رئيس جهاز مدينة القاهرة الجديدة يتفقد مشروع السوق الحضارية    تدشين مبادرة «ازرع نخلة» بمدارس الخارجة لتعزيز الوعى البيئى للطلاب    استشهاد فلسطينيين اثنين بنيران الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة    أليسون: محمد صلاح أسطورة في ليفربول وأتمنى أن يلعب للنادي مرة أخرى    كاراجر: صلاح لم يكن نجما وفشل مع تشيلسي.. ويهتم بنفسه فقط    ختام معسكر منتخب مصر الأول بمشروع الهدف استعدادا لأمم أفريقيا.. صور    تفاصيل محافظات عطلت الدراسة غدا وأخرى قررت استمرارها    أبطال فيلم الست يحتفلون بعرضه في السعودية    المستشارة أمل عمار تشارك في فعاليات المساهمة في بناء المستقبل للفتيات والنساء    أراوخو يواجه مستقبلا غامضا مع برشلونة بسبب حالته النفسية    وزير النقل التركي: ندعم كل خطوة لإعادة إعمار سوريا    ضبط دقيق مدعم قبل تهريبه للسوق السوداء و سجائر مهربة فى حملة بالإسكندرية    وزير الزراعة: نقل الحيوانات أحد تحديات عملية تطوير حديقة الحيوان بالجيزة    التحقيق مع مسن تحرش بطفلة علي سلم عقار في أوسيم    افتتاح فيلم «الست» في الرياض بحضور نخبة من نجوم السينما| صور    إعلان أول نموذج قياسي للقرى الخضراء الذكية بجهود مشتركة بين جامعة طنطا ومحافظة الغربية    أمريكا.. وإسرائيل ووقف إطلاق النار    الصين تضخ 80 مليار دولار في استثمارات الطاقة النظيفة بالخارج لفتح أسواق جديدة    رجعت الشتوية.. شاهد فيديوهات الأمطار فى شوارع القاهرة وأجواء الشتاء    وزير الاستثمار يبحث مع مجموعة أبو غالي موتورز خطط توطين صناعة الدراجات    تضامن الإسماعيلية يشارك في الاحتفال باليوم العالمي لذوي الإعاقة    أسرة عبدالحليم حافظ تفجر مفاجأة سارة لجمهوره    فرقة الكيبوب تتصدر قائمة بيلبورد للألبومات العالمية لعام 2025    54 فيلما و6 مسابقات رسمية.. تعرف على تفاصيل الدورة السابعة لمهرجان القاهرة للفيلم القصير    نيجيريا تتحرك عسكريا لدعم حكومة بنين بعد محاولة انقلاب فاشلة    ارتفاع مؤشرات بورصة الدار البيضاء لدى إغلاق تعاملات اليوم    الجمعية العمومية لاتحاد الدراجات تعتمد خطة تطوير شاملة    مصدر أمني ينفي مزاعم الإخوان بشأن وفاة ضابط شرطة بسبب مادة سامة    الأسهم الأمريكية تفتتح على تباين مع ترقب الأسواق لاجتماع الاحتياطي الفيدرالي    ظريف يتلاسن مع الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي    كيف تحمي الباقيات الصالحات القلب من وساوس الشيطان؟.. دينا أبو الخير تجيب    سفير اليونان يشارك احتفالات عيد سانت كاترين بمدينة جنوب سيناء    إمام الجامع الأزهر محكمًا.. بورسعيد الدولية تختبر 73 متسابقة في حفظ القرآن للإناث الكبار    محافظ الجيزة يتابع انتظام العمل داخل مستشفى الصف المركزي ووحدة طب أسرة الفهميين    إنجاز أممي جديد لمصر.. وأمل مبدي: اختيار مستحق للدكتور أشرف صبحي    عضو مجلس الزمالك يتبرع ب400 ألف دولار لسداد مستحقات اللاعبين الأجانب    إعلان توصيات المنتدى الخامس لاتحاد رؤساء الجامعات الروسية والعربية    لليوم الثالث على التوالي.. استمرار فعاليات التصفيات النهائية للمسابقة العالمية للقرآن الكريم    23 طالبًا وطالبة بتعليم مكة يتأهلون للمعرض المركزي إبداع 2026    وزير الصحة يبحث مع الأوروبي للاستثمار إطلاق مصنع لقاحات متعدد المراحل لتوطين الصناعة في مصر    بعد ساعتين فقط.. عودة الخط الساخن ل «الإسعاف» وانتظام الخدمة بالمحافظات    السيدة زينب مشاركة بمسابقة بورسعيد لحفظ القرآن: سأموت خادمة لكتاب الله    أمين الأعلى للمستشفيات الجامعية يتفقد عين شمس الجامعي بالعبور ويطمئن على مصابي غزة    انطلاق أعمال المؤتمر الدولي ال15 للتنمية المستدامة بمقر الأمانة العامة للجامعة العربية    فرقة القاهرة للعرائس المصرية تكتسح جوائز مهرجان مصر الدولي لمسرح الطفل والعرائس    إقبال الناخبين المصريين في الرياض على لجان التصويت بانتخابات الدوائر الملغاة    عاجل- الاحتلال الإسرائيلى يواصل خروقاته لوقف إطلاق النار لليوم ال59 وقصف مكثف يطال غزة    حبس زوجين وشقيق الزوجة لقطع عضو شخص بالمنوفية    وزير الثقافة: أسبوع باكو مساحة مهمة للحوار وتبادل الخبرات    المقاولون عن أزمة محمد صلاح : أرني سلوت هو الخسران من استبعاد محمد صلاح ونرشح له الدوري السعودي    قرار جديد من المحكمة بشأن المتهمين في واقعة السباح يوسف    متحدث الصحة ل الشروق: الإنفلونزا تمثل 60% من الفيروسات التنفسية المنتشرة    الرئيس السيسي يؤكد دعم مصر الكامل لسيادة واستقرار ليبيا    أزمة سد النهضة.. السيسي فشل فى مواجهة إثيوبيا وضيع حقوق مصر التاريخية فى نهر النيل    الإفتاء تؤكد جواز اقتناء التماثيل للزينة مالم يُقصد بها العبادة    النيابة تطلب تقرير الصفة التشريحية لجثة سيدة قتلها طليق ابنتها فى الزاوية الحمراء    ضمن مبادرة «صحّح مفاهيمك».. أوقاف الغربية تعقد ندوات علمية بالمدارس حول "نبذ التشاؤم والتحلّي بالتفاؤل"    وزير الصحة يترأس اجتماعا لمتابعة مشروع «النيل» أول مركز محاكاة طبي للتميز في مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مفاوضات سبتمبر‏..‏ اتفاق أم كامب دافيد ثالثة ؟
نشر في الأهرام اليومي يوم 30 - 08 - 2010

عقب الحرب العالمية الأولي‏,‏ تفاوض الحلفاء مع ألمانيا في فرساي حول شروط الصلح‏,‏ وفرض الحلفاء علي ألمانيا في هذه المفاوضات شروطا قاسية ومهينة اقتصاديا وسياسيا‏,‏ وبلغ من قسوة هذه المطالب والشروط التي فرضها الحلفاء علي ألمانيا أن انسحب الاقتصادي الإنجليزي المعروف كينز احتجاجا‏,‏ والذي كان ضمن الوفد البريطاني في هذه المفاوضات‏,‏ وصرح عقب انسحابه قائلا يا إلهي كيف يمكن لبلد مهزوم أن يفي بهذه الشروط
كان النصر من نصيب الحلفاء في هذه الحرب مع ألمانيا‏,‏ وكان بمقدورهم فرض مثل هذه الشروط القاسية‏,‏ لأنه باختصار كان نصرا صافيا لاشية فيه‏,‏ أما في الحالة العربية‏,‏ الإسرائيلية فرغم انتصار إسرائيل في عام‏1967‏ ومنذ ما يفوق الأربعة عقود إلا أنها لم تتمكن من فرض شروطها كاملة‏,‏ فحتي الآن وباستثناء مصر والأردن والسلطة الفلسطينية فإن بقية الدول العربية لم تعترف بها قانونيا ودبلوماسيا‏,‏ كما أنها أي إسرائيل لم تعلن بعد علي الملأ حدودها كبقية دول العالم‏,‏ أما أمنها فلا يزال هو الشغل الشاغل للعقل السياسي الإسرائيلي والمؤسسة العسكرية والأمنية بل‏,‏ وللمواطنين الإسرائيليين فرادي وجماعات‏,‏ كما أن المقاومة والممانعة لا تزال ممكنة في كل وقت وفي أي وقت برغم الردع العسكري الإسرائيلي‏,‏ والخلل الفادح في موازين القوي علي صعيد العلاقات العربية الإسرائيلية والفلسطينية الإسرائيلية‏.‏
والحال أن المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية التي ستعقد في سبتمبر المقبل‏,‏ تواجه صعوبات جمة تضع مستقبلها ومصيرها في باب المجهول‏,‏ ليس فحسب لأن المفاوض الفلسطيني قد تراجع عن الشروط التي كان يتمسك بها لبدء وقبول هذه المفاوضات المباشرة‏,‏ مثل وقف الاستيطان وفي القدس بشكل خاص‏,‏ وتحديد مرجعية للتفاوض تتأسس علي انسحاب إسرائيل لحدود‏1967‏ ولكن أيضا لأن هذه المفاوضات ستستأنف في مناخ مؤات لإسرائيل سياسيا وعمليا‏.‏
ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية فيما يبدو قد باتت مقتنعة بأن إسرائيل القوية في المنطقة والمهيمنة قد أصبحت ضرورة سياسية وعسكرية واستراتيجية في المنطقة‏,‏ للسيطرة علي التداعيات والتفاعلات الممكنة التي تزخر بعديد من الملفات المقلقة للولايات المتحدة الأمريكية‏,‏ ومن ثم فإنه من الضروري أن تحتفظ إسرائيل بهيبتها ومكانتها‏,‏ وأن تتمكن من فرض شروطها وألا تخضع للضعوط الدولية والعربية‏,‏ وربما عزز تراجع إدارة أوباما عند بدء تعامله مع صراع الشرق الأوسط في مجال الاستيطان وكسب إسرائيل نيتانياهو هذه الجولة من هذه القناعة‏.‏
من ناحية أخري فإن الأوروبيين يشاطرون الولايات المتحدة هذه القناعة‏,‏ برغم الرطانة اللفظية التي يزين بها الخطاب الرسمي الأوروبي ملامحه أمام الرأي العام المتعاطف مع الشعب الفلسطيني‏.‏
وتذهب جميع الشواهد الملموسة لدعم هذا الاتجاه أي إقناع الولايات المتحدة بضرورة أن تكون إسرائيل مهيمنة وقوية في المنطقة‏,‏ فقد انحازت الولايات المتحدة الأمريكية إلي إسرائيل بعد اشتباك الحدود اللبناني الإسرائيلي‏,‏ وهددت لبنان بوقف تسلحه‏,‏ كما سارعت الولايات المتحدة بالتلويح لتركيا بتقليص التسليح الأمريكي لتركيا‏,‏ إذا ما استمرت هذه الأخيرة في تبني سياسة معادية لإسرائيل‏.‏
ولسنا هنا إزاء إبراء ذمة العرب والفلسطينيين من المسئولية إزاء التدهور الحاصل في طبيعة ومرجعية وهدف هذه المفاوضات‏,‏ أو إزاحة العبء عن كاهل العرب والفلسطينيين وتحميل الآخرين وزر ما آلت إليه الأوضاع‏,‏ بل يضاف إلي الدور الأمريكي والأوروبي والإسرائيلي الضعف العربي والانقسام الفلسطيني وفقدان الرؤية الاستراتيجية وانصياع الخطاب العربي والفلسطيني للخطاب الدولي حول القضية الفلسطينية والذي يتمثل في تغييب المحتوي التحرري لهذه القضية وإنكار طبيعة حركة التحرر الفلسطيني كحركة تحرر وطني‏,‏ تستهدف تحرير الأرض والانسحاب والجلاء قبل الدولة‏,‏ وأكاد أقول إنه ما كان للدور الأمريكي والأوروبي أن يظهر علي هذا النحو‏,‏ دون ضعف الموقف العربي والفلسطيني وجموده‏,‏ وعدم قدرته علي رسم معالم طريق آخر للتسوية والسلام يرتكز علي حقائق ووقائع ملموسة‏.‏
ومن الطبيعي أن ينعكس هذا المناخ علي المفاوضات التي توشك علي البدء‏,‏ ذلك أن الفجوة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي كبيرة‏,‏ حيث تستند المفاوضات من وجهة النظر الإسرائيلية إلي مبدأ عدم فرض شروط مسبقة للتفاوض‏,‏ وهو ما يعني أن المطالبة بالجلاء عن الأراضي التي احتلت منذ عام‏1967‏ بما فيها القدس الشرقية شرط مسبق وكذلك المطالبة بإزالة المستوطنات التي يتعارض بناؤها مع القانون الدولي‏,‏ أو إقامة دولة مستقلة ذات سياد ة وذات حدود آمنة‏,‏ جميع هذه المطالب في المنظور الإسرائيلي تعتبر شروطا مسبقة طالما تتعارض مع حدود ومتطلبات المفهوم الإسرائيلي للتفاوض والتسوية‏.‏
ولسنا بحاجة لعبقرية خاصة للتنبؤ بمصير مثل هذه المفاوضات‏,‏ فلو افترضنا أن إسرائيل قد تتمكن من فرض مطالبها وفق مفهومها للسلام مع الفلسطينيين‏,‏ أي تقاسم الضفة الغربية مع السلطة الفلسطينية والإبقاء علي الكتل الاستيطانية فيها ورفض اعتبار القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية ورفض حق العودة‏,‏ فلن يكون في مقدور السلطة الفلسطينية أن تمرر هذا الاتفاق لأنه سوف يلقي معارضة شديدة شعبية وطنية وإسلامية وعربية أيضا‏.‏
أما في حالة رفض السلطة الفلسطينية معالم هذا الحل الإسرائيلي ستعود المفاوضات إلي نقطة البدء‏,‏ وسوف تصبح هذه المفاوضات مجرد جولة في المفاوضات التي تجري منذ أعوام عديدة‏,‏ وسيبقي الملف الفلسطيني مفتوحا علي مصراعيه أمام جميع الاحتمالات‏.‏
وبين هذا وذاك فمن الممكن أن يطالب الجانب الإسرائيلي المفاوض الفلسطيني بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية‏,‏ وأن يطالب المفاوض الفلسطيني بالقدس الشرقية التي تتهود عبر الاستيطان وهدم المنازل وطرد سكان القدس لأسباب في ظاهرها قانونية وفي حقيقتها سياسية‏,‏ وفي هذه الحالة فإن المفاوضات سوف تشهد انهيارا وسيتحتم علي نيتانياهو أو علي محمود عباس أن ينسحبا من هذه المفاوضات‏,‏ وستحاول إسرائيل عبر علاقاتها الدولية أن تحمل الفلسطينيين مسئولية انهيار هذه المفاوضات علي غرار ما حدث في كامب دافيد عام‏2000.‏
في مواجهة ذلك بمقدور الفلسطينيين والعرب إعادة تعريف التسوية التي يريدونها ويقبلونها بلغتنا نحن‏,‏ وليس بلغة الآخرين‏,‏ أي أن يكون الهدف هو تحرير الأراضي المحتلة وأن ينطبق علي هذه الأراضي الفلسطينية والعربية ما انطبق في جميع الاحتلالات الأخري الاستعمارية لأراضي الغير‏,‏ وبنفس الآليات الدولية‏,‏ وأن يكون مطلب إقامة الدولة الفلسطينية بعد تحرير الأرض لا أثناء الاحتلال ذلك أن إقامة الدولة في ظل الاحتلال يخلق مضاعفات كثيرة تشكك في صدقية وتمثيلية الدولة ذاتها لمطالب الشعب الفلسطيني‏.‏
من ناحية أخري‏,‏ فعلينا أن نعرف أن الحالة العربية والفلسطينية الراهنة لن تنتج تسوية تلبي المطالب العربية والفلسطينية المقبولة رسميا‏,‏ وأن إنتاج تسوية بديلة تلبي هذه المطالب تقتضي وحدة الموقف الفلسطيني وإعادة بنائه من جديد وخلق جبهة فلسطينية عريضة وطنية وإسلامية تكون بمثابة حاضنة للمشروع الوطني الفلسطيني وملتزمة بتحقيقه إن بالتفاوض وإن بالمقارنة أو بكليهما مع توفير غطاء سياسي عربي جديد بهجر سياسة ما يقبله الفلسطينيون سقف لقبولنا وما يرفضونه سقف لرفضنا‏,‏ غطاء سياسي يقوي اللحمة والصلة بين القضية الفلسطينية وبين الوضع العربي العام‏.‏
ما لم يمتلك العرب والفلسطينيون تصورا استراتيجيا واضحا ومستقلا يستند إلي أجندة واقعية من المهمات والأولويات الممكنة والمطلوبة لتعزيز هذا التصور وتدعيم مقبوليته الدولية‏,‏ فإن المفاوضات التي ستجري في سبتمبر المقبل برعاية أمريكية قد تعيد إنتاج كامب دافيد ثالثة يعقبها أو يصاحبها موجة عارمة من السخط والغضب الشعبي الفلسطيني قد يقود إلي انتقاضة ثالثة أيضا ومضاعفات ليس من السهل التنبؤ بعواقبها‏.‏
المزيد من مقالات د. عبد العليم محمد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.