1 كان الأولاد في زيارتنا والتليفزيون مفتوح وحفيدتي الصغيرة تدعك وجهها بنصف البرتقالة لما تناولت سماعة التليفون, لاحظت أنهم توقفوا عن الكلام وراحوا يتابعونني بعدما وجدوني قلت كلمتين أو ثلاثا أول المكالمة ثم أتوقف طول ماكانت السماعة علي أذني. وعندما وضعتها تطلعوا الي صامتين وقلت لهم إن هذه ابنة صديق قديم كانت تخبرني برحيله, وبعد فترة عدت وقلت لهم إنهم لا يعرفونه وأمهم أيضا لا تعرفه, وأمهم قالت إنها سمعت باسمه فقط ولكنها لم تره, وهم احترموا مشاعري حتي وجدوني ألاعب البنت وواصلوا كلامهم, وأنا شعرت بالأسف أن أحدا منهم لم يعرفه ولم يلتق به, ولم تعد هناك فرصة أبدا لتدارك الأمر. 2 كانت البنت قالت إن ماجري كان جري وهو يمشي في الشارع, وأنا رحت أفكر وأقول لنفسي هل كان يمشي عائدا الي البيت وشعر في صدره بألم مثل الذي أشعر به وأضع له حبة تحت لساني, وأتوقف حتي ينتهي ثم أكمل علي مهلي؟ هل شعر بمثل هذا الألم ولم يستطع المشي فجلس علي الرصيف ثم اشتد عليه واستلقي علي جنبه وانتهي الأمر؟ أم انه وقع مرة واحدة من دون ألم؟ وهل حصل ذلك قريبا من البيت والناس عرفته وحملته الي هناك؟ أم أنه كان بعيدا والناس فتشت جيوبه وعرفت العنوان من البطاقة وحملوه الي الطابق الرابع أو الخامس ونادية بهدلت الدنيا هي والبنتان؟ أم أن المر جري علي نحو آخر تماما. 3 شعرت فجأة بأنني بحاجة لأحد يعرف توفيق لكي أتحدث معه وأنني أفتقد لشيء من التعاطف, سوف أذهب في أقرب وقت لعزاء نادية, لابد وأنها صارت امرأة عجوز الآن, كنت أراها أيام خطبتهما ثم انقطعت عن ذلك بعدما تزوجا واستقرا في بيت الأسرة علي أمل الانتقال الي أحد المباني التي يقوم توفيق ببنائها وبيعها لبناء غيرها, كانوا يريدون أن يزوجوه فتاة أخري من الأسرة ولكن توفيق أحبها, تذكرت كيف قام بتدابير مدهشة لكي يضحك بها علي الحاج عثمان بحيث أنهم في الزيارات المتبادلة كانوا يلتقون بنادية غيرها, ولما حضرت مرة رأيتها جالسة وهي مغطاة وتتكلم همسا وهي تنظر الي الأرض وساعة الضحك تبتسم ولا تضحك, وما أن يغادروا حتي تعود نادية المرحة التي لا تكف عن الكلام, أيامها أدهشتني شجاعته التي جعلته يفعل هذا مع الحاج, وتصورت ان الحكاية لن تنتهي علي خير وربما يظن الحاج أنني مسئول عن هذه الخدعة خاصة وهو يرتاب في ويعرف أنني علمته تدخين السجاير وكان توفيق يخبرني انه يؤنبه ويقول: بجي عيل أصغر منك, يعلمك الدخان؟ أيام خطبتهما صار يختفي ويأتي فجأة الي البيت أو المقهي وأعرف أنه كان علي موعد معها, صار قليل الكلام ويعتز بآرائه ويرتدي كل يوم ثيابا غير الأخري تشبه تلك التي يرتديها الأجانب الذين يعمل معهم في نادي الجزيرة, وتخيلته أمامي بفانلته الصوفية الخشنة التي كانت تعجبني بلونها الأحمر القاني وأكمامها نصف الكم في عز الشتاء علي البنطلون الجبردين الكاكي الذي من دون الكسر الأمامية والمحبوك علي جسده النحيل الممشوق وفي قدميه حذاؤه الانجليزي بلونه البني المحروق ووجهه العريض المنقوش ونعله المفتوح وهو واقف يميل برأسه وقد رفع ذراعيه وأحاط بكفيه حول عود الكبريت المشتعل أمام طرف السيجارة ومحفظته منتفخة قليلا في جيبه الخلفي, تذكرت كيف كنت أحاول أن أفعل ذلك والهواء يطول العود بين كفي وينطفيء, بينما يبتسم هو ويتناول مني علبة الكبريت ويداري الشعلة بكفيه بإحكام حتي نشعل سجائرنا ويضحك وهو ينفخ العود ليطفئه ويلقي به مزهوا, وقلت لا حول ولا قوة إلا بالله, واستغربت. وللكلام, غالبا, بقية