تنفس العالم أخيرا الصعداء أمس عقب أسابيع من التوتر والقلق بسبب الدعوة المتطرفة التي أطلقها القس المغمور تيري جونز إلي إحياء ذكري هجمات11 سبتمبر عن طريق إحراق نسخ من المصحف الشريف, وهي الدعوة التي أغضبت المسلمين, ودفعت السياسيين الي التنديد بها.وجاءت حالة الاسترخاء التي تمتع بها العالم أمس- برغم استمرار الحروب والفقر والمجاعات- في أعقاب تراجع القس جونز نهائيا عن فكرته المتطرفة, إضافة إلي مرور مراسم إحياء ذكري هجمات سبتمبر بهدوء دون تسجيل وقوع أي جرائم كراهية ضد المسلمين وهو الأمر الذي كان قد أقلق أجهزة الأمن الأمريكية ودفعها إلي رفع حالة التأهب حول المساجد والعديد من مراكز تجمع المسلمين في مختلف الولايات. ولكن- وعلي الرغم من حالة الترقب والقلق- مرت مراسم إحياء ذكري هجمات سبتمبر بهدوء وسط دعوات من كافة السياسيين في مقدمتهم الرئيس الأمريكي الديمقراطي باراك أوباما إلي التخلي عن الأفكار المسبقة عن الديانات, وتأكيد أوباما علي أن من هاجم الأمريكيين عام2001 لم يكن الدين الإسلامي بل مجموعة من الإرهابيين الذين شوهوا حقيقة الدين, وتوجيه رسالة إلي الأمريكيين يدعوهم فيها إلي الوحدة مع تأكيده للمسلمين داخل الولاياتالمتحدة وخارجها علي أن الولاياتالمتحدة ليست في حرب مع الإسلام. وفي وقت متزامن مع تصريحات أوباما أعلن القس جونز راعي مركز الحمائم للتواصل العالمي وهي كنيسة صغيرة في بلدة جينسفيل بولاية فلوريدا تراجعه نهائيا عن تهديده بحرق مصاحف في ذكري هجمات11 سبتمبر. ولكن وعلي الرغم من تراجع جونز عن فكرته المتطرفة فإن دعوته كان كحجر ألقي في بركة هادئة فاستمرت الموجات الناتجه عن هذا الحجر في تحريك المياه الساكنة, ففي نيويورك وتحديدا بالقرب من موقع هجمات11 سبتمبر, قام رجل بتمزيق بعض صفحات من المصحف قبل أن يشعل فيها النار. وفي حادثة أخري, قام رجل بتمزيق بعض الصفحات من نسخة انجليزية من المصحف الشريف واستخدمها في القيام بحركات وقحة أمام جمهور صغير من الأمريكيين الذين تابعوا ما قام به الرجل وقد سيطرت الدهشة والنفور من أفعال هذا الرجل. وفي واشنطن, قامت مجموعة متطرفة بتمزيق صفحات من القرآن ليلة أمس الأول, أمام البيت الأبيض تنديدا بما سمته كذبة الإسلام, ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن راندال تيري العضو في هذه الجماعة المؤلفة من ستة أشخاص والقريبة من تجمع حزب الشاي المحافظ قوله: إن أحد أسباب قيامنا بذلك هو أنه يجب وقف كذبة أن الإسلام دين مسالم. وفي وقت سابق, قام ناشط آخر وهو أندرو بيكام بتلاوة عشرات الآيات القرآنية التي قال إنها تدعو إلي الكراهية ضد المسيحيين واليهود- علي حد زعمه- ثم قام بتمزيق صفحات من مصحف صغير الحجم مترجم إلي اللغة الإنجليزية. وباستثناء20 صحفيا قاموا بالتغطية الإعلامية, لم تستحوذ هذه العملية علي انتباه أحد سوي عدد قليل من السياح. ووقفت الشرطة علي مسافة بضعة أمتار, ودونت أسماء المشاركين في التحرك إلا أنها لم تتدخل. كما شهدت ولاية تينسي جريمة كراهية أخري حيث قام بوب أولد وهو قس مغمور آخر يرعي كنيسة صغيرة في ناشفيل بحرق نسختين من المصحف بمساعدة واعظ يعمل معه في كنيسته, حيث قام الرجلان بتمزيق النسختين من الكتاب المقدس في الساحة الخلفية التابعة للكنيسة قبل إشعال النيران فيهما, بينما قال القس المتطرف إن الإسلام دين مزيف علي حد زعمه. ولكن هذه الحوادث لم تفسد الموقف الهادئ بشكل عام في الولاياتالمتحدة التي أحيت مراسم ذكري هجمات سبتمبر بشكل تقليدي من جانب المسئولين, بينما خرجت مظاهرات مؤيدة وأخري معارضة لمسجد جراوند زيرو. في ولاية فلوريدا وفي نفس التوقيت الذي كان القس جونز قد حدده لحرق نسخ من المصاحف, احتشد مئات الأشخاص أمام كنيسة جينسفيل رافعين لافتات كتب عليها مركز الحمائم لا يمثل أمريكا, ولافتات أخري كتب عليها استخدموا النار لإضاءة الشموع وليس إحراق المصاحف. جاء ذلك في الوقت الذي تزامن مع دعوات التسامح التي وجهها الرئيس الأمريكي, والمسيرات السلمية المؤيدة لبناء مسجد جراوند زيرو والدعاية إلي التخفيف من موجة الإسلاموفوبيا- الخوف من الإسلام. ومقابل هذه المسيرات المؤيدة, خرجت مظاهرات معارضة للمسجد شارك فيها النائب الهولندي المعادي للاسلام جيرت فيلدرز الذي قال إن الولاياتالمتحدة والشريعة الاسلامية امران غير متناسبين.