تفاصيل الحادث والتطورات القانونية وظهوره الأخير في حفل بدبي    مجلس الأمن يدعو إلى إجراء تحقيق مستقل وفوري في المقابر الجماعية المكتشفة بغزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كايرو‏..‏ المكان والبشر‏!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 21 - 09 - 2010

شهد شهر رمضان في زحام مسلسلاته لافتا يعرض للتطور أوبالأحري التفسخ الاجتماعي في مصر هو مسلسل أهل كايرو‏.‏ وتدور أحداثه حول جريمة قتل ممثلة شابة‏. مست قصة صعودها ونهايتها المأسوية عالم السياسة والأعمال وقضايا الفقروالتفاوت الاجتماعي وحرية الصحافة وغيرها من القضايا المهمة التي يتفاعل حولها الجدل العام‏.‏
ويعرض المسلسل صورة قاتمة لسكان المدينة يكون فيها طرفا في الجرم أو الذنب‏,‏ متغاضيا عنه‏,‏ أو متواطئا فيه‏,‏ أو صاحب مصلحة في حدوثه‏,‏ فمن نموذج رجل الأعمال الانتهازي إلي نموذج السياسي الفاسد‏,‏ إلي أسرة القتيلة التي تغاضت أو تواطأت مع صعودها المشبوه‏,‏ الي رئيس التحرير المرتبك اخلاقيا لاعتبارات السوق أو المنافسة المهنية أو القيود السياسية‏,‏ الكل مدان في أحداث كايرو وتعتبر الصورة التي تقدمها الأحداث هي مرأة عاكسة لحالة الحوار العام في مصر حول مايسمي عادة بالأزمة أو المحنة التي تشير إلي ظواهر مثل تردي الأوضاع‏,‏ والتدهور الأخلاقي والحرمان الاجتماعي‏,‏ والفساد وغيرها من القضايا التي اصبحت تلون حديث المصريين عن حالهم‏.‏
وعلي النقيض تماما من تلك الصورة القاتمة للمدينة المليونية ظهر منذ فترة قصيرة فيلم لمؤلفة كندية باسم زمن القاهرة أو كايرو تايم تدور أحداثه في القاهرة حول زوجة موظف بالأمم المتحدة لغوث اللاجئين‏,‏ جاءت في اجازة فهامت بغرام المدينة ووقعت في أسرها‏,‏ والمدينة التي يقدمها الفيلم هي كايرو مختلفة تماما‏,‏ فهي النيل الساحر وحفلات العرس المصرية المبهجة والمقاهي الساهرة‏,‏ والبشر الذين يعرفون كيفية الاستمتاع بحياتهم‏,‏ وتتكامل الصورة الرومانسية للمدينة بخلفية عذبة للفيلم تتقاسمها أنغام بالغة الروحانية لأذان متكرر مع أجمل أغاني الحب لأم كلثوم ومع مشاهد النيل الخلابة والأهرامات وقت الغروب‏,‏ والطرز المعمارية في ميادين وسط القاهرة‏,‏ وتجنب واضح لما قد يشوه تلك الصورة المثالية للمدينة‏,‏ يرسم الفيلم صورة مثالية للمكان لا يناقضها سوي تعليقات المؤلفة وهي ذاتها مخرجة العمل علي شبكة الإنترنت‏.‏ ان أجواء التصوير الحقيقية كانت أقرب إلي فيلم الأكشن منها إلي الفيلم الرومانسي‏!‏
والمفارقة الحقيقية ليست بين عملين فنيين أحدهما يرفع المدينة إلي قمة السحاب والآخر ينحط بها الي أسفل الحضيض‏,‏ فتفاوت الرؤية مفهوم وتبرره عدة أسباب فقد يكون مرجعه فارق من ينظر لواجهة المدينة الجميلة مقارنة بمن يغوص في أعماقها‏,‏ كذلك قد يكون مبعثه أن الفيلم يتناول المكان بالأساس‏,‏ ولايدعي تحليلا اجتماعيا للسكان بل يتناولهم كضيوف عابرين علي المدينة التي يسكنها التاريخ‏,‏ أما البشر فيتم تناولهم في إشارات عرضية إلي ظواهر مثل خروج البنات من التعليم وعمالة الأطفال من خلال مشهد لبنات عاملات في مصنع للسجاداليدوي‏,‏ وهي الظواهر التي تلفت انتباه المراقب الأجنبي أو السائح بوجه عام‏.‏ في حين أن المسلسل بطله الناس أو أهلالمكان وماحدث لهم حقيقة أو تصورا في بدايات القرن الحادي والعشرين وبين صورة المدينة مسرح الجريمة الذي يظهر في المسلسل من ناحية والأجواء بالغة الرومانسية للفيلم الكندي الذي يعتبرالقاهرة هي مدينة الحلم‏,‏ أو موطن البهجة من ناحية ثانية فإن القاهرة الحقيقية تستعصي علي مثل تلك التنميطات البسيطة‏,‏ وإذا كان لعمل فني أن يتناول الروح الحقيقية للمكان وبشره‏,‏ فإنه في الغالب سينتمي لطائفة اللامعقول‏!‏ فالحياة في المدينة وسكانها صورة فسيفسائية بالغة التركيب ويتعايش فيها ماينتمي إلي الصورة الأولي تماما مع ينتمي إلي الصورة الثانية في خلطة مركبة تتحدي المنطق‏,‏ وان كان الرصد أميل إلي التقاط الظواهر السلبية ربما لجدتها أو غلبتها أو شيوعها‏.‏ وبينما المسلسل إلي تناقض رئيس بين المظهر والجوهر في معظم شخصياته وأحداثه‏,‏ فإن واقع الحال في القاهرة أكثر ثراء من تلك الاختزالية ويحوي كما هائلا من التناقضات الإيجابية والسلبية‏.‏
والاطروحات متنوعة بشأن وصف وتحليل ماحدث لأهل مصر وعاصمتها‏,‏ منها ظواهر ترييف المدن وزحف العشوائيات ومنها مايتناول مشكلات التطور الاقتصادي والاجتماعي مثل تآكل الطبقة الوسطي أو الحراك الاجتماعي والتغريب وتزايد الفقر والتفاوت الاجتماعي ومنها ماينتمي إلي التحليل الثقافي مثل الأخذ بالتدين الشكلي‏,‏ والتعصب الديني‏,‏ بينما تشيع بدرجة أقل أفكار تؤكد الآثار غير المحمودة للعولمة وانفتاح المكان علي أبواب جهنم الثقافية‏.‏ وقد كان ذلك موضوعا لعدد من الكتب ولأعمال أدبية التي حققت انتشارا واسعا مقاسا بمبيعاتها واهتماما محليا وعالميا اخيرا مثل عمارة يعقوبيان التي ترصد التطورات الاجتماعية والسياسية من خلال سكان عمارة في وسط العاصمة‏,‏ وتاكسي الذي يروي ذاكرة المكان وأهله وماطرأ علي حياتهم وظروفهم المعيشية وأخلاقهم من تغييرات من خلال رؤية سائقي التاكسي‏,‏ ويعكس الاهتمام البالغ بتلك الأعمال في أحد أبعاده أن قضية فهم ماذا حدث للمصريين تحتل مكانة مهمة في أولويات الحوار العام وأن هناك قدرا من التوافق علي حدوث تغيرات كبري تسودها تقييمات سلبية اعترت البشر والمكان‏.‏ والحقيقة أن الكثير من التفسيرات وإن كانت تتناول جوانب مهمة مما طرأ علي القاهرة أو مصر بوجه عام وسكانها فإنها في الغالب تتجاهل تطورات أخري لاتقل أهمية فظواهر مثل التغريب‏,‏ والانكفاء الذاتي وسيطرة القيم المادية علي سبيل المثال والتي كثيرا مايشار إلي انتشارها بين أوساط الشباب واكبها في الوقت ذاته ميول واضحة لدي قطاعات غير قليلة من الشباب المصري للعمل العام والتطوع سواء بوازع ديني أو بوازع مدني والأمثلة هنا كثيرة أغلبها ينتمي الي المجال الخيري مثل جمعية رسالة وعشرات غيرها غيرت شكل العمل الأهلي والتطوعي في مصر من مجال لسيدات المجتمع الراقي الي مجال ديناميكي للشباب من مختلف طوائف المجتمع‏,‏ والذي يعتبر المصلحة العامة أو خدمة المجتمع هو محركه الرئيسي‏,‏ فالصورة الشاملة للتطورات ل أهل القاهرة فيها من الظواهر مايتحدي النغمة الحزينة التي تسود في الحديث عنها‏,‏ وإن كان النقد الذاتي واجبا والمشكلات والسلبيات اكثر غلبة وأعمق من أن يتم تجاهلها أو ادعاء غيابها فالقاهرة تظل خليطا فيه مايبعث علي اليأس إلي جانب مايحفز الأمل فيتجاور فيه الفقر مع الغني والأحياء الراقية مع العشوائيات ويتفاعل فيها السكون مع الحراك‏,‏ والعطاء مع الحرمان والثقافة مع الجهل‏,‏ وهي المدينة التي تضاهي عواصم الدول المتقدمة في سرعة الحركة بينما لاتضاهيها إطلاقا في الإنتاجية وربما تكون هذه هي تفاعلات العولمة مع الثراء السكاني والميراث الثقافي للمكان أو تراكمات عقود تركت آثارا لتطورات غير مكتملة علي السكان وشرائحهم الاجتماعية‏,‏ إلا أن القاهرة في النهاية ليست بالتأكد هي قاهرة أهل كايرو‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.