رغم الانشغال الأمريكي بانسحاب قواتها المقاتلة من العراق. والاستعداد لإجراء مماثل في أفغانستان بدا واضحا أن الرئيس باراك أوباما وإدارته أكثر حرصا علي إنجاح مفاوضات واشنطن المباشرة. قد يكون جزءا من هذا الاهتمام والحرص الأمريكي هو دعوة أوباما للرئيس حسني مبارك للمشاركة في إطلاق المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين والاستعانة بالجهد المصري وعلاقة مصر بالطرفين لإنجاح هذه المفاوضات التي يخشي الأمريكيون من فشلها وهو أمر يضر بسمعة الولاياتالمتحدة فضلا عن تهديد ذلك لمصالحها وأمنها القومي للتعبيرات التي أطلقها أكثر من مسئول أمريكي. هنا في واشنطن لاحظ المتابعون لزيارة الرئيس مبارك أن الرئيس عقد عدة اجتماعات ثنائية مع جميع الأطراف المعنية, حيث التقي الرئيس مبارك الرئيس الفلسطيني محمود عباس ثم عقد اجتماعا مطولا مع العاهل الأردني الملك عبدالله أعقبه استقبال رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نيتانياهو ثم عقد اجتماعا مع الرئيس أوباما, أربعة اجتماعات منفصلة ومتصلة في يوم واحد عقدها الرئيس مع قادة الأطراف المعنية, وأوضح فيها الرئيس مبارك بشكل كامل الرؤية المصرية, التي تنطلق من الترحيب المصري بالخطوة الأمريكية بالدعوة للمفاوضات واستئنافها بشكل مباشر والتأكيد علي أن مصر ستساعد بكل الوسائل الممكنة أي خطوات تصب في صالح انهاء الصراع. في لقاء الرئيس مبارك مع الرئيس أبو مازن أكد أن مصر مستمرة في دعم جهود الشعب الفلسطيني وقياداته الشرعية من أجل تحقيق أمانيه الوطنية وقيام دولته المستقلة وتأييد مصر للموقف الفلسطيني الداعي لبدء المفاوضات من حيث انتهت وأهمية أن يكون هناك إطار زمني لهذه المفاوضات حتي لا تستمر إلي ما لا نهاية, وعندما تحدث بنيامين نيتانياهو عن أمن إسرائيل وضرورة وجود قوات اسرائيلية علي الحدود بين الدولتين خصوصا في الضفة الغربية رفض الرئيس فكرة وجود قوات إسرائيلية وقال بوضوح أن الجميع سيرفض هذه الفكرة والبديل هو وجود قوات دولية ولكن بعد ترسيم الحدود النهائية والمستقرة للدولة الفلسطينية.. مبارك أبلغ نتنياهو بوضوح رفض مصر لفكرة الدولة المؤقتة وللحدود المؤقتة أيضا, وأن أبعاد التوصل إلي تسوية سياسية سلمية شاملة معلومة الابعاد لابد أن تكون واضحة وأنه لا شرعية للاحتلال ولا للمستوطنات التي لن تعطي للإسرائيليين أية حقوق جديدة أو.. تحقق لهم سلاما أو أمنا, وعندما تحدث نتنياهو علي أن الاتفاق بين إسرائيل وفلسطين يحتاج لسنوات كان موقف الرئيس واضحا عندما قال إنه لابد من الاتفاق علي الحل النهائي والإطار العام للتسوية. ورغم تراجع الموقف الأمريكي فيما يتعلق بالضغط علي إسرائيل لوقف الاستيطان وموافقة أمريكا علي الطلب الإسرائيلي بعدم الدخول في المفاوضات بشروط فلسطينية مسبقة فإن الجانب المصري اكتشف تغيرا ملحوظا في الموقف الأمريكي الذي وافق علي تحديد سقف زمني تم تحديده بالاتفاق مع اللجنة الرباعية لمدة عام, ثم الإصرار الأمريكي علي طبيعة التسوية السياسية بالمفاوضات ووفقا لحل الدولتين وقبول فكرة الدولة الفلسطينية علي خطوط عام67, ووفقا للتعبير الأمريكي فإنه إذا كان الأمريكيون قد وافقوا علي بدء المفاوضات دون شروط فهذا لا يمنع تمسكهم بفكرة أن كل القضايا مطروحة للنقاش بما فيها جميع الملفات المعلقة بين الجانبين مثل بؤر الاستيطان والحدود واللاجئين والمياه والأسري وحدود الدولتين وعندما سألت مسئولا أمريكيا قريبا من المفاوضات أكد لي أن هذا الطرح يهدف في النهاية للوصول إلي تسوية كاملة, فسألته: وهل قضية يهودية الدولة ضمن القضايا القابلة للنقاش؟ فقال لي نعم بما فيها المطلب الاسرائيلي بالاعتراف الفلسطيني بيهودية إسرائيل. عجلة المفاوضات دارت في واشنطن برعاية وحرص أمريكي, وتأييد مصري وأردني ومظلة عربية ودولية سواء من لجنة المتابعة العربية التابعة للجامعة العربية أو من اللجنة الرباعية التي مثلها في اجتماعات واشنطن رئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير. وقد أبدي الرئيس مبارك استعداد مصر لاستضافة الجولات التالية للمفاوضات وأشار إلي أن كافة الاتفاقات الرئيسية بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي تمت بمشاركة مصرية فاعلة بالتعاون مع الولاياتالمتحدةالأمريكية. لقد طالب الرئيس مبارك الرئيس الأمريكي أوباما بمواصلة التزامه بالسعي إلي تسوية سلمية للقضية الفلسطينية, وأن تواصل أمريكا رعايتها بكل قوة وعلي أعلي مستوي للمفاوضات المقبلة, ولعل هذه المطالبة المصرية تعطي إشارة إلي مخاوف مصرية لتكرار فشل أمريكي آخر مثلما حدث في مفاوضات سابقة وهي مخاوف هدفها دفع الموقف الأمريكي لاتخاذ إجراءات والقيام بدور أكثر فعالية لإنجاح هذه المفاوضات, خصوصا أن هناك ملامح جديدة لسياسة الإدارة الأمريكية الحالية تجاه قضية المنطقة وعملية السلام فيها والتي تعتبرها أولوية قصوي لها وضرورة اتخاذ عدد من الإجراءات التي تعزز الثقة بين أطراف النزاع. في واشنطن تغير الكثير من المواقف الإعلامية الأمريكية بعد سماع خطابات أوباما ومبارك وعبدالله وعباس ونيتانياهو, وبعد أن كانت وسائل الإعلام أو بعضها تصف هذه المفاوضات بلقاء غير الراغب وتقصد به نتنياهو غير القادر وتعني به أبو مازن, تراجع صوت المتشائمين قليلا وراهنوا علي اصرار الإدارة الأمريكية علي حل الصراع والوصول إلي تسوية سياسية له, رغم الصعوبات التي يمكن أن تواجهها أثناء مناقشة الجوانب التنفيذية والتفصيلية لأي اتفاق مقبل. إذن الادارة الأمريكية لن تغامر بفشل آخر لهذا ستلقي بكل ثقلها لإنقاذ المفاوضات واستمرارها والوصول إلي نتائج ملموسة وفقا للنصيحة المصرية فهل يستمع نيتانياهو لنصائح القاهرة ويستجيب لرجاء واشنطن؟! أم يكرر مناوراته ويدخل المفاوضات ويتحدث عن السلام وهو يبني المستوطنات؟ إذا فعل ذلك.. فيمكن القول إنه لم يفهم رسائل الرئيس مبارك في خطابه بالبيت الأبيض ولا مقاله الذي نشرته جريدة النيويورك تايمز وعليه أن يتحمل نتائج ذلك. رئيس تحرير مجلة أكتوبر المزيد من مقالات مجدي الدقاق