كتبت - يسرا الشرقاوي :التفسير الأول لما يجري في الولاياتالمتحدة حاليا يقوم ببساطة علي التالي: الانتخابات ثم الانتخابات. فالمواجهة المصيرية المنتظرة بين الديمقراطيين والجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي بالكونجرس نوفمبر المقبل تقف وفقا للبعض وراء الطعن في صدق اعتناق أوباما للمسيحية. وبالطبع تفسر اشتداد عود اليمين في اتهاماته باشتراكية الرئيس الأمريكي, و تطور الأمر بهم إلي محاولة السطو علي ذكري حركة الحقوق المدنية لمارتن لوثر كينج, مطلقين حملة لاستعادة الكرامة الأمريكية ومحاربة ما وصفوه بعنصرية أوباما ضد الفئات البيضاء. تفسير الانتخابات لا غبار عليه ويعكس جزءا من حقيقة ما يجري في الولاياتالمتحدة. لكن المسألة للأسف أكثر تعقيدا من مجرد موسم الانتخابات بل تتعداه إلي مرحلة انقسام مقلقة يمر به المجتمع الأمريكي ومشاعر خوف تحفز لدي فئاته, انتخابات نوفمبر إذن بمثابة معادل موضوعي لتسليط الضوء علي هذه الأزمات دفعة واحدة. لنأخذ مسألة إسلام أوباما المزعوم, فالتشكيك في ديانته وصحة جنسيته قديم قدم ظهوره سياسيا. وبالطبع لم يتراجع عند فوزه بالانتخابات الرئاسية. فلماذا مثلا من الأساس طرح سؤال حول حقيقة ديانة أوباما في استفتاءات أجرتها مجلة التايم ومركز بيو للأبحاث الأمريكيين وكشفت نتائجها عن أن مابين18 و25% من الأمريكيين يعتقدون في اعتناق أوباما الإسلام سرا. مع العلم أن هذه الاستفتاءات سبقت أزمة مسجد نيويورك وتأييد أوباما لحرية مسلمي بلاده في العبادة بأي مكان( لاحظ مسارعة البيت الأبيض بتوضيح أنه لم يقصد مشروع مسجد نيويورك تحديدا). ثم هل تأييد أوباما للمسجد أو للجالية المسلمة يجعل منه مسلما؟ أم هو التأييد مع خلفية أوباما الشخصية؟ هو ما سبق مع حالة التحفز الداخلي ضد سياسات الرئيس الشاب بشكل عام و استغلال الحساسية الحالية إزاء كل ما هو مرتبط بالإسلام. وبالطبع لن نسأل ما الخطأ في كون أوباما مسلما من الأساس؟ ينقلنا هذا لأزمة مسجد نيويورك. مبدئيا لنتجاوز أسئلة من شاكلة هل كان طرح فكرة قيام المسجد والمركز الإسلامي ضرورة في هذا الموقع الحساس و التوقيت المتوتر من انتخابات يشحذ لها اليمين قواه إلي حلول الذكري التاسعة لتفجيرات11 سبتمبر؟ فالأزمة لا تقتصر علي المسجد ولا حتي واقعة طعن سائق نيويورك التي تزامنت معه. كما أنها أيضا ليست مجرد أزمة مرادفة البعض بين الإسلام من جانب والجهادية من جانب آخر, فمن السذاجة أن نفاجأ بوجود هذا الترادف عند البعض, حتي وإن ظننا ذلك ظلما و لكنها ضرورة. الأزمة الحقيقية تكمن في أن مسجد نيويورك ليس أول المساجد الذي ترفض المجتمعات المحلية في أمريكا تشييده مؤخرا( نحو ستة مساجد تعرضت للمصير نفسه وفقا لمجلة التايم) والسبب كان واحدا و يتعلق بمخاوف تحويل هذه المساجد لمراكز جهادية أو خشية أسلمة هذه المجتمعات. كما أن سائق نيويورك لم يكن الأول أو الأخير بل تعددت الاعتداءات ضد شخوص وكيانات مسلمة. تأججت حالة الإسلاموفوبيا هذه لعدد من الأسباب, هناك مثلا تكرار وقائع تورط مسلمين أمريكيين في وقائع عدوانية بل وإرهابية صريحة ضد مجتمعهم مثل وقائع إطلاق النار العشوائي في فورت وود ومخطط تفجير تايمز سكوير, بما يدعم حجة أن تنوع المجتمع الأمريكي ودمجه للعنصر المسلم بشكل فاق نظائره الأوروبيين لم ينقذه من الأفكار المتطرفة وقد يسهم في دعم الترادف بين الإسلام والجهادية. هناك أيضا حالة تحفز اليمين الأمريكي الذي يغطي صوته حاليا علي صوت الجميع بفضل حركات مثل حفل الشاي, معترضين علي سياسات الرئيس الديمقراطي. هذه الأصوات تجد من يستمع لها, فشرائح كبيرة من الأمريكيين تشعر بالضياع و عدم الثقة في مؤسساتها, فأحوالها لم تنصلح ومعدلات البطالة تقترب من10%. يأتي ذلك والانتخابات علي الأبواب ويمكن رصد ابتعاد التيار المحافظ عن الوسط نحو أقصي اليمين كردة فعل متوقعة بعد الهزائم التي حلت بالجمهوريين عند انتخاب أوباما وبعد ذلك اليمين أحسن اللعب علي مخاوف بعض الأمريكيين من الإرهاب من جانب ومن أن يكون الصعود الاجتماعي والثقافي المرة المقبلة في أمريكا من نصيب مسلميها. وبالطبع تردد الديمقراطيون في اتخاذ موقف حاسم من استغلال اليمين للأزمات ذات الخلفية المسلمة خشية تراجع شعبيتهم الضعيفة بالفعل.