فالصوفية واحدة من اشكال التجربة التي أسس عليها آلاف الأشخاص أفكارهم وجعلتهم يستطيعون الوصول إلي العديد من أسرار الكون والخلق. والنقطة الأساسية التي ينطلق منها المؤلف هي أن الصوفية يكمن فيها مفتاح سر الله بالنسبة للإنسان داخل الإنسان نفسه لأن الله وضع في الطبيعة البشرية سرا واسعا هو سر كيفية حضوره الخاص علي الأرض ما وسعني الأرض ولا السماء بل وسعني قلب عبدي المؤمن اللين الوديع حيث يظهر الله في بعض الأشخاص ومن خلالهم, وبواسطة هؤلاء الرجال يتمكن بقية المؤمنين من الوصول إلي كمالهم الخاص. كلمة صوفي كما هو معروف مشتقة من الصوف وهي تعني عادة الصوفية في لبس الخرق الصوفية, لكن المؤلف يقدم لنا تفسيرا آخر يعتبر كلمة الصوفية منسوخة من الكلمة اليونانيةsophos وتعني حكيم, فالتصوف ظاهرة روحية تحاول بجهد كبير أن تعيش الوحي القرآني عيشا شخصيا عن طريق الاستيطان, وهو ضد كل نزعة تحاول حصر الاسلام في الشريعة وظاهر النص, فالشريعة والحقيقة أمر أساسي لعقيدة الصوفية والحقيقة هي الحقيقة الروحية كإنجاز صوفي خالص. وكلمة التصوف لم تنتشر إلا في القرن الثالث الهجري وأول من عرف بهذا الاسم في بغداد رجل أسمه عبدك الصوفي توفي عام012 ه. وجاء أبو يزيد البسطامي أحد أكبر من أنتجهم الاسلام من المتصوفة كان زراد شتيا واعتنق الاسلام, وهو لم يقم بدور الواعظ وكل ما وصل من تجربته الروحية كان عن طريق تلاميذه المباشرين. أما الجنيد فكان لديه كما يقول المؤلف وعي عميق للشرط الثلاثي للوجود الأنا والأنت والهو من خلال هذا الوعي يتحد الإلهي والإنساني ويتبادلان فعلا متعالا من المحبة والعشق. لقد نظرت إلي ربي بعين اليقين, بعد أن صرفني عن غيره, وأضاء لي بنوره فأراني من عجائب سره, وأراني هويته, فنظرت بهويته إلي أنائيتي فزالت: نوري بنوره وعزتي بعزته وقدرتي بقدرته, ورفعتي برفعته. فنظرت إليه بعين الحق فقلت له من هذا؟ فقال هذا لا أنا ولا غيري.. فلما نظرت إلي الحق بالحق, رأيت الحق بالحق فبقيت في الحق بالحق زمانا لا نفس لي ولا لسان ولا أذن لي, ولا علم, حتي إن الحق أنشأ لي علما من علمه ولسانا من لطفه وعينا من نوره. ويقول المؤلف أن مواعظ الجنيد وكتاباته وضعته في المرتبة الأولي بين صوفية بغداد حتي إنه كان يلقب بشيخ الطائفة. وكانت روحانية الجنيد مرتبطة بمثنوية الشريعة والحقيقة الروحانية. أما النقطة الأساسية في مذهبه فتظهر من عقيدة التوحيد بإعتبارها أساس تجربة الاتحاد الصوفي فالتوحيد لديه ليس برهان وتبيانا لوحدة الموجود الإلهي بواسطة حجج عقلية وإنما هو عيش لوحدة الله المتعالية نفسها. وطبعا لا يمكن للمؤلف أن يتحدث عن كبار الصوفية دون أن يلج إلي عالم الحلاج الذي يراه ألمع الشخصيات الصوفية خاصة بعد أن تجاوزت سمعته دائرة النخبة. ودوت مأساة سجنه ومحاكمته في الآفاق. تتلمذ الحلاج علي يد الجنيد الذي علمه تمارين الحياة الروحية والبسه الخرقة بيده. كرس الحلاج حياته للوعظ في الأمور الروحانية والميتافيزيقية الكبري, وكان يؤكد أن غاية الكائنات جميعا الاتحاد مع الله وهو اتحاد يتحقق بالحب ويحتاج الصوفي فيه إلي عمل إلهي تحويلي ينقل الموجود إلي وصفه الأسمي, غير أن هذه الافكار العظيمة ما لبثت أن أثارت الناس ضده. فكان الفقهاء يأخذون عليه أنه يخلط بين الالهي والانساني, فينتهي إلي ضرب من الحلولية, أما الساسة فكانوا يتهمونه بأنه يزرع الفتنه في العقول ويعاملونه كمشاغب, وحتي الصوفية كانوا يتحفظون حول شخصيته ويقولون إنه يرتكب حماقة كبري بنشره أسرارا إلهية علي عامة الناس لم تتهيأ لا لتلقيها ولا لفهمها. وفي النهاية تآمر عليه الفقهاء والسياسيون وأصدروا فتوي ضده من فقيه بغداد بأن مذهبه خطرا علي العقيدة الاسلامية وأن قتله حلال وتم سجن الحلاج ثماني سنوات وسبعة أشهر ثم نفذ فيه حكم الإعدام عام903 ه. ويعلق المؤلف علي المتصوف حكيم الترمذي بأنه ترك أخبارا مهمة عن حياته الداخلية وتطوره الروحي وتركز مذهبه أساسا علي فكرة الولاية, وهي نوعان, عامة وخاصة العامة لكل المسلمين, فالنطق بالشهادة يكفي لخلق صلة هذه الولاية التي تصبح الصلة مع الله, وهي عامة أو مشتركة بين جميع المؤمنين ممن قبلوا بالرسالة النبوية, أما الولاية الخاصة فهي روحانية أصفياء الله الذين يتكلمون عنه, أو يتصلون به في حالة الاتصال التصاعدي الفعال وكان يقول ان الولاية أسمي من مرتبة النبوة لانها دائمة وليست مرتبطة بلحظة من الزمن كما هو الحال مع النبوة, لانه إذا كان دور النبوة يكتمل بقدوم آخر نبي فإن دور الولاية يمتد إلي نهاية الزمان بوجود الأولياء. أما لدي أحمد الغزالي شقيق أبوحامد الغزالي فيتحدث المؤلف عن العشق الخالص ويري المؤلف أن هذا المتصوف استطاع أن يقدم سيكولوجية دقيقة جدا حتي قيل أنه لا يوجد من بلغ هذه الدرجة من التحليل النفسي للعاشق والمعشوق حينما يوجد العشق حقيقة, يصبح العاشق قوتا للمعشوق لا المعشوق لعاشقه, إذ يمكن أن يحتوي العاشق وجود حوصلة المعشوق.. فالفراشة التي تعشق النار يكون وجودها في البعد عن الشعلة. فظل الشعلة يستضيفها ويدعوها, والفراشة تطير بأجنحة همتها في أجواء طلب الشعلة ولكن يجب أن يكون طيرانها محدودا بالوصول الي الشعلة, وحينما تصل إليها لا يكون لها وجود, فليس للفراشة بعد الوصول أو الوصال أن تخطو نحو الشعلة, وإنما هي الشعلة تسري في ذات الفراشة فليست الشعلة قوت الفراشة وإنما الفراشة قوت الشعلة وهذا سر عظيم. ففي لحظة تصبح الفراشة معشوقة لذاتها لإنها أصبحت الشعلة, وهذا هو كمالها.