ثمة قصة رمزية ذات دلالة مؤداها أن موسيقارا موهوبا أراد أن يؤكد موهبته لمن حوله فقرر أن تكون موسيقاه وسيلة فاعلة لترويض وتطويع سلوكيات حيوانات إحدي الغابات. وقد نجح هذا الموسيقار أيما نجاح في مهمته تلك, وتغيرت بالفعل سلوكيات الحيوانات من الشراسة إلي الوداعة ومن العدوانية إلي الألفة, وإزاء هذا النجاح, قرر الموسيقار إقامة حفل دعا إليه كل أصدقائه لكي يروا بأنفسهم هذا الانجاز الذي لم يدر بخلدهم أن في مقدوره تحقيقه وفي الحفل أخذ الموسيقار يعزف موسيقاه ويشنف بها آذان الحضور بينما جلست الحيوانات من حوله في دعة لافتة, وكأن لسان حالها يقول انها هي الأخري تتذوق الموسيقي. بيد أنه وسط حبور وسعادة الجميع إذ بأسد من بعيد يقترب رويدا رويدا من مكان الحفل. لاحظ الحضور أن في عيني الأسد شررا يشي بغضب جم. ارتبك الموسيقار لكنه حاول جهد طاقته التماسك فأخذ يعزف أحلي مؤلفاته الموسيقية لعلها تهدئ من غضب هذا الأسد الثائر, لكن هيهات هيهات فقد بلغت ثورة الأسد أشدها وهم بافتراس الموسيقار وعلي شجرة قريبة من مكان الحفل وقف قرد يتأمل هذا المشهد التراجيدي عن كثب وهو يقول: مسكين هذا الموسيقار الموهوب فلم يضع في اعتباره وهو يروض حيوانات هذه الغابة بموسيقاه أن في الغابة أسدا أصم. تداعت هذه القصة الموحية إلي الذاكرة وسط هذا الزخم الإعلامي الذي تركز حول أحداث عشناها في الفترة الأخيرة وتؤكد جميعها أن الأسد الأصم موجود في كثير من قراراتنا غير المدروسة وإليكم الأمثلة الآتية: { الانقطاع المتكرر للكهرباء في الفترة الأخيرة لقد فسر المسئولون ما يحدث بأنه يعزي إلي زيادة الاستهلاك الكهربي في ساعات الذروة بنحو13% وأرجع مهندسون استشاريون ذلك إلي غياب التنسيق بين وزارتي الكهرباء والبترول بشأن توفير الثانية للغاز الطبيعي والمازوت اللازمين لتشغيل محطات الكهرباء. { سرقة لوحة زهرة الخشخاش النادرة للفنان العالمي فان جوخ من متحف محمد محمود خليل بالقاهرة مثال صارخ يؤكد أن هناك أكثر من أسد أصم يقبع في دهاليز وزارة الثقافة حتي قال البعض وهو قول صحيح علي ضوء ما تبين علي أرض الواقع إن كل شيء داخل هذا المتحف كان يؤكد أن السرقة لابد وأن تحدث يوما ما ولا غرو فإن عدد الحراس بالمتحف لايتعدي أربعة حراس منوط بهم حماية لوحات تقدر قيمتها المادية بما يناهز المليار دولار. ناهيك عما صرح به أحد خبراء الفن التشكيلي ومفاده أنه ليس من الممكن طي اللوحة المسروقة ووضعها في ملابس اللص لأنها تفقد قيمتها وتختلط ألوانها أي أنه يؤكد الاهمال الشديد في مراقبة الخارجين من المتحف وأن اللص قد خرج باللوحة مفرودة(!!) ألا يؤكد ذلك أن هناك أكثر من أسد أصم يمرح في دهاليز وزارة الثقافة. { في قضية الاكتفاء الذاتي لمصر من القمح هناك أكثر من أسد أصم ايضا والمشكلة تكمن في إعلان النسبة الحقيقية لاكتفاء مصر ذاتيا من القمح ففي حين تصر الحكومة علي أن هذه النسبة تتراوح من55 60% فإن كل احصاءات وبيانات الجهات المعنية بتجارة القمح والموثوق بها عالميا تؤكد ذلك فها هو مجلس الحبوب العالمي ومجلس القمح الأمريكي يؤكدان أن مصر هي المستورد الأول عالميا للقمح وانها استوردت10 ملايين طن منه في الفترة من أول يوليو2009 حتي30 يونيو2010 وبناء علي حجم استهلاك مصر من القمح تبعا لمصادر الحكومة نفسها فإن هذا يعني أن نسبة الاكتفاء الذاتي من القمح لاتتعدي35% فقط! وأخيرا أتساءل أما آن لكل مسئول في بلادنا أن يبحث عن الأسد الاصم القابع في دهاليز المؤسسة المنوط بهذا المسئول إدارتها بعيدا عن ثقافة كله تمام يافندم؟ د.محمد محمود يوسف أستاذ بزراعة الإسكندرية